أزمة الإعلام في السودان
بقلم: نصر الدين هارون (Govan Mabeki)
يُعدُّ الإعلام أحد أعمدة الدولة الديمقراطية ، أو كما يُعرف بالسلطة الرابعة ، وهو يمثل صوت الأقلية ولمن لا صوت لهم ، ويعكس معاناتهم ومشاكلهم وإحتياجاتهم ، فالإعلام في الدول الديمقراطية دائماً ما يكون محايداً بين الشعوب وحكوماتهم ، ولكن إذا نظرنا للسودان ، فللأسف أصبح الإعلام وسيلة للشهرة ويُستخدم لإخفاء الجرائم التي ترتكبها الأنظمة المتعاقبة علي حكم السودان ، وذلك نتيجة لأن الحكومات عندما تستولي علي السلطة تحكم قبضتها علي الإعلام وتغير موظفيه وتفصلهم عن الخدمة وتأتي بآخرين موالين لها ، وتُكبل الأحرار منهم وتزج بهم في السجون والمعتقلات ، ولكن هذا لا يعني أن الفرد الإعلامي غير مُلام ، فالبعض يتخذون الإعلام وسيلة للشهرة ، وهنالك كثيرون يأتون بأخبار كاذبة ومضللة لا تمت للحقيقة بصلة ، أو أصبحوا مطبلين للأنظمة ، ويوجد القليل من الشرفاء الذين يتخذون الإعلام وسيلة لنشر الحقيقة مهما كان الثمن، ويحترمون ويلتزمون بميثاق الشرف الصحفي.
تابعنا مسيرة الشعب السوداني في ثورته المجيدة التي إنطلقت قبل ثلاثة سنوات وحتي الآن ، طلباً للحرية والعيش الكريم ، ولكنه واجه ترسانة النظام الإعلامية مع ترسانته جنباً إلي جنب مع الترسانة القمعية وآلة القتل.
فقد إستخدم الإنقلابيون سلاح الإعلام للتشويش علي مسيرة الثورة منذ إنطلاقتها ، وذلك عبر كتابة المقالات ونشر التقارير الكاذبة والمفبركة لإحباط الثوار وشيطنتهم ، وغيرها من الوسائل التي يستخدمها الإنقلابيون والموالين لهم من فلول النظام البائد ، ولكن إنتصرت إرادة الشعب السوداني ، وفضحت أكاذيب الأنظمة وكشفت ستار التضليل ، وخير مثال علي ذلك عندما قامت مليشيات نظام المخلوع عمر البشير بإعتقالات عنصرية وجهوية مقيتة لمجموعة من الطلاب الرفاق بحركة/ جيش تحرير السودان بقيادة الأستاذ عبد الواحد محمد أحمد النور ، وقد تم إتهامهم بأنهم خلايا تابعة للموساد الإسرائيلي وبحوزتهم أسلحة ومعدات لقتل الثوار وإالصاق تهمة القتل بالنظام ، ولكن الكل يعرف أن هؤلاء الطلاب الأبرياء يدرسون في جامعات سودانية معروفة ، وبعضهم منذ نعومة أظافره لم يغادر السودان لأي دولة أخري ناهيك عن زيارة إسرائيل ، وهنا يتضح دور الإعلام المضلل الذي يعمل للتغطية علي جرائم الأنظمة.
كذلك غض الإعلام بصره عن جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي إرتكبها نظام البشير إبان بدايات الحرب في دارفور ، وقد تم تغييب الغالبية من الرأي العام عن حقيقة ما يجري في دارفور حينها ، من قتل وإغتصاب وإبادة بحق شعب أعزل وتشريد قسري ، ولم يعرف الكثير من السودانيين الحقائق إلا بعد أن قامت القنوات الأجنبية والإعلام العالمي بتسليط الضوء علي هذه الأحداث وكشفت جرائم النظام بالصورة والصوت ، فقد إعتمدت دعاية النظام الإعلامية علي أن هنالك قطاع طرق وجماعات نهب مسلح ومتمردون ضد الحكومة يجب محاربتهم وإعلان الجهاد ضدهم كما حدث في جنوب السودان وجبال النوبة والنيل الأزرق.
إن الإعلام هو لسان حال الضعفاء المقهورين حول العالم ، ولابد من إعادة هيكلة مؤسسات الإعلام بالسودان مثله مثل المؤسسات العسكرية والأجهزة الأمنية وغيرها من مؤسسات الدولة ، فقد أضحي الإعلام الرسمي بالسودوان العدو الأول للشعب السوداني وثورته المجيدة ، وآلة من آليات تزييف الحقائق ومساندة الإنقلابات وتثبيت أركان الأنظمة الشمولية.
إذا أردنا بناء دولة ديمقراطية ، فلابد من إطلاق كافة الحريات لا سيما حرية الإعلام والصحافة ، حتي يتم نقلها الأخبار والمعلومات بكل شفافية دون تميز عرقي أو ديني أو ثقافي ، فالأوطان تبني بتكاتف الجهود والإتحاد وإشاعة الحريات بالمجتمع ، لإيصال صوته دون خوف أو تردد ، وكشف الأخطاء ومحاسبة مرتكبيها.
وخير مثال إعلام الدول الغربية الذي دائماً ما يكون منحازاً للشعوب وقضاياها ، وعلي خلاف وصراع مع الحكومات القائمة ، فهو يعكس معأناة المواطن بكل شفافية ودون تحيزات.
20 فبراير 2022م