أخطاء بلينكن وبيرييلو (٣)

بقلم: الصادق علي حسن
بيرييلو عدم وضوح الرؤية :
تصريحات السيد توم بيرييلو مبعوث الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن قائد الجيش السوداني البرهان كان منفتحا على مشاركة الجيش في محادثات جنيف لكن هنالك قوى سياسية سلبية للغاية تعيقه، تكشف هذه التصريحات بأن السيد توم بيرييلو بات قليل الحيلة بعد أن رفع سقوفات أماني وتطلعات الشعب السوداني لأعلى درجاتها في انتظار إعلان وقف الحرب في مفاوضات جنيف ثم عاد وهبط بها إلى أدني درجاتها ليتوقع الشارع السوداني المزيد من التصعيد والقتال المستعر ، تصريحات بيرييلو ومحاولاته القاء اللائمة في فشل مفاوضات جنيف على قوى سياسية أعاقت البرهان المنفتح تؤكد بأن كل تصوراته كانت مبنية على افتراضات غير صحيحة، فالمعلوم بالضرورة للكافة بأن حزب المؤتمر الوطني وحركة الإسلام السياسي أعلنتا منذ فترة طويلة رفضهما ذهاب قائد الجيش لمفاوضات جنيف لدرجه التهديد وبالتالي الحديث عن قوى سياسية أعاقت قائد الجيش البرهان كتبرير لفشل مفاوضات جنيف لا قيمة له ولا معنى، ولا يسنده منطق على الإطلاق ، لم تسفر جهود بيرييلو بأي نتائج تجاه وقف الحرب لأنها قامت على تصورات وأفتراضات لا يملك أدوات تحقيقها وهي لدى غيره وهذه كانت من الأخطاء الأساسية، كما ومن الواضح أن الخارجية الأمريكية ومبعوث الرئيس الأمريكي جو بايدن السيد بيرييلو ظلا يبذلان في الجهود الرسمية الأمريكية بمعزل عن البيت الأبيض وهذا أيضا من أسباب ضعف المبادرة الأمريكية حيث لا يوجد ما يشير لإهتمام الرئاسة الأمريكية بالأوضاع في السودان فالمتتبع للشأن السوداني لا يجد أي خبر أو معلومة تفيد بأن مبعوث الرئيس الأمريكي جو بايدن السيد توم بيرييلو التقى برئيسه منذ تاريخ ابتعاثه في نهاية شهر فبراير ٢٠٢٤م مما يكشف بأن الأوضاع في السودان ليست مدرجة في جدول أولويات الرئيس بايدن كما كان الإهتمام الرئاسي الأمريكي في عهدي الرئيسين السابقين جورج دبليو بوش وباراك أوباما اللذان قاما بتعيين مبعوثين خاصين لهما وظلا يتابعان معهما مجريات الأوضاع بشأن مهامهما في السودان ، كذلك الباحث في تعيين بيرييلو عضو الكونغرس السابق انه قد تم على خلفية ضغوط من مجلسي النواب والشيوخ وليس بمبادرة من الرئيس الأمريكي جو بايدن شخصيا ، فبعد أشهر قلائل من اندلاع الحرب قاد أعضاء من مجلسي النواب والشيوخ الأمريكي أنشطة وأسعة داخل المجلسين، ففي ديسمبر ٢٠٢٣م قدم رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بن كاردين والنائب الجمهوري جيم ريتش قرارا يدعم الدعوات لتعيين مبعوث رفيع المستوى لإنهاء الحرب الدائرة في السودان وأنتقدا بشدة التركيز العالمي على الأزمات في أوربا والشرق الأوسط وأعبا التغاضي عن الأزمة المنسية في السودان وفي مجلس النواب نشط رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الجمهوري مايكل ماكول والنائب الديمقراطي غريغوري ميكس وأصدرا بيانا يدعو الرئيس الأمريكي جو بايدن والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش إلى تعيين مبعوث خاص من الولايات المتحدة أو الأمين العام للأمم المتحدة للدفع بالأطراف المتحاربة في السودان إلى طاولة المفاوضات، كما ويجد المتابع بأن الخارجية الأمريكية قد أهتمت بتعيين مبعوث رئاسي للسودان خاصة بعد مغادرة سفيرها السابق غود فيري والذي كان يباشر مهام السفير والمبعوث في نفس الوقت ، لقد كانت مطالبات المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين هي من دفعت بالرئيس الأمريكي جو بايدن لتعيين المبعوث بيرييلو ولكن الرئيس بايدن نفسه لم يبد أي إهتمام حتى الآن بالأوضاع في السودان كما وقد لا يهتم في الفترة القليلة المتبقية له وقد تأكد خروجه من البيت الأبيض، بالمقابل قد تتضاعف إهتمامات الوزير بلينكن بالسودان خاصة بعد تصاعد حظوظ حزبه الديمقراطي في الفوز في الإنتخابات العامة القادمة، ولكن يظل مثل هكذا إهتمام خارج دائرة البيت الأبيض وتأثيره المباشر في نطاقه وتأثيره المحدود .
من أخطاء بيرييلو :
من الأخطاء التي وقع فيها المبعوث الأمريكي بيرييلو والوزير بلينكن التمسك بوجود مراقبين من بعض الدول ورفض طرف الجيش والبرهان لوجودهم ، لقد كان يمكن للدبلوماسية الأمريكية التحلي بالمرونة والتخلي عن وجود كل المراقبين وحصر التفاوض بين الطرفين والوسيط الأمريكي إضافة للأمم المتحدة، فالتفاوض لوقف الحرب لا يحتاج إلى مظاهرة عالمية، كما ليس هنالك ما يبرر التمسك بضرورة وجود دولة الإمارات كمراقب والمعلوم للكافة بأن دولة الإمارات طرفا من أطراف الحرب، وطالما هنالك طرفا يرفض وجودها ما الذي يبرر تمسك الوسيط الأمريكي بوجودها، إن التصريحات المنسوبة لبيرييلو بأن دولة الإمارات قوة إقتصادية كبرى ومؤثرة لا تصلح كمبررات منطقية ولا موضوعية طالما هنالك طرفا يرفض وجودها كذلك فإن دولة الإمارات ليست دولة مجاورة للسودان وبالتالي ليست لديها مصالح حدودية قد تضرر منها في حالة عدم وجودها كمراقب وقد اتخذ طرف البرهان من إصرار الوسيط الأمريكي على وجود دولة الإمارات كمراقب سببا للرفض المؤسس على حيثيات موضوعية.
القصور في أداء الدبلوماسية الأمريكية تجاه الأزمة السودانية ليس سببا كافيا في تغاضي النظر عن القصور الأكثر فداحة للقوى والتنظيمات السياسية السودانية والتي ظلت قابعة في الإنتظار وبدأت بعد فشل مفاوضات جنيف تمارس التحليل السياسي حول فشل المفاوضات مثل بيرييلو ولا زالت تنتظر من يصنع لها الحدث.
عقب فشل مفاوضات جنيف، المتوقع إزدياد وتيرة الحرب ولن تحظى أي مفاوضات أخرى محتملة بذات زخم مفاوضات جنيف وصارت هنالك ضرورة قصوى في البحث عن الحلول بوسائل سودانية.