أثر الحروب على الإنسان (السودان نموذجاً)
بقلم: عاصم موسي محمد (سوداني)
يُشير لفظ الحروب إلى تلك الصراعات الناشئة بين جماعات سياسية مختلفة، والتي يُمارس خلالها أعمال عدائية غير مشروعة ينتج عنها أضرار كبيرة، وتُعرّف الحرب وفقاً لعلماء الاجتماع بأنها صراعات تقوم بين كيانات مختلفة مستقلة، ومعترف بها دولياً، فليست كل النزاعات تُسمى حروباً، إذ إنّ الاختلاف في طبيعة الأطراف المتنازعة ينتج عنه اختلاف في مسميات هذه النزاعات، فيُطلق على النزاعات المُسلحة التي تنشأ بين الدولة القوية والشعوب الضعيفة غير القادرة على الدفاع عن نفسها كصراع الحكومة السودانية ضد شعوب بطالب بنيل حقوقها مثلاً اسم الحملات العسكرية أو الاحتلال (كما يجري الآن بين جنجويد عابرة للحدود ضد شعوب أصيلة) ، فيما يُطلق على نفس النوع من النزاع اسم (حرب) إذا إستمرت المقاومة خلالها لفترة طويلة من الزمن،
عندما نسمع مصطلح الحرب نعلم جيداً ما تحمله هذه الكلمة من سلبيات كبيرة جداً وقد لا يُخفي هذا على الكل وآثارها تمتد لسنين طويلة.
أثارت الصراعات المتعددة على مر العصور اهتمام الخبراء وصنّاع القرار في العالم؛ مما دفعهم لسنِّ البرامج والقوانين والتشريعات التي تحفظ حقوق الإنسان أثناء نشوبها، فوضعوا العديد من القوانين التي تحفظ هذه الحقوق، فكان منها قانون حقوق الإنسان، وقانون اللاجئين، والقانون الأساسي، وهي القوانين التي تحظر أعمال العنف والتمييز والتعذيب، وتوضح طريقة سير النزاعات، وكيفية التعامل مع الأسرى، وحماية شعارات الصليب الأحمر، وغيرها من الأمور التي تتعلق بسير الحروب، إلّا أنّ ذلك لم يمنع انتهاك الحروب لحقوق الإنسان، وتسببها بالعديد من الآثار السلبية قريبة وبعيدة الأمد.
نالت الحالة النفسية للمدنيين اهتماماً واسعاً من قِبل العديد من المؤسسات الدولية، حيثُ قدّر البنك الدولي وجود أكثر من مليار شخص حول العالم ممن عاشوا في مناطق متأثرة بالنزاعات المسلحة والحروب، ومن جانب آخر قدّرت المفوضية العُليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أنّ هُناك ما يُقارب 60 مليون مدني قد نزحوا ورُحّلوا قسراً من ديارهم إلى مناطق أُخرى بسبب الحرب التي جعلت حياتهم مُعرضة للخطر وذلك اعتباراً من عام 2015م، هذا دون حرب الحاري في السودان و هروب الألاف من الشعب السوداني خارج حدود الوطن و من مدن لأخري داخلياً ، ويُعتبر هذا الرقم أكبر عدد لاجئين سُجّل منذ الحرب العالمية الثانية، وأثارت هذه الأرقام الضخمة اهتماماً واسعاً، وذلك لوضع سياسات للتعامل مع الاضطرابات النفسية التي قد تظهر على المدنيين نتيجة للحرب، حيثُ أثبتت العديد من الدراسات والأبحاث أنّ الأشخاص المدنيين الذين عاشوا الحرب، أو نزحوا من بلادهم هم أكثر عُرضة للإصابة بحالات الاكتئاب والصدمات النفسية، والضيق النفسي الشديد من غيرهم من الأشخاص الذين لم ينزحوا من بلادهم، أو يعيشوا ظروف الحروب القاسية، و مدينة ادري التشادية نموزج ، و هذه الآثار النفسية الناتجة عن الحروب بختلف تماماً من حيث التأثيرات على الأطفال تبعاً للمرحلة التي يمر بها الطفل، مما يوجب التعامل مع الأطفال بطريقة خاصة ومختلفة عن غيرهم، وذلك لأنهم ما زالوا يمرون بمرحلة نضوج فكري، وجسدي، وعاطفي، وإجتماعي، وينجم عن تعرض الطفل لضغوطات الحروب آثار عديدة وبعيدة المدى، فالحروب تؤثر على تطوير شخصيته وبنائها، وعلى المعايير الداخلية للصواب والخطأ لديه، كما تؤثر على ضبط ردود أفعاله العدوانية، بالإضافة إلى ما تخلّفه له من مشاكل صحية تؤثر على الأعصاب، وكما ذكر الكثير من المختصين عدم إدراك الطفل في أغلب الحالات لماهية الوضع الذي يعيشه أثناء الحروب، ومن ناحية أُخرى قد تنعدم قدرة الطفل على التعبير عن آلامه وأحزانه التي مرّ بها أثناء ذلك، وتتحول صراعاته الداخلية ومشاعره إلى كلمات تدفعه لاستخدام أساليب أُخرى في التعبير عنها قد تظهر على شكل سلوكيات عدوانية فيما بعد(استخدام العاب نارية ضد بعضهم في شكل تمظهرات الحرب)
الآثار الاقتصادية للحروب على الإنسان تؤدي الحروب إلى خسائر وتكاليف اقتصادية كبيرة جداً تبدأ من فقدان البلاد للبنية التحتية، وعدد كبير من المباني، وخلق حالة من عدم قدرة المواطنين علي الإنتاج ، وإرتفاع الديون العامه على الدولة، بالإضافة إلى الخسائر البشرية التي تتسبب بها،و حدوث تضخّم اقتصادي، وهو الأمر الذي سيجعل النظام المالي يفقد ثقة المواطنين بفقدان قيمة النقد ، ففي الحرب الأهلية الأمريكية مثلاً، واجهت الكونفدرالية تكاليف الحرب الباهظة التي فاقت قدراتها في ذلك الوقت بطباعة النقود بهدف دفع رواتب الجنود المستحقة عليها، مما نتج عنه هبوط حاد في قيمتها، وهو الأمر الذي جعل قيمة الأموال المدّخرة لدى المواطنين من الطبقة الوسطى تحديداً لا تساوي شيئاً، و بذات المنوال في حرب الجنرالين العبثي هذا حدثت تلاعب بالعملة السودانية بطباعتها بشكل مزوره من قبل جهات معنية أو و انهيارها أمام العملات الاجنبية مما جعل أقل فئة نقدية متداوله في السوق في الوقت الراهن هي فئة مئة جنية سوداني و لربما سقطت هذه المئة في كثير من الاسواق؛ ويُعتبر هذا افراط في الدولة من قبل اشخاص يظنون انفسهم مسؤولين منها؛ فارتفاع مديونية الدولة السودانية بات أمراً مخيفاً ، غالباً ما تشهد الدول خلال الحروب ارتفاعاً سريعاً للدين العام في القطاع الحكومي؛ وذلك لأنّ الدولة تكون على استعداد للاقتراض بصورة تفوق المعتاد من أجل دعم نظامها وتعزيزه أثناء الحرب، و نحن الان ما تبقي لنا سواء الفرفرة الأعلامية للبلابسة و علي شاكلتهم الذي لا ينظرون للمستقبل الا من زاوية (بل بس) .
الحروب الأهلية: تُعدّ الحروب الأهلية واحدة من أكثر الأمور التي تشكل خطراً على أي دولة، فهذا النوع من الحروب يُعدّ عاملاً أساسياً في تدمير الاقتصاد، لما تشهده البلدان خلالها من تراجع في الاستثمار على الصعيدين المحلي والأجنبي، فإنّ حجم المُساعدات الدولية المقدمة لأفريقيا يُساوي تكلفة الحرب نفسها، وللحروب الأهلية آثار عديدة، حيثُ اختبرت جمهورية الكونغو الديمقراطية حرباً أهلية في منتهى الصعوبة كان قد نتج عنها مقتل ما يقارب 4 ملايين إنسان، بالإضافة إلى خسائر مالية بلغت 9 مليارات جنيه استرليني. حجم التكاليف: ينتج عن الحروب حجم كبير من التكاليف المالية، وتختلف هذه التكلفة تبعاً لمدة الحرب ونوعها، ومجرياتها وما آلت إليه من نتائج، كما تختلف النفقات أيضاً تبعاً للأضرار الناجمة، حيث تؤخذ الأموال التي تُصرف في إصلاح الدمار الناجم عن الحرب في عين الاعتبار، بالإضافة إلى الخسائر البشرية التي لا يمكن تعويضها، فحرب الجنرالين ضد الوطن و المواطن خلق نوع من خطاب الكراهية و العنصرية في كل شبر من ارض الوطن مما بات نشوب حرب الكل ضد الكل علي الابواب و صافرتها قد إقترب جداً و مدينة الجنينة ليست الاولي ولا الاخيرة لهذا الباب.
آثار الحروب على المدى البعيد للحرب آثار عديدة تظهر على المدى القريب، إلا أنّ تأثيرها على المدى البعيد كارثي أيضاً، فالحرب لها تأثير كبير على صحة الأفراد في المجتمعات ورفاهيتهم، حيثُ أظهرت العديد من الدراسات أن الحروب تسببت في وقوع عدد من الوفيات والإعاقات يفوق أي عدد قد سببه أي مرض خطير آخر، وتكمن خطورة الحروب بأنها تدمّر الأسر التي تعد أساس المجتمعات، وهو الأمر الذي ينتج عنه خلل في النسيج الاجتماعي للدولة، بالإضافة إلى ما سلف ذكره من آثار مادية ونفسية تخلّفها على الأفراد، ينتج عن الحروب انخفاض كبير في رأس المال المادي والبشري، فبالإضافة إلى ما تتسبب به هذه الحروب من إزهاق مباشر لأرواح الأفراد هُناك دراسات وإن كانت غير قاطعة تشير إلى ارتباط الحروب بظواهر خطيرة أخرى مثل انتشار الفقر، وسوء التغذية، والإعاقات المختلفة، والأمراض النفسية والاجتماعية، وعدد كبير من المشكلات التي لا حصر لها.
15 نوفمبر 2023م