أحداث غرب دارفور، الأسباب والدوافع
بقلم: محمد بدوي
سلسلة الأحداث التي شهدتها ولاية غرب دارفور في الفترة الإنتقالية سجل الأحداث يمكن تتبعه من الإسبوع الثالث من ديسمبر 2019 بداية بالهجوم الذى شهده معسكر كريندق ثم كريندق 2، مستري بكلبس،جبل مون(1-2-3)كرينك(1-2)لابد من الإشارة إلى أن أزمة درافور 2003 و بالتركيز على غرب دارفور نزوح المدنيين الى معسكرات النزوح واللجوء قادت الى محو 700 قرية من خريطة غرب دارفور الإدارية نتيجة لنزوح أهلها و تعرضها للحريق والتخريب، بعد العام 2007 شهد اقليم دارفور بشكل عام هدوءا نسبيا نتيجة لنشر قوات حفظ السلام المختلطة اليوناميد في 31 ديسمبر 2007، أما بالنسبة لغرب دارفور فقد تطور المشهد إلى أن تحول أحد قادة” مليشيات” حرس الحدود البارزين بغرب دارفور موسي حامد أمبيلو إلى وحدة حراسات الوالي جعفر عبدالحكم ثم حيدر جلكوما أتيم رغم أنه تعين بموجب وثيقة سلام الدوحة 2011، التحولات التى حدثت فى العام 2013 من التوترات بين قائد مليشيات حرس الحدود موسى هلال و الخرطوم ،ثم صعود العميد بحرس الحدود أنذاك محمد حمدان دقلو الى المشهد متولياً قيادة حرس الحدود بعد تغيير إسمها إلى الدعم السريع تبعته تحولات بتحول قادة حرس الحدود فى الولايات إلى مظلة الدعم السريع فتراجع وضع بعض قادة المليشيات مثل حركة أسد أحد المؤسسين لها بغرب دارفور ودانت السيطرة لأمبيلو نسبياً إلى جانب القادة الأهليين من المجموعة العربية من الذين حملوا صفات الأمراء و العمد.
المراقب لمسار الفترة الإنتقالية فى السودان يقف على أنه برزت أحداث فى وقت مبكر كشفت عن مظاهر صراع للسيطرة على السلطة بين جنرالات المجلس العسكري، حيث مؤاشرات الصراع بدأت بشكل واضح متمثلة فى حادثة الإعتداء على المحتجين السلميين بساحة القيادة العامة بالخرطوم في 3 يونيو 2019 أو ما عرف بحادثة “فض الإعتصام” إلى جانب المحاولات الإنقلابية المتعددة قبل إنقلاب 25أكتوبر2021
لعله يثور السؤال حول علاقة غرب دارفور بصراع الجنرالات والسلطة، فى تقديري أنها أختيرت كمسرحاً ثان للصراع بعيد عن الخرطوم لعدة أسباب، فقد.مثلت احد المناطق التى إستهدفها النظام السابق بشكل ممنهج لتفكيك الولاء السياسي لحزب الأمة لصالحها عبر إستغلال التناقضات المرتبطة فكرة مكلية الارض ، الموقع الحدودي و الإنضمام الحديث للدولة السودانية فى ١٩٢٣ دون الإهتمام بالخدمات والتنمية تم إستغلاله فى إشعال الصراعات حول الموارد فى وقت مبكر بين بعض المكونات ، وبتتبع الخلفيات التاريخية فإنها تشير إلى أن الفريق أول عبدالفتاح عبدالرحمن البرهان له سجل من المعرفة والدراية الواسعة بغرب ووسط دارفور منذ العام1997 الذى رافق فيه الفريق بالإستخبارات العسكرية محمد أحمد علي الدابي مبعوث رئيس الجمهورية انذاك لغرب دارفور في وظيفة السكرتير وكان حينها فى رتبة الرائد، جاءت مهمة الدابي على خلفية الصراعات التى بدأت فى العام 1996 بين المساليت والعرب.
فى تطور لاحق فى العام 2000 تم تعيين البرهان فى وظيفة ادارية كمحافظا لمحلية بيضة التى تعتبر هي المنطقة التي شهدت أحداثا واسعة و أستمرت لفترة طويلة حتى بداية الأحداث بشكلها الواسع فى كل دارفور فى العام 2003، هذه الخلفية وضعت البرهان كرئيس للجنة أمن محلية بيضة بما جعله على دراية بكل ما يجري و على علاقة بالإدارات الأهلية المتحالفة مع المؤتمر الوطني و على الجانب الآخر من الحدود فى ظل توتر العلاقة او بوادرها بين السودان وتشاد أنذاك وارتباطها بإستضافة ودعم المعارضة السياسية المسلحة من قبل كل دولة لابد من الإشارة إلى أن قوام القوات السودانية بها و هو خليط من القوات المسلحة وقوات جهاز الأمن والمخابرات الوطني
بالتزامن مع بداية الأحداث في دارفور فإنتقل البرهان كمحافظ زالنجي (وسط دارفور حالياً) وهي تبعد اقل من 170 كيلومترا من الجنينة عاصمة غرب دارفور لينشط فى تكوين شبكات علاقات مع المناوئيين للحركات المسلحة من الإدارات الأهلية،من حيث الإرتباط بالإدارات العشائرية من الناحية السياسية و الزمنية يتفوق البرهان على حميدتي فلامقارنة بين كل من غرب ووسط دارفور فزمنياً حتي العام 2008 كان حميدتي يناور فى علاقته مع الخرطوم وتارة فى تحالفات قصيرة مع بعض الحركات المسلحة.
في العام 2014 تبدل وضع حميدتي تبعاً لتغيير مسمي حرس الحدود الى الدعم السريع ليصبح القائد لها برتبة العميد لكن فى حالة ولاية غرب دارفور فرغم شمول ذلك التحول لبعض قادة حرس الحدود الإ أنها إلى جانب أغلب الإدارات الأهلية كانت تدي بالولاء لحزب المؤتمر الوطني المحلول .
المراقب لقائمة أوامر القبض التي صدرت من المحكمة الجنائية الدولية على علاقة بملف دارفور يقف على أنه لم يشمل غرب دارفور بل تكاد تصريحات المحكمة تخلو إلى أي حدث مرتبط بغرب دارفور بما جعل معظم الفاعلين سواء من الإدارة الأهلية بما يشمل قادة بعض المجموعات التي تعتبر من ضحايا الصراع و قادة المليشيات فى ذات الوضع حتي سقوط نظام المؤتمر الوطني في 2019 بما جعل تأثير تحولهم إلى صفوف الدعم السريع لا ينفي احساسهم بالعلاقة الأقدم مع الخرطوم.
كما أنه تمثل الولاية الوحيدة في السودان التي تكاد تخلو فيها عمليات التعدين عن الذهب بشكلها المنظم والواسع نتيجة لمناهضتها بشكل مستمر من قبل السكان المحليين، فهذا يضيف إليها ميزة إقتصادية إلى جانب وضعها الحدودي و الإقتصادي المرتبط بالتجارة الحدودية، لعل هذا يوضح اسباب اختيار غرب دارفور من أحد الأطراف كمسرح للصراع الذي يتفوق فيه البرهان.
المراقب يقف إلى أنه بعد أحداث كريندق 1 و 2 إضطر حميدتي الى تغيير قادة الدعم السريع بغرب دارفور على التوالي العقيد موسي حامد أمبيلو ثم العميد إدريس حسن لكونهما فشلا فى السيطرة على القوات ومشاركتهم فى الحدثين، ليتم تكليف ضابط سابق بالقوات المسلحة من خارج دارفور وهو العقيد علم الهدى، لكن ذلك لم يغير الكثير فقد شهدت فترته أحداث جبل مون وكرينك1،2،و لعل السؤال لماذا؟ ببساطة لأن العلاقة بين الخرطوم وقادة حرس الحدود الذين إعتمد عليهم حميدتي لاحقًا فى الفترة الإنتقالية قد تتجاوز نصف عمره أي ما يقارب ال 24 عاماً
بالنظر الى سياق العلاقات داخل المجموعة العربية بدارفور يعتبر موسى هلال عبدالله أحد القادة الأهليين وزعيم عشائري داخل مجموعته وبين نظرائه بعيداً عن وجهه الاَخر ليأتي إعتقاله مع بعض منسوبيه و أفراد أسرته موسى هلال فى نوفمبر 2017 لتفشل كافة المحاولات فى إطلاق سراحه الذي تم في 21 مارس 2021 عبر إتفاق أنهى محاكمته العسكرية، هلال يعتبر أحد القادة الذين أشتركوا فى السياق الزمني مع أغلب قادة المجموعة العربية بغرب دارفور فى علاقتهم بالخرطوم أو المؤتمر الوطني، الأمر الذي يجعل مسألة جدار الثقة والمآلات محل إعتبار كبير فى السياق، في ابريل 2022 ،نشرت قبيلة المحاميد التي ينتمي اليها بيانا نددوا فيه عن محاولات آل دلقو ومحاولات اعادة توطين المحاميد بعيد عن مناطقهم في منطقة الزرق الصحراوية بشمال دارفور لإخضاعهم إلى سلطة عشائرية جديدة لتفكيك نفوذ هلال، لعل البيان قد يوضح سبب عدم مشاركة المحاميد فى الهجوم على كرينك في يومي 22 و 24 أبريل 2022 بل بعد أحداث جبل مون وبالتزامن مع اللقاء الذي جمع بعض قادة المجموعة العربية والمسيرية جبل بقيادة الجيش بالجنينة أصدر المحاميد بياناً أشار الى اهمية التعايش السلمي بين المجموعات المتقاتلة .
انسحاب الجيش ضمن القوات الحكومية المدمجة في 24 ابريل 2022 قبل الهجوم على كرينك يجعل الأجابة على سؤال الحماية غائباً لأنه تم تغليب وضع الدعم السريع فى خانة المهاجم المشترك فى كل الأحداث حيث انتشرت صور الهجوم والمهاجمين بسرعة البرق فى وسائل التواصل الاجتماعي وهم بزي الدعم السريع وتصوير من ذات القوات وليس طرف خارجيا ليصل حميدتى من تركيا و يصرح بأن ما حدث مؤامرة لأنه إكتشف أن بعض القادة الذين كانوا جزء من التوقيع على الاتفاق مع المسيرية جبل ليسوا بعيدين عن ما حدث في كرينك حينما حاول اخماد ما حدث في جبل مون بعيدا عن العدالة فى ديسمبر 2021 بعث العقيد موسي امبيلو كرئيس للجنة المصالحات بالدعم السريع ، ليترك الباب لسلطان المساليت الذي كان يرى ان امر الولاية يجب الا يخرج من منزل السلطنة في الفترة الإنتقالية لتأتي الطامة بمحاولة حميدتى لتكوين ادارة اهلية جديدة للتاما و هو يعلم ان جميع القبائل تخضع لسلطات سلطان المساليت الذي يقف على رأس السلطنة فى السودان وتشاد معا لينحاز السلطان للبرهان مكملا دائرة السيطرة على الادارة الاهلية
قبل سقوط نظام البشير سارع الدعم السريع فى اغسطس ٢٠١٧ فى السيطرة على مقار بعثة اليوناميد بمناطق مليط بشمال دارفور ليشير الي رغبة لاتخاذها مقارا مستقبلية الأمر الذي يفسر نهب وتخريب مقار اليوناميد د والاعتداء عليها فى كل من نيالا ، الجنينة ، الفاشر وزالنجي بأربع ولايات من الخمس بدارفور بل ان في نوفمبر2021 وفي خضم صراع جبل مون نشر البرهان كتيبة من الجيش بالمنطقة ليقطع الطريق لسيطرة حميدتى عليها وهي الغنية بالموارد والاستراتيجية عسكريا لحلفاء محتملين من المسيرية
تصريحات الجنرال خميس ابكر والي غرب دارفور بعد احداث كرينك لم يتوارى الرجل أمامها على خلفية علاقته بحميدتي وهو من احضره حميدتي من احد دول شرق افريقيا ليرأس س التحالف السوداني الذي دفع به للتفاوض بجوبا لينتهي به رئيسا للتحالف واليا لغرب دارفور ، وهذا يشكل اسفينا أخر في سياق تحالفات جوبا التي خطط حميدتي للإستناد عليها فى سياق صراعه مع البرهان و هو الاتفاق الذي أشارت احداث الفاشر والجنينة وغيرها سقوطه الرأسي أو فشله المتراجع.
اذا نشر الجيش كتيبة بمنطقة كرينك ستكون الثانية بعد التي نشرت بجبل مون في فبراير2022 بما يعطي الجيش افضلية في السيطرة بالنظر الي أن المراكز العسكرية منها القيادة باردمتا بالجنينة و هنالك البعثة المشتركة على الحدود في خط طولي شرقاً غربا
اخيرا المشهد الان مماثل تماما لما بدأ فى 1996 و ما تلاه فى 2003 حيث يجمع المسرح اغلب القادة الذين كانوا جزء من المشهد فى التاريخين بينما يعتبر القادم الجديد هو قيادة الدعم السريع الذي يؤرخ لعلاقته بغرب دارفور من 2014 بينما تظل حالة غرب دارفور التى ترجح احصائيات غير رسمية ان الضحايا من كافة الأطراف فى الفترة الانتقالية قد تصل إلى حوالى 2000 قتيل رهينة بالتحول الديمقرلطي وسقوط إنقلاب ٢٥ أكتوبر٢٠٢١ ، مراجعة اتفاق سلام السودان ٢٠٢٠، و توفر مناخ يساعد على تعزيز المحاسبة، تعزيز بناء ,دولة بهياكل دستورية تساهم فى فك شفرة عسكرة المجتمعات و تكوين قوات نظامية قومية، هذا مع إعادة النظر فى تشريعات التعدين وإستغلال الموارد و التنمية التى تعزز من تكامل علاقات الإنتاج بدلا من تناحر أطرافها.
30 أبريل 2022م