إنهاء دولة ٥٦م أم إنهاء دولة ٨٩م؟ قراءة وتعليق في كتاب سيرة انفجار السودان- عبء البنية والجغرافيا للصحفي والإعلامي السوري / محمد سيد رصاص (٤)

بقلم: الصادق علي حسن
استقلال السودان.
مثل الصحفي الأستاذ عثمان ميرغني الذي أورد معلومات غير دقيقة في منتدى مناقشة كتاب الصحفي والإعلامي السوري محمد سيد رصاص بمؤسسة نفرتيتي بالقاهرة ، وقد زعم في المنتدى بان الأميرلاي عبد الله خليل كان يتردد على القيادة العامة للجيش لإقناع الفريق إبراهيم عبود قائد الجيش لإستلام السلطة والإنقلاب على الديمقراطية الأولى ، شهادة السيد / أمين التوم ساتي وزير الدولة بمجلس الوزراء ومساعد عبد الله خليل بحزب الأمة المنقولة في المقال رقم (٢)، كانت وأضحة وكافية حول أسباب إضعاف الممارسة الديمقراطية عقب الإستقلال بالمكايدات السياسية التي برزت وعطلت المصلحة العامة، وقد إستشهد بدور القيادي الوطني الإتحادي الشيخ علي عبد الرحمن الذي كان يتولى منصب زير الداخلية، وحلايب، ورفض المعونة الأمريكية ، ولإجبار رئيس الوزراء عبد الله خليل للتسليم بقبول رفض المعونة الأمريكية، قامت النخب المعارضة للمعونة الأمريكية بحملات داخل البرلمان وخارجه في وسائل الإعلام لحمل رئيس الوزراء عبد الله خليل لإجباره على رفض قبول المعونة الأمريكية ، وكانت البلاد في مستهل إستقلالها في حاجة لمثل هذه المعونات لتشييد المطارات المقترحة ومشاريع التنمية والبنية التحتية ، كما وكانت المعونة ستعزز قدرات البلاد الإقتصادية والسياسية وقد استفادت مصر ودول في الشرق الأوسط من المعونة الأمريكية في تأسيس بنيتها التحتية ،ولكن في الخرطوم تغلبت شعارات النخب المرفوعة على توجه الأميرلاي عبد الله خليل رئيس الوزراء ورغبته في قبول المعونة الأمريكية . إن مثل الصحفي عثمان ميرغني، كذلك الدكتور الدرديري محمد أحمد، ومن دون أي بحث عميق وعن وقائع استقلال السودان أورد د الدرديري في السابق معلومات فطيرة عن إستقلال السودان، ففي مقاله بعنوان عربان الشتات ومشروع اعادة توطينهم في السودان المنشور بتاريخ ٢٦/ يونيو/٢٠٢٣م الجزء الثاني كتب الآتي (وحين اتفق السودانيون على اعلان الإستقلال من داخل البرلمان أنبرى لتقديم الإقتراح عبد الرحمن دبكة ناظر عموم بني هلبة، لم ينل الناظر دبكة ذلك الشرفة صدفة،وإنما كان ذلك بسبب معلوم وقصة تروى إذا كان قد استقبل قبلها بعدة أشهر الزعيم الأزهري أثناء جولته في دارفور استقبالا مهيبا بعد الغنم وعند اعتلاء الناظر دبكة المنصة للترحيب الكبير هتف عاش السودان حرا مستقلا فهاجت الجماهير وماجت وأرعدت لذلك الهتاف ليشق عنان السماء وقد تأثر الزعيم الإتحادي بذلك إيما تأثر وربما أسهم هذا المشهد العفوي في إكمال الصورة لديه والبلاد تتأهب للإختيار بين الإستقلال أو الوحدة مع مصر. ومن ثم تقرر ان يتقدم دبكة بذلك المقترح التاريخي). د الدرديري محمد أحمد كان وزير الخارجية في ظل نظام حركة الإسلام السياسي ، كما وكان من المسؤولين الرئيسيين عن ملف التفاوض عن الجانب الحكومي الرسمي الذي كان يقوده نائب البشير علي عثمان محمد طه في مفاوضات نيفاشا ، وبتوليه للمهمتين(المنصب الوزاري السيادي والملف التفاوضي) كان يلزمه بالضرورة المعرفة بالمعلومات الأساسية عن وقائع استقلال السودان ، ولكن دكتور الدرديري أثبت انه كالصحفي عثمان ميرغني لا يعلم عن قواعد تأسيس الدولة السودانية المجازة في ١٩/ ديسمبر/ ١٩٥٥م، تلك القواعد التي لو لم تعطل في شقها المتعلق بإنتخاب نواب من كل أقاليم السودان لوضع الدستور الدائم للبلاد و إنتخاب حكومة مدنية بمجلسين سيادي وتنفيذي لما ظلت البلاد حتى الآن بلا دستور دائم ولما رزحت طوال عقود مستمرة منذ استقلالها حتى يومنا هذا في المنازعات والحروبات المستعرة على السلطة والجدل السياسي وتعطيل بناء الدولة السودانية.
الأزهري والتحول إلى شعار الإستقلال الإنفصالي :
لقد كان موقف الزعيم الإتحادي السيد إسماعيل الأزهري الوحدة مع مصر كغيره من مؤسسي الحزب الوطني الإتحادي ، كما ولم يتبن الإستقلال الإنفصالي عن مصر إلا عقب ان ساد على الشارع السوداني شعار السودان للسودانيين الذي كان يرفعه الإمام عبد الرحمن المهدي والأنصار .
في عام ١٩٥٢م وقبيل إجراء الإنتخابات العامة لمجلسي النواب والشيوخ (إنتخابات نوفمبر ١٩٥٣م) تأسست الجبهة المعادية للإستعمار بقيادة الخريجين السودانيين الذين صارت لهم الأفكار الجديدة التي ظهرت مع الثورة الشيوعية والمناهضة للإستعمار الغربي ملهمة ، وتأسست الجبهة المناهضة للإستعمار برئاسة حسن الطاهر زروق وعبد الرحمن عبد الرحيم أمينا عاما لها ، وكانت الجبهة المعادية للإستعمار قد نشأت مستهدية بأدبيات الثورة الماركسية اللينينية وأنضم لعضويتها العديد من الخريجين المستقلين والديمقراطيين ، ولم تكن الجبهة المعادية للإستعمار حزبا شيوعيا في تأسيسه كما وصفها القيادي الشيوعي عبد الخالق محجوب في كتابه لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي (المرجع ) الكتاب الصادر من دار الوسيلة في ١٩٨٧ صفحة “١٠٠- ١٠١” (الجبهة المعادية للإستعمار لم تكن حزبا شيوعيا على مبادئ الماركسية اللينينية بل كانت حزبا ديمقراطيا يتصل بالجماهير في أكثر من أفق ، ويحتل فيه الشيوعيون مركز الصدارة ) وقبل ذلك ظهرت الأفكار الديمقراطية وحق تقرير المصير التي شاعت من مبادئ ويلسون بين الأجيال الصاعدة في الدول الخاضعة للإستعمار الغربي الأوروبي .
إن مبادئ الرئيس الأمريكي ويلسون الأخلاقية (الأربعة عشر) حول الديمقراطية وتقرير المصير في خطابه عام ١٩١٨م للكونغرس شكلت ثقافة جديدة للشعوب المستعمرة وفي المطالبة بإنهاء الإستعمار ،كذلك الوعود المبذولة للقيادات المحلية للشعوب بنيل الاستقلال وحكم بلدانها مقابل الوقوف مع الحلفاء في مواجهة دول المحور في الحرب العالمية الأولى مثل الوعد المبذول من جانب الحلفاء لشريف مكة الشريف حسين بن علي بتنصيه ملكا على كل العرب ، وعدم الوفاء بهذه الوعود ، كلها ساهمت في بروز الوعي الجمعي ، كما وشكلت أرضية لنشأة الحركات القومية والتحررية في الشرق الأوسط وفي أفريقيا. وقد ساد العالم العربي الجديد خطاب حركات القومية العربية ، ونمو الوعي بالمطالبة بالإستقلال .
في السودان برز الوعي بالإستقلال متأخرا قياسا بالشرق الأوسط كما ولم تظهر المطالبة بالإستقلال بصورة منظمة إلا في منتصف الأربعينيات ، ولم يحدث ذلك عند تأسيس مؤتمر الخريجين في منتصف الثلاثينات من القرن الماضي وقد كان غالبية الخريجين يعملون بالخدمة الوظيفية العامة وما كانت وظائفهم الرسمية تسمح لهم بالعمل السياسي . لقد تقاعد الأميرلاي عبد الله خليل في عام ١٩٤٦ من الخدمة العسكرية، وعمله في السلك العسكري كان يمنعه من ممارسة السياسة، وكان من العشرة الذين تكونت منهم لجنة الخريجين ، كما أستقال السيد محمد أحمد المحجوب من القضاء في ١٩٤٨م وكان يعمل بالقضاء، وبحسب السيدة سميرة محمد أحمد محجوب في حوار منشور بصحيفة المجهر بتاريخ ٣١/ ١٢/ ٢٠١٤م ،فإن والدها تنقل بالقضاء من القضارف إلى مدني وفي مدني طلب منه المشاركة بمخاطبة ندوة سياسية محضورة ولكن أعتذر بسبب عمله قاضيا وبسبب ذلك استقال من القضاء وعمل بالمحاماة وفتح مكتبا بالخرطوم.
الباحث في وقائع استقلال السودان يجد ان الدولة الوطنية نفسها ، وقتذاك، لم تتبلور بصورة الموروثة الحالية، وقد كانت الدولة الوطنية الأولى التي تأسست بالسودان على يد الإمام المهدى والتي تم القضاء عليها بواسطة المستعمر الثنائي بمقتل الخليفة عبد الله التعايشي في أم دبيكرات عام ١٨٩٩م لم تجد الإعتراف الدولي من دول المعاهدة الأوربية منذ نشأتها بمقتل غردون في عام ١٨٨٥م .
الحزب الوطني الإتحادي بزعامة السيد إسماعيل الأزهري ما كان ليستطيع (اخلاقيا) ان يسبح عكس تيار المناداة بالإستقلال الإنفصالي الذي طغى ، كما ، وما كان حزبه الذي تأسس على مبدا الوحدة مع مصر، ليتمسك بتقديم مقترح الإستقلال الإنفصالي عن مصر من داخل البرلمان ويتحمل كلفة عدم الوفاء لمصر خاصة وان الأزهري وزملاؤه محمد نور الدين والشيخ علي عبد الرحمن قد اتحدوا بإسم الحزب الوطني الإتحادي بالقاهرة بشعار تحقيق الوحدة مع مصر، كما والإثنان الآخران ظلا متمسكان بموقفهما، وقد برزت تقديرات السياسي المحترف الزعيم إسماعيل الأزهري بالنظر إلى مستقبله السياسي ومستقبل حزبه ووضع الإعتبار للأقوال الرائجة التي شككت في نزاهة إنتخابات ١٩٥٣م ومعايير تقسيم الدوائر الإنتخابية في ظل رئاسته لحكومة الحكم الذاتي، فظهرت تقديرت جديدة له وتوافقات مع حزب الأمة والجبهة المعادية للإستعمار وممثلي الأحزاب الجنوبية بالإجماع على استقلال السودان من داخل البرلمان وقد ضمن النواب الجنوبيون استحقاق الفيدرالية ضمن قواعد تأسيس الدولة السودانية المجازة في ١٩/ ١٢/ ١٩٥٦م .
إن العلاقات الدولية والمواطنة قبل الحرب العالمية الأولى كانت تقوم على العلاقة ما بين الملك أو الإمبراطور أو السلطان مع رعيته في نطاق جغرافية حكمه وكانت أوربا تطلق على الأراضي الشاسعة خارجها (بلا أحد) وقد أعطت نفسها حق الإستيلاء عليها ونهب ثرواتها، ومن التنازع والتنافس بين الأوربيين أنفسهم والتطور الإنساني وبروز الولايات المتحدة الأمريكية بعد ان نالت استقلالها واتحدت داخليا كقوة عظمى قبل الحرب العالمية الأولى، وإقرار منع تجارة الرق و الاسترقاق ومكافحته عالميا وتأسيس عصبة الأمم المتحدة في ١٩١٩م ، بدأت مصطلحات جديدة في الظهور مثل حق تقرير مصير الشعوب والراجح بان هذا المصطلح ظهر لأول مرة عالميا في خطاب الرئيس الأمريكي ويلسون للكونغرس في عام ١٩١٨م ضمن (المبادئ الأربعة عشر ) .
مبادئ ويلسون :
أراد الرئيس الأمريكي ويلسون ان يفصل المشاركة في الحرب والحاجة إلى وجود أهداف أكثر أخلاقية وأكثر أهمية ، كما وقد كشف البلاشفة عقب سقوط الإمبراطورية الروسية عن معاهدات سرية بين الحلفاء منها اتفاق سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا السرية عام ١٩١٦م بموافقة إمبراطور روسيا، وفي مبادئ ويلسون الأخلاقية المذكورة ورد ذكر ممارسة الديمقراطية خارج أوروبا وتقرير مصير الشعوب ، وبعد ثلاثة أيام من خطاب الرئيس ويلسون (أمام الكونغرس في (٨/ يناير/ ١٩١٨م ) أوضح رئيس وزراء بريطانيا ديفيد لويد جورج عن أهداف بريطانيا من الحرب ، وتكاد تكون مشابهة لمبادئ ويلسون، ولكن القانون والكنغرس بأمريكا ما كانا ليسمحان للرئيس ويلسون بمتابعة تنفيذ مبادئه لانها عن مهام خارج بلاده ولا تندرج ضمن المهام المخولة له ، كما والقرائن كانت تشير بان اقوال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد لويد وقتذاك كانت مجرد مخاطبات سياسية لا تمثل أهداف جادة لبريطانيا .
معاهدة سلام فرساي في عام ١٩١٩م .
في فرساي تم تقنين اقتسام ممتلكات الأمبراطورية العثمانية وتأسيس الشرق الأوسط الجديد وكان قادة الحلفاء الرئيسين (جورج كليمنصو رئيس وزراء فرنسا وديفيد لويد رئيس وزراء بريطانيا والسياسي فيتوريو أورلاندو ممثلا لإيطاليا ) في مفاوضات سلام فرساي أطلق الثلاثة الكبار المذكورين على مبادئ الرئيس ويلسون بالمثالية الويلسونية التي لا يمكن تطبيقها، وتم إقتسام الهلال الخصيب بين بريطانيا وفرنسا ، ومقابل عدم الوفاء للشريف حسين بن علي بتنصيبه ملكا على العرب ظهرت حركة القومية العربية في سوريا تطالب بتنصيب إبنه الأمير فيصل ملكا عليها ، ويعد الأمير فيصل من أشهر الساسة العرب في العصر الحديث وكان قد أختير نائبا عن دائرة جدة في مجلس المبعوثان (النواب العثماني)في عام ١٩١٣م وأتم دراسته بالأستانة عاصمة الخلافة العثمانية الإسلامية ، وكان والده الشريف حسين بن علي شريف مكة في ١٠/ يونيو/ ١٩١٦م أطلق بمكة طلقة وأحدة، وأعلن الثورة على السلطان العثماني ، وكان لدوي طلقته التأثير على مدن الطائف والمدينة المنورة والثورة في الحجاز وأراضي الشام وما كان يعلم بنوايا بريطانيا وفرنسا الخفية وإتفاقية سايكس بيكو السرية المبرمة في عام ١٩١٦م والتي تمت إزاحة الغطاء عنها وكشفها بواسطة الثورة البلشفية في عام ١٩١٧م.
معاهدة فرساي ١٩١٩م :
بمعاهدة فرساي تم إنتاج العالم العربي الجديد وتوج الأمير فيصل بن الحسين ملكا على سوريا في عام ١٩٢٠م وملكا على العراق في ١٩٢١م كما صار شقيقه الأمير عبد الله الحسين ملكا على شرق الأردن (الأردن الحالي) .في عام ١٩٢٣م تم تأسيس المملكة العربية السعودية بواسطة الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود والذي قام بإستعادة الرياض من آل الرشيد أمراء حائل وبسط نفوذه على الأحساء وجبل شمر وعسير وتهامة والحجاز وأسس المملكة العربية السعودية بمساندة رجل الدين محمد إبن عبد الوهاب وكان إتفاق الحلفاء ان توضع فلسطين تحت إدارة دولية ولكنهم تخلوا عما اتفقوا عليه وقاموا برعاية نشأة دولة إسرائيل . بريطانيا وفرنسا كانتا لهما اليد الطولى في التقرير بشأن العالم العربي الجديد ، كما قام رئيس وزراء بريطانيا ديفيد لويد ورئيس وزراء فرنسا جورج كليمنصو بتعديل إتفاقية سايكس بيكو المبرم سريا بين الدولتين في عام ١٩١٦م .
دولة السودان :
لم تكن الدولة السودانية ضمن العالم العربي الجديد المنتج بمعاهدة فرساي، وقد كانت الأراضي السودانية تابعة للخديوية المصرية وملك مصر والسودان ، وأغفل الرواة في غالبية المكتوب في التاريخ والمناهج الدراسية ان هنالك هويات أخرى كانت موجودة بالسودان قبيل استقلاله ، لقد كان لسكان جنوب السودان هويات وثقافات ظلوا يتمسكون بها، كما في جبال النوبة والنيل الأزرق والأنقسنا والشرق، وفي دارفور كان على دينار الذي عاد إليها عقب سقوط الدولة المهدية في ١٨٩٩م وتنصيبه سلطانا مستقلا عليها يسعى للحافظ على استقلالية سلطنته في ظل أوضاع و تحالفات ومعاهدات دولية متغايرة لا تسمح بقيام نظام حكم خارج أطر نظمها ، وتمكن السلطان علي دينار لفترة ستة عشر عاما من الحفاظ على استقلال سلطنته،وغضت دول الحلفاء الطرف عن إعلان علي دينار لنفسه سلطانا على دارفور كأمر وأقع ، وأكتفى المستعمر الثنائي بعدم ممانعة علي دينار في دفع الجزية ، كما وأعتبر ان القبول بالدفع بمثابة التسليم والإقرار بالتبعية ، وكان السلطان علي دينار قد مد جسور التواصل مع الحاكم العام الإنجليزي بالخرطوم وظلت رحلات القوافل التجارية مستمرة كذلك محمل الحرمين الشريفين تمر من دارفور عبر الأراضي الخاضعة للإستعمار الثنائي حتى عام ١٩١٥م.
في عام ١٩١٥م أعلن السلطان علي دينار الإنضمام لنداء السلطان العثماني والوقوف مع دول المحور ضد الحلفاء والجهاد مخالفا بذلك موقف حاكم عام السودان بالخرطوم والذي كان يمثل الحكم الثنائي الإنجليزي المصري المستعمر للسودان .
نادي الخريجين :
التطور المدني في السودان لم ينشأ للمطالبة بالإستقلال ولكن تم في ظله وكان غالبية أعضاء مؤتمر الخريجين الذين يعملون في مهن عسكرية أو القضاء بحكم وظائفهم لا يستطعون ممارسة العمل السياسي، الأميرلاي عبد الله خليل لم يتمكن من ممارسة العمل السياسي إلا بعد تقاعده من الجيش في عام ١٩٤٦م والسيد محمد أحمد المحجوب ظل يعمل بالقضاء حتى عام ١٩٤٨م وبحسب إفادات إبنته سميرة محمد أحمد محجوب في الحوار المنشور معها تحت عنوان زيارة خاصة لأسرة المحجوب بصحيفة المجهر الصادرة بتاريخ ٣١/ ١٢/ ٢٠١٤م قد أعتذر عن مخاطبة ندوة سياسية حتى يستقيل من القضاء وغيرهما كثر . إن الباحث في تلك الحقبة يجد بان مفاهيم الدولة الوطنية والسلطة الوطنية المستقلة في الأربعينيات من القرن الماضي كانت لا تزال في مراحل تكوينها بالخرطوم ، وفي دارفور كان السلطان علي دينار يمارس سلطة الدولة المستقلة باستقلالية تامة كذلك سلطنة المساليت التي انضمت للسودان بموجب إتفاقية قلاني الرضائية في عام ١٩١٩م ، وقد كانت مفاهيم السلطة المستقلة بسلطنتي الفور والمساليت متقدمة على الحركة الوطنية التي ترعرت بقيام مؤتمر الخريجين بعدهما بثلاثة عقود من الزمان للمطالبة بالإستقلال.
لقد كانت هنالك مواريث الدولة الوطنية الأولى التي أسستها الثورة المهدية بالسودان ولكن لم يستفد من تجاربها في بناء الدولة السودانية المستقلة .
المناقشان لكتاب الإعلامي السوري محمد سيد رصاص بعنوان سيرة انفجار السودان – عبء البنية والجغرافيا (د حامد البشير والصحفي فائز الشيخ السليك) تناولا قضايا هامة ما لم يتم بحثها بعمق ، فإن أزمات البلاد قد تتكاثر وتستمر لأجيال قادمة. ونواصل .