مقالات الرأي

أخطاء بلينكن وبيرييلو (١٠)


بقلم: الصادق علي حسن

معالجة الأخطاء والقصور :

نتيجة لضعف أنشطة ومساهمات التنظيمات الحزبية السودانية بصورة عامة وعدم وجود طرح حول مآلات الدولة ومستقبلها، لا يعرف الرأي العام السوداني حتى الآن ماهية القوى السياسية السودانية المستعدة لإدارة الدولة في مرحلة ما بعد وقف الحرب وبرنامجها ومدى استعدادها ، كما ولم يشرع الوسيط الأمريكي توم بيرييلو في أي مشاورات معلنة مع أي قوى حزبية أوسياسية سودانية مما يعني عدم وضوح دور الأحزاب في خططه حتى الآن ، لقد صارت هنالك مجموعات من المنظمات والشبكات والحملات تقوم بملء الفراغ السياسي العريض تحت غطاء مظلة المجتمع المدني وأدى ذلك إلى تخلي هذه المنظمات والكيانات عن مهام مسؤولية الرقابة على الأوضاع العامة بالدولة والحرب الدائرة فصارت هي نفسها تمارس النشاط السياسي بصورة مباشرة مثل الأحزاب والتنظيمات السياسية ، وبالرغم من أن الوسيط الأمريكي في مفاوضات جنيف أعلن بأن مفاوضات جنيف متعلقة بوقف الحرب والمساعدات الإنسانية ، ولكن في ختام المفاوضات وفي بيان منشور بإسم الوسطاء تم الاحتفاء بمشاركة النساء السودانيات في أنشطة مصاحبة للمفاوضات وتعهدات بادماج توصياتهن من خلال مسارات العملية التفاوضية ، لقد قام معهد السلام الأمريكي بحسب إفادات من نساء سودانيات بتسهيل مشاركة العديد من النساء في ورشة عمل أثناء فعاليات مفاوضات جنيف التي ضُرِبت عليها سياجا من السرية والكتمان للتقرير بشأن قضايا النساء في المفاوضات ، وقامت المجموعة النسائية المشاركة بالدفع بمذكرة بمطالب المرأة السودانية للوسطاء وظهرت هذه المطالب في البيان المذكور ، هذا النهج أيضا كشف عن القصور في منهجية عمل الوساطة، فطالما كانت العملية التفاوضية حصرية على طرفي التفاوض (الجيش والدعم السريع) وعن أجندة محددة فلماذا الدفع بنخبة من النساء تحت غطاء قضايا المرأة، أيضا تجزئة القضايا وعرضها من خلال منصات سودانية منفصلة ليس له ما يبرره، هذا قد يدفع بقطاعات أخرى لمحاولة الدفع بمطالبها مثل النازحين واللاجئين والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة،،،الخ وبالتالي تتحول القضايا التي يفترض أن تبحث بين القوى المدنية والسياسية السودانية ضمن القضايا الأخرى أولا إلى طاولة جنيف مفاوضات مباشرة ، وتصبح من مهام الوساطة البحث في كل الشؤون والقضايا الأخرى فتتجاوز مهامها دائرة التوسط بين الطرفين والتقرير في أجندة التفاوض المحددة ، إلى البحث في مجمل القضايا ، ولن تصل فيها إلى نتائج ، في المقال السابق كتبت عن مدى إمكانية تطوير نشاط تلكم النساء ليتسع ويشمل ويعبر عن كل النساء السودانيات فوجد ذلك الرأي النقد الشديد من قبل العديد من النساء اللآتي كان نقدهن حول معايير الاختيار وحديثهن عن نخب النساء في المجتمع المدني ، لقد كان على الوسيط الأمريكي النأي عن الزج بالمنظمات السودانية في أعمال مفاوضات جنيف بخصوص وقف الحرب والمساعدات الإنسانية وأن تراعي ضرورة مشاركة المنظمات أو الكيانات في أنشطة تتواءم مع مهامها الرقابية خاصة في ظل ظروف الاستقطاب مهما كانت وجاهة الأسباب التي تستدعي ظهورها مثل إبراز مطالب المرأة السودانية في المفاوضات ، إن الدور المؤثر للنساء يتكامل مع غيره ليبرز من خلال منصات العمل السوداني الموحد، ولكن مثل هذا العمل المستقل بذاته بخلاف ما اثاره من خلافات بين النساء أنفسهن فيما يتعلق بالاختيار والمعايير، وهذا الشأن النسوي لم أقصده ، ولكن ما أقصده هنا الأثر السالب في فتح نافذة لبحث شؤون سابقة لأوانها، وهي شؤون يفترض أن تبحثها الأطراف السودانية داخل تنظيماتها المدنية والحزبية والسياسية والنسوية فيما بينها وليس مباشرة مع الوسيط ، هذا اللبس، إضافة لعدم الإعلان عن أي ترتيبات لمشاركة أي قوى مدنية سياسية سودانية في أي عملية تفاوضية سياسية محتملة ، جعلت وكأن وقف الحرب صار مقصودا لذاته من دون التأسيس لترتيبات ما بعد وقف الحرب، وبالتالي فتح المجال عمليا للطرفين المتحاربين لمباشرة كل المهام المتعلقة بالشؤون والقضايا الأخرى وإدارة الدولة أثناء وقف الحرب (في حال التوصل إليه) ، أو قد تكون هنالك ترتيبات تتم من خلال منصات أخرى ولم يتم الإعلان عنها كالمجموعة النسوية المذكورة ، وهذه هي المتاهة والدوران في الحلقة المفرغة .
يُحمد للوسيط الأمريكي جهوده وما حققه من نتائج في جانب المساعدات الإنسانية بفتح معبري أدري والدبة ولكن بالضرورة حتى يحقق الوسيط نتائج إيجابية في قضايا الحل السياسي الشامل ألا يحيل العملية التفاوضية لأعمال أشبه بأعمال النشطاء في السياسة السودانية ، فقضايا الراهن بالبلاد صارت معقدة ومرتبطة بمحاور ومصالح خارجية وباتت أكثر تأثيرا من ذي قبل .
إن الدولة السودانية ما بعد وقف الحرب لن تصبح أوضاعها على الإطلاق كقبلها و بالضرورة على كافة القوى السياسية السودانية البحث عن وسائل العمل المشترك للحفاظ على الدولة نفسها (تقدم – التغيير الجذري- المستقلون وغيرهم) وقد علت الحرب من ضرورات العمل المدني السلمي المشترك من أجل الحفاظ على الدولة أولا ،لقد فقدت البندقية قيمتها كوسيلة معتبرة من وسائل التعبير والتغيير، كما ولم يعد الشارع السوداني يرى في البندقية أنها من وسائل الكفاح المحترم وشواهد ممارسات الحركات المسلحة المتكالبة على المناصب والأموال تكفي ، صارت البندقية من أدوات الاستنفار المناطقي والقبلي ومن معايير قسمة محاصصات السلطة في بورتسودان ومدى مساهمة القبيلة في المجهود الحربي،كما ومن أدوات نفير الدعم السريع في الحرب باستمالة القبائل والعشائر والأفراد .
مبادرة الفاشر والدعوة للحوار السوداني السوداني صارت من جهود التلاقى بين التنظيمات والكيانات السودانية في إطار البحث السلمي عن الحلول لقضايا البلاد ونافذة للحوار حتى وإن لم تحقق أهدافها المرجوة فقد فتحت الباب على مصراعيه للعديد من السودانيين/ات للمفاكرة ، إن إعتماد مبدأ الحوار بين السودانيين أنفسهم سيظل المدخل السليم لأي مفاوضات ناجحة ، بعد تعثر مفاوضات جنيف على مكتب المبعوث الأمريكي البحث حول خيار صناعة عملية السلام من أرض الواقع، فلن يكون هنالك من سلام أو تسوية مستقرة ما لم ترتكز على السند الداخلي ، إن جدة، المنامة، القاهرة، جنيف عبارة عن روافع ولكن السلام المستقر في حالة ظاهرة تشظي الدولة السودانية منبعه الحقيقي ومرجعيته الداخل مثل مبادرة حركة جيش تحرير السودان والتي قيمتها في أنها ستكون فرصة لكل السودانيين للشروع بصورة جادة في بحث متطلبات وقف الحرب والتأسيس السليم للدولة السودانية والتخلي عن البندقية بصورة نهائية، لقد سبق لي ان ذكرت لمكتب المبعوث الأمريكي ضرورة النظر لخيارات انتاج الحلول من خلال المبادرات السودانية مثل تطوير مبادرة رئيس حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد للحوار السوداني السوداني وعلمت بعد ذلك بان التواصل معه قد حدث بالفعل ، منذ أكثر من عشرة سنوات وصل وفد أمريكي رفيع إلى الخرطوم ودعا هيئة محامي دارفور لإجتماع كان جنده الطلب من الهيئة التواصل مع عبد الواحد النور واقناعه للإنضمام للحوار السلمي ووقتذاك اعتذرت الهيئة لأن ذلك ليس من مهامها ، كما وليست لها صلة بأنشطة الحركات ووسائلها ولا تستطيع أن تتحدث مع من يحمل السلاح لاستبدال وسيلته التي يراها ، والآن عبد الواحد النور نفسه (مستر نو )بكامل إرادته و إختياره أطلق دعوة للحوار السلمي السوداني السوداني، دعوة خرجت والدولة تعاني في كل أجهزتها ومكوناتها الإجتماعية من حالة التصدع التام، فهلا استجاب المبعوث الأمريكي وقام بتعزيز سبل هذه المبادرة ليتحقق الحوار السوداني السوداني الجامع وتجد مخرجاته المساندة الأمريكية والدعم الدولي كما وليس بالضرورة مبادرة عبد الواحد النور بل أي مبادرة أخرى تستهدف الحوار السوداني السوداني، ولكن ميزة مبادرة عبد الواحد النور أنها صدرت من محارب ظل يحارب لعقدين من الزمان وهو يسيطر على مساحات شاسعة، وحركته أكثر قوة وجاهزية من ذي قبل، وقد صار مقتنعا بأن مرحلة البندقية قد ذهبت وأن الدولة تحتاج لجهود كل أبنائها بالحوار السلمي.

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x