إنتشار وتطور اللغة الفوراوية
بقلم: محمد عبد الله عبد الله أبكر
إن أي لغة في العالم تتوفر على الفكر الانساني ومعارفه وعلومه وتراثه، ولولا اللغة لا نتفى الفكر الإنساني، وحينها يصبح الإنسان جسداً بلا روح، إذن كيف يعبر الانسان عما يجول ما في فكره بدون لغة، وكيف يكتب أو يعبر عن مشاعره وأفكاره بدون لغة من ناحية التوضيح وإزالة اللبس والغموض، ولا شك سنكون حينها أمام محنة بشرية كبرى، ولسوف لن تنشأ العلوم أو تتقدم على ما هو عليه الآن، ولبقي الإنسان على هيئة موجود بدون إعتبار، فاللغة من جانب آخر هي شكل من أشكال السلوك الفكري والاجتماعي يتم تخزينه وتكوينه من قبل التعامل اللفظي..
لذلك فإن لغة الأم (الفوراوية)، هي اللغة الأولى التي يتعلمها الشخص في المنزل في مرحلة الطفولة، وهي وعاء ذكرياته وتعبير أصيل عن تفكيره ومشاعره، وعواطفه، وغرائزه، ومجتمعه على العموم، وهي جزء لا يتجزأ من شخصيته وهويته، إن اللغة الفوراوية والهوية تعدان واقعاً وإدراكاً شرطين أساسيين لبناء الأمة الفوراوية، ومن هنا يتوجب علينا نحن الفور أن نقرأ ونكتب ونتعلم لغتنا الفوراوية في المدارس وغير المدارس وفي أي وقت متاح حتى لا نفقد تاريخنا وإرثنا المقدس العريق..
ولكن قد يكون بعد الأشخاص ثنائي اللغة إذا كان يتحدث لغة ثانية إلى جانب لغته الأم (الفوراوية)، يجب عليه أن يتحدث اللغتين بطلاقة متساوية، أي أن اللغة الأم (الفوراوية)، هي اللغة التي ينالها الفرد من والديه منذ الولادة وليس من أمه فقط، وهما يشتركان في تلقينه هذه الخصلة الانسانية الرفيعة، وبهذا الشكل تصبح اللغة الفوراوية هي جزء من الهوية الشخصية، والثقافية، والاجتماعية للطفل، تأكد تماماً إن التعليم لن ينجح إلا من خلال بوابة لغة الأم (الفوراوية)، والتنمية لا يتصور وجودها بغير هذه اللغة الأم (الفوراوية)..
نعتقد تماماً بأن وجود وتدريس اللغة الثانية إلى جانب اللغة الأم (الفوراوية)، لا تساهم في تطور اللغة الأم (الفوراوية)، لذلك يجب ألا يتم تعلم الأطفال هذه اللغات المسمى الثانية إلا بعد إجتياز المرحلة الحرجة والتي هي المرحلة الابتدائية، لأن ذلك يؤدي إلى تشتيت ذهنية الأطفال والاهتمام بلغة ثانية..
ولذلك نرى كثير من لغات الأم لدي الأمم تم إنحلالها وطمسها وعدم السماح التكلم بها، بينما هنالك أعداء يحاولون إزالة ومحو اللغة الفوراوية من جذورها، وطمس معالمها حتى يشتتوا تاريخ أمة الفور، وتبقى هذه الأمة بلا شعب وبلا تاريخ وبلا تراث، وتصبح لقمة سائغة لجشع أعدائها والمتربصين بها، وبالرغم من أن اللغة الفوراوية عانت من التضييق عليها من قبل الدولة، فقد تمكن أمة الفور بالاحتفاظ بلغتهم الفوراوية لمدى آلاف السنين، ولا زالت من اللغات الحية السائدة المنتشرة علي جل ربوع الوطن، والقارة السمراء، وفي بعض الدول الاروبية والاسوية والأمريكية، وقريباً ستصل إلي العالمية، وسوف تدخل بقوة في ميادين الشعر والأدب والفن والعلوم والسياسة والثقافة..
إن لغة الأم (الفوراوية)، هي التي تنقل بين ثنايا معانيها ثقافة مجتمع أمة الفور، والثقافة بدورها تعتبر حاملة لقيم أمة الفور التي تشكل هوية الذات وأساس وجدانها، وعندما نقوم بإقصاء لغات الأم لكل أمة التي ساهمت في التنشئة، لكن مع الأسف الشديد، بعض الأمم يقومون بتدمير جانب مهم من التراث في الحقيقة هم يدمرون كل ما يساعد على نمذجة الهوية المشتركة، وهذا بالضبط ما قامت به الحركة الإمبريالية، حيث أخضعت إقتصادات الشعوب الإفريقية لخدمة إستثماراتها الرأسمالية منذ إحتلالها، وللقيام بذلك عملت على مؤسسة الهيمنة السياسية عن طريق التحكم في اللغات الأصلية وتشتيتها..
ويشهد التاريخ أن السيطرة الاقتصادية والسياسية لا يمكن لها أبداً أن تتحقق بدون هيمنة ثقافية أو فكرية، لأنها تتحكم في الطرق التي ينظر بها الناس إلى ذواتهم والآخرين، كما أنها قد ترسم المسار الاجتماعي للإنسان في أي إتجاه يحدده، فضلاً عن إمكانها أن تزرع عقلية العبيد بين ثنايا المجتمع، وهذا ما حاولت الإمبريالية القيام به فعلاً من خلال قمع اللغات الأم، وإستبدالها بلغة المستعمر..
تعتبر الكتابة باللغات الأم بالنسبة للشعوب الإفريقية حالياً عملية إسترجاع للبنى الاقتصادية والسياسية التي تم إغتصابها من لدي المستعمر، نحن قوميات وأعراق مختلفة تتحدث بلغات مختلفة، وهذا ما يغني تراثنا ويميز جمالية لغاتنا الأصلية التي يجب أن نخلصها من بقايا الاستعمار، وهذا المخاض الفكري الذي تعيشه الحركات الثقافية ما بعد الاستعمار يبدو لنا غائباً عن الساحة الأكاديمية، بالرغم من إنخراط كم هائل من المثقفين في تفكيك الكتابات، لكن لا أحد يرى في إسترجاع الهوية عن طريق دعم وتقعيد اللغة الأم في الكتابة الأدبية وتحصيل المعارف والعلوم لتخليص لغة الأم من براثن الجهل والغيبيات والأساطير التي خلفتها الحقب والأزمنة المتعاقبة على تشكيل الذهنية الشعبية السودانية..
أليس هذا ما يجب أن تعيه تلك النخبة المثقفة الإقصائية التي تهرول من أجل تعريب المناهج والتشبث بلغة المستعمر، لغات الأم التي تعبر عن الإثنيات والثقافات التي يزخر بها مجتمعنا، ولذلك لكل أمة من الأمم الذين همشوا لغاتهم الأم الحية، وتشبت بالعربية، أقول لهم التشبت بلغات الأخرين هي لغات مميتة وجامدة لا تحيا بها الأمم، لأن المواطنة والقيم الإنسانية التي نود أن ننقلها إلى أعضاء المجتمع لن تصله إلا عن طريق لغته الأم التي يعيش بها..
لذلك أقول إن أي أمة لا تنهض إلا بلغاتها الأم حقيقة رضخنا للغة العربية كثيراً، وأصبحت تمثل أمراً عادياً لنا نحن كمجتمع سوداني، وليس عيباً أن لا يتقن أحدنا اللغة العربية، ولكن العيب أن لا نتقن لغتنا اللغة الفوراوية، وفي زمن من الأزمان أصبحت الأمة الفوراوية يستهزئون بلغتهم، ويفتخرون بالتكلم بلغة غيرهم، حتى أصبح التكلم العربية علامة من علامات التحضر، والتكلم باللغة الفوراوية صار للتندر فقط والإستهزاء أحياناً، هذا التنكر للغة هو من علامات الهزيمة النفسية التي نعيشها..
صحيح أن الهيمنة الفكرية الغربية طغت علينا، لكن اللغة تمثل آخر خطوط المقاومة في وجه هذه الهيمنة فإن سقط هذا الخط سقطنا جميعاً، قريباً ستصبح اللغة الفوراوية منتشرة بصورة واسعة، ويتم تدوينها في الكتب والمجلات والقنوات وغيرها، ويتم تدريسها في المعاهد والمدارس، والأن لقد إنتشرت معاهد اللغة الفوراوية في جل العالم، وهذه اللغة ستصبح لغة عالمية عن القريب العاجل، وتصبح أكثر اللغات إنتشاراً وتطوراً، فاللغة الفوراوية هي مرآة العقل وأداة التفكير، ولغة الأمة الفوراوية هي التي تحتضن مخزونها الثقافي ومخزونها العاطفي، لتُكون عقلية أمة الفور الذين يتحدثون بها ويتعلمون بها، وتسوغ نفسياتهم وطريقة تفكيرهم، فاللغة الفورية فكر ناطق..
لذلك علينا جميعاً أمة الفور أن نتصالح مع لغتنا ونتعلمها ونكتبها على أسسها، فليس عيباً أن نتعلمها عند الكبر، ولكن العيب أن نتجاهلها ونرمي بها خلف ظهورنا، وإن لم تتقنها فعلمها لأولادك وأزرع حبها في قلوبهم فتكون أحسنت عملاً وإنجازاً حقيقياً، يكفي من إحتقار وإهانتها، سادت اللغة الفوراوية حين كتب بها أهلها ونقلوا علومهم بها وعلموها الأمم الأخرى، إن أي الأمم لا تنهض إلا بلغاتهم، لذلك نعتز ونفتخر جداً باللغة الفوراوية ونتكلم بها ونكتب بها حتى تسود في جميع أنحاء العالم، إلي أن تصبح لغة عالمية منافسة للغة الانجليزية والفرنسية..
أرائكم عبر البريد الالكتروني: moh66m10@gmail.com