مقالات الرأي

رؤية الحزب الشيوعي النقدية لمخرجات مؤتمر ايوا للسلام والديمقراطية ٢٠-٢٣ اكتوبر ٢٠٢٣م (١)


بقلم: الصادق علي حسن

مهما كان الخلاف في الرأي او التباين في وجهات النظر مع الحزب الشيوعي السوداني إلا ان المنصف يجد ان هذا الحزب يستحق الإحترام ، لما يمتاز به من مثابرة في تناول القضايا العامة وابداء الرأي في قضايا الراهن بالبلاد وقد تقدمت ببعض قيادته السن ولكن ظل قياداته حاضرة بروح الشباب مثل الباشمهندس صديق يوسف الذي ظل يعمل بلا كلل او ملل حتى في ظروف المرض والأعياء نسأل الله تعالى ان يستفاد من خبراته تجاربه في مضمار الحياة والعمل السياسي ومن الجيل الذي يليه من امثال الفقيد الراحل الأستاذ كمال الجزولي الأديب والمفكر والسياسي والخبير القانوني وما يزيد مساهمات الحزب الشيوعي قيمة انه لا يربطها بالوصول إلى السلطة وتعيش غالبية قيادته المخضرمة وسط الجماهير حياة الزهد والكفاف والعفاف، كما وللحزب موضوعية في تناول القضايا بمثلما فعل في تناوله لمخرجات ملتقى ايوا الذي انعقد بواشنطن في الفترة من ٢٠-٢٣ اكتوبر الماضي يتميز على الأحزاب التي باتت كسولة إضافة إلى الحركات المسلحة والتي لا تزال مشغولة بتحالفات الحرب الخفية ورهانات السلطة كما ولا توجد لديها اي انشطة او برامج او خطط لمحاولة إنتشال الدولة من دائرة الفوضى الشاملة التي سقطت فيها .
استعرض بملاحظاتي هذه في مقالات،الرؤية النقدية لرؤية الحزب الشيوعي لمخرجات مؤتمر ايوا التاسع للسلام والتنمية الذي انعقد بواشنطن لتقرأ معا في هذا الاستعراض والتنازل، وقد اكد الحزب الشيوعي في مستهل رؤيته انه يؤسس نقده وتقييمه لأي مبادرة او اعلان مبادئ او توصيات مؤتمر تسعى وتتجه نحو حل الأزمة الراهنة في السودان على مدى استصحابها حقيقة اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة ٢٠١٨م وتميزها على ما سبقتها من ثورتي ١٩٦٤ و١٩٨٥ وما اتسمت بها من اتساع وانتشار وشعار موحد و ميثاق وإعلان سياسي وخارطة طريق تضمنت برنامجا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وقعت عليها قوى الثورة في ٣/يناير/٢٠١٩م ومثلت في مجملها إرادة شعب السودان ومرجعية للثورة والثوار، ولكن الوضع الذي يتحدث عنه الحزب الشيوعي حتى الآن قد تجاوز الواقع الجديد كما ان الباحث عن ثورة ديسمبر يجدها منذ اندلاعها ونجاحها في عزل المخلوع لم تتجاوز دائرة الشعارات والأماني الثورية لمخاطبة مشروع تأسيس الدولة السودانية كما وانتجت الممارسة الحزبية بواسطة الأحزاب والكيانات التي مثلت قوى الثورة شراكة سياسيةمعيبة بين عناصر اللجنة الأمنية للنظام البائد وقوى الحرية والتغيير ومن خلال هذه الشراكة المعيبة منحت قوى الحرية والتغيير الجيش ولأول مرة في تاريخ البلاد منذ إعلان استقلالها السند الدستوري والقانوني لممارسة العمل السياسي المخالف لمشروع قواعد تأسيس الدولة السودانية، كما قننت الوثيقة الدستورية المعيبة في جوهرها لإستمرار الأوضاع غير الدستورية التي نشأت منذ الإنقلاب على النظام الدستوري في ٣٠ ،يونيو،١٩٨٩م كما ومن خلال القوانين مثل قانون التفكيك صارت ممارسات النظام البائد والباطلة باثر رجعي منذ الإنقطاع الدستوري بوقوع إنقلاب ٣٠/يونيو/١٩٨٩م حيثما تمت استعادة الحياة الدستورية للبلاد بصورة صحيحة خاضعة لتدابير إدارية هي التي تحدد الوضع الدستوري ومشروعية الأوضاع القائمة والموروثة من النظام البائد كلجنة التفكيك كما وصارت عناصر اللجنة الأمنية للنظام البائد تشرف على اعمال التفكيك التي لم تطالها، وهنا يُحمد للحزب الشيوعي انه غادر مبكرا المسار الخاطئ لقوى الحرية والتغيير كما ومارس النقد على نفسه وذهب اكثر من ذلك برفضه التماهي مع هذا المسار وهذه التنظيمات التي تركت منابرها الحزبية والتنظيمية وذابت في تحالف مرحلي اتخذته سلما للوصول إلى السلطة.
لقد تناول الحزب في رؤيته لمخرجات مؤتمر ايوا تراكمات الأخطاء الموروثة منذ إعلان استقلال السودان ولكن هنالك نوعان من الأخطاء وهما الأخطاء المرتبطة بعدم الإلتزام بمشروع التأسيس وقواعده المجازة من داخل البرلمان في ١٩٥٥م وان مشروع تأسيس دولة السودان لم يتحقق بمجرد الإعلان الإجرائي من خلال تقديم نائب برلماني من دارفور من داخل البرلمان لمقترح باستقلال السودان وتثنيته بواسطة نائب من كردفان فالموافقة عليه بالإجماع بل كان الاستقلال نفسه حصيلة لمخرجات توصيات اللجنة التي شكلها الحاكم العام برئاسة القاضي استانلي للتقرير حول كيفية ممارسة حق تقرير مصير البلاد بواسطة ابنائها والتي اوصت بتكوين برلمان منتخب من اقاليم السودان ليمارس الحكم الذاتي ويعلن استقلال البلاد من داخله كما وعقب ذلك وباستقالة آخر حاكم عام على السودان اعلنت بريطانيا في اغسطس ١٩٥٥م عن عدم رغبتها في تعيين حاكم عام جديد وافساح المجال لإعلان تقرير مصير السودان من داخل البرلمان المنتخب، وان لجنة القاضي استانلي المشكلة من خبراء دوليين وضعت مقترحات متقدمة تبناها البرلمان السوداني المنتخب واجازها وقد صارت سودانية محضة وان من ضمن القواعد التأسيسية للدولة السودانية اقرار استحقاق الفيدرالية لجنوب السودان ومقابل ذلك الإستحقاق صوت النواب الجنوبيون على مقترح استقلال السودان من داخل البرلمان مع رصفائهم الشماليين بالإجماع وان هذا الاستحقاق تم اسقاطه في الشارع الثائر ضمن شعارات ثورة اكتوبر ١٩٦٤م (لا فدرالية لشعب واحد – No federation for one nation ) ، ولم يتمسك نواب الجنوب داخل البرلمان وقتذاك بان الشارع لا يسقط الإستحقاق الدستوري وتنبأوا بانفصال الجنوب (يوما ما) وذلك ما حدث بعد حوالي خمسة عقود من الزمان، ويجد الباحث ان تلاوة مقترح اعلان استقلال السودان من داخل السودان والذي تمت صياغته بموافقة كل الأحزاب الممثلة في البرلمان كما وصياغة تثنيته ، وذلك لتأكيد أجماع كل النواب السودانيين من داخل البرلمان على الأستقلال، ولكن لم يصحب الاستقلال العمل بقواعد التأسيس المذكورة كما وعقب ثورة ديسمبر ٢٠١٨م طغت شعارات الثورة (حرية/ سلام/ عدالة) ولكن كما حدث في ثورة اكتوبر انتهت قضايا الثورة في الشعارات البراقة، لذلك بالضرورة الآن النظر في هل بالإمكان استعادة مشروع تأسيس الدولة السودانيةام ذلك لم يعد ممكنا، كما وهل بالإمكان الإتفاق على قواعد تأسيسية بديلة، وفي حال الإتفاق على قواعد تأسيسية بديلة، هل الأجيال الحاضرة حاليا تتوافر فيها شرائط التاسيس لتضطلع به وتباشره كما وهل سيكون ذلك ملزما للأجيال المتعاقبة ام ستستمر المنازعات السياسية المدنية والمسلحة؟ .
لقد تحدث الحزب الشيوعي في رؤيته حول تنظيم القوى الإجتماعية اصحاب المصلحة في تحقيق مرامي وغايات الثورة لتغيير توازن القوى في الساحة السياسية لصالح المسار الثوري لتفرض ارادتها في الصراع الإجتماعي وإيقاف الحرب واسترداد الثورة والمضي بها لغاياتها و مفارقة الإنقلابات العسكرية والحرب والتبعية للخارج، وما ذهب إليه الحزب الشيوعي يحتاج إلى بحث في محاذير جدوى الركون إلى التكوينات الإجتماعية باعتبارها اصحاب المصلحة ، خاصة وان اي حديث عن تكوينات اجتماعية بالضرورة ان تشمل التكوينات الإجتماعية التكوينات والروابط الأهلية ومن من مآلات الأوضاع الحالية وأزماتها المتردية اسباغ مشروعية العمل السياسي على التكوينات الإجتماعية وعلى راسها تلك التي تقوم على الروابط الأهلية والتي صارت في ذاتها تمارس الأعمال السياسية بصورة مقننة كما وتستخدم في مشروعات الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة.
القضايا التي أدت إلى الحرب :
في رؤية الحزب الشيوعي ان انقلاب اكتوبر ٢٠٢١م وحرب ١٥ ابريل ٢٠٢٣ ضمن التجليات ومظهران للأزمة نتجا عن الإنحراف عن مسار اهداف الثورة ولا مفارقة للدائرة الشريرة التي استحكمت في الحركة السياسية إلا بالعودة إلى مسار الثورة و ميثاقها الموقع في ٣ ابريل ٢٠١٩م ، رؤية الحزب الشيوعي بان مفارقة الدائرة الشريرة لن تتحقق إلا بالعودة إلى مسار الثورة و ميثاقها الموقع المذكور وهنا السؤال المطروح هل كانت للثورة مسارات وأضحة وفلسفة محددة طُرحت وان من نتائجها التراكمية أرست لنظم تؤطر انشطتها؟ ام لا تزال ثورة في مرحلة الشعارات والأناشيد الثورية والخطب الحماسية؟ ، وأين هي ادبيات الثورة و مسارها الصحيح حتى يتم العمل على استعادته كما ورد في رؤية الحزب الشيوعي؟. من الواضح ان ثورة ديسمبر المجيدة ساهمت عدة ظروف في انتاجها كما وحينما اندلعت كان لتجمع المهنيين الدور الهام في توحيد ساعة خروج مسيرات الثورة ولكن لم يكن لهذا التجمع برامج او خطط او القدرات لإدارة الثورة والبلاد وتحقيق شعارات الثورة، والثورة كانت لا تزال في قمة عنفوانها وهي مالكة للقرار السياسي الثوري عقب نجاحها فشل تجمع المهنيين اهم اذرعها في تنظيم المهنيين ، كما وتحول تجمع المهنيين إلى لافته تقف إلى جانب لافتات القوى والتنظيمات السياسية الأخرى كما وعقب انقلاب اكتوبر ٢٠٢١م حل محل تجمع المهنيين في قيادة الشارع الثائر لجان المقاومة، لجان المقاومة في التحامها مع الشارع الثائر كان اكثر قربا من تجمع المهنيين ولكن لجان المقاومة نفسها تعددت قنواتها وتنوعت وتفرعت ولم تكن تعمل كمنصة واحدة قبل إنقلاب ١٥/ابريل/٢٠٢٣م او بعده إلا من خلال تلبية دعوات الخروج في المسيرات الجماهيرية.

نواصل

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x