إنهاء دولة ٥٦ أم إنهاء دولة ٨٩؟ قراءة وتعليق في كتاب: سيرة انفجار السودان -عبء البنية والجغرافيا للصحفي والإعلامي السوري محمد سيد رصاص (١)

بقلم: الصادق علي حسن
تمت مناقشة كتاب سيرة انفجار السودان عبء البنية والجغرافيا لكاتبه الصحفي والإعلامي السوري محمد سيد رصاص بقاعة نفيرتتي للطباعة والنشر في أمسية ٢١/ ٥/ ٢٠٢٤م بدار المؤسسة المذكورة بوسط القاهرة ، المناقشون د حامد البشير والي ولاية جنوب كردفان الأسبق والأستاذ عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية والصحفي والإعلامي الأستاذ فائز الشيخ السليك وادارت النقاش الأستاذة اسماء الحسيني مدير التحرير بجريدة الأهرام المصرية المسؤولة عن ملفات الشؤون الأفريقية والعربية بالصحيفة بحضور لفيف من السودانيين والمصريين من المهتمين بالشأن الفكري والسياسي .
الكاتب السوري رصاص بذل جهودا معتبرة في إعداد مادة الكتاب وهي جديرة بالقراءة والنقاش ، والكتاب عبارة عن مجموعة مقالات قام الكاتب السوري رصاص بكتابتها في فترة أمتدت لأربع سنوات (١٩٩٩م – ٢٠٢٣م ) وتناول فيها محاور هامة منذ استقلال البلاد والصراعات وقضايا الهوية.
سأبدأ بما بدأ به الأستاذ الصحفي عثمان ميرغني في تعقيبه على المتداخلين بالنقاش بان الإنقلابات العسكرية بدأها (المدنيون) وان اول من قام بإنقلاب على الحكم المدني الديمقراطي هو رئيس الوزراء عبد الله خليل الذي تردد عدة مرات على القيادة العامة للجيش لحمل الفريق إبراهيم عبود لإستلام السلطة وزعم بانه في خلال تردده المتكرر أخفق بعض الأحيان في الدخول إلى القيادة، كما وقال عن نفسه بانه مع إنهاء دولة ١٩٥٦م، بعد ان حاول ان يدمغ الممارسة السياسية منذ استقلال البلاد في ١٩٥٦م وحتى الحرب الدائرة حاليا بالأخطاء المتراكمة ، وليخلص في ذلك كتبرير لحيثيات إتفاقه مع الدعم السريع في إنهاء دولة ١٩٥٦م ، وان كل الأخطاء عبارة عن نتائج موروثة عن دولة ١٩٥٦م وقد تجنب الحديث عن التجربة الكارثية الحقيقة لدولة ١٩٨٩م التي أسسها الدكتور حسن الترابي (دولة داخل دولة).
في الغالب ، لا يميز الشخص السوداني العادي ، كما وليس المطلوب منه ان يميز عما الفرق ما بين قواعد تأسيس الدولة السودانية والحكومات التي نشأت بموجب تلك القواعد التأسيسية،فهذا النوع من المعرفة يلزم أهل التخصص القانوني ، وحتى بالنسبة لأهل التخصص القانوني قد يكون لازما للمتخصصين في الفقه الدستوري، لذلك ساشرح للقارئ الكريم ما الفرق بين قواعد تأسيس الدولة السودانية والتي بموجب أحكامها أخذت الدولة السودانية إسمها وتم تحديد جغرافيتها وشعبها ونالت الإعتراف الدولي ضمن منظومة الأمم المتحدة في الأول من يناير ١٩٥٦م ، وبين الدستور المؤقت الذي صدر صحيحا في ١٩٥٦م إستنادا لتلك القواعد التأسيسية التي تمت إجازتها في ١٩/ ديسمبر/١٩٥٥م. خاصة وقد برزت مؤخرا العديد من الأصوات التي تطالب بإنهاء دولة ١٩٥٦م بدأت بأصوات صدرت من منسوبي عناصر قوات الدعم السريع وتعالت حتى وصلت هذه المطالبة لتخرج من رئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني في منتدى مناقشة كتاب الكاتب السوري رصاص عن قضايا وأزمات السودان بمنتدى مؤسسة نفرتيتي . قد لا يُدرك أصحاب تلك الأصوات من منسوبي الدعم السريع ومن يؤيدون إنهاء دولة ١٩٥٦م من أمثال عثمان ميرغني بأن إنهاء دولة ١٩٥٦م يعني إنهاء وجود الدولة نفسها، وليس إنهاء حالة ممارسات حكوماتها التي قامت عقب إجازة قواعدها التأسيسية بداية بدستور السودان المؤقت لسنة ١٩٥٦م فتعاقب الأنظمة والحكومات ، كما والنتيجة في حالة الإنهاء تلقائيا فقدان المرجعية التي بموجبها تأسست الدولة ونالت البلاد والأشخاص الذين يطالبون بالإنهاء لصفاتهم (الدولة وحقوق المواطنة )، وبإنقضاء حالة وجود الدولة السودانية ، والرجوع إلى حالة اللادولة التي كانت قائمة قبل إعلان إستقلال البلاد من الحكم الثنائي الإنجليزي المصري والتي تعد الإمتداد لما قام به الحاكم العثماني على ولاية مصر محمد على باشا الذي قام بضم المماليك والأراضي التي تقع جنوب مصر ما بين عامي (١٨٢٠- ١٨٢١) للإمبراطورية العثمانية والتي صارت عليها دولة السودان الحالية، كما ويجد الباحث في التاريخ انه حينما اندلعت الثورة المهدية في عام ١٨٨١م والتي أسست بعد انتصارها ومقتل حكمدار عام السودان غردون باشا في ١٨٨٥م الدولة الوطنية الأولى بالسودان ، لم تجد الدولة المهدية المنتصرة الإعتراف الدولي وقتذاك بحسب القانون الدولي وإتفاقية دول المعاهدة التي إنضمت إليها الإمبراطورية العثمانية في منتصف القرن التاسع عشر ، وتم غزو السودان للمرة الثانية تحت غطاء إستعادته للتبعية للسلطان العثماني ممثلة في خديوية مصر والقضاء على الدولة المهدية والإنتقام لمقتل غردون بالحملة المشتركة التي قادها سردار الجيش الثنائي الإنجليزي المصري كتشنر باشا في عام ١٨٩٨م والتي أنتهت بالقضاء على الدولة المهدية بإستشهاد الخليفة عبد الله التعايشي في أم دبيكرات في نوفمبر ١٨٩٩م .
لجنة ستانلي بيكر وتأسيس الدولة السودانية :
الباحث في التجربة السياسية السودانية وتأسيس الدولة السودانية يجد ان مساهمات تأسيس الدولة الأساسية تمت بواسطة حزبي الأمة والإتحادي اللذان كان يحوزان على غالبية الجماهير كما كانت هنالك مساهمات معتبرة من قبل الجبهة المعادية للإستعمار (الشيوعي) خاصة في المدن الحضرية الكبرى وقتذاك مثل الخرطوم ومدني و عطبرة ولم تكن لجماعة الإخوان المسلمين مساهمات معتبرة. في التاريخ ان حركة الإخوان المسلمين المذكورة بدأت نشأتها بالسودان بإستقطاب الطالب السوداني جمال الدين السنهوري بواسطة مؤسسها حسن البنا، وفي عام ١٩٤٩م-١٩٥٤م اعلن طلاب إسلاميون ولم تكن لهم إرتباطات تنظيمية بحركة الإخوان المسلمين ومنهم بابكر عبد الله كرار وميرغني النصري الحزب الإشتراكي الإسلامي كردة فعل لأنشطة الجبهة المعادية للإستعمار (الشيوعي) وعقب ثورة اكتوبر ١٩٦٤م لمع نجم الدكتور حسن عبد الله الترابي الذي أنتخب أمينا عاما على الجماعة المذكورة، وتبع إنتخابه بعد ذلك بفترات متفاوتة خروج محمد صالح عمر والشيخ محمد مدني مسبل وجعفر شيخ إدريس ومحمد عبد الله بُرات الذي إتهم الترابي بالزندقة وقام بتكفيره لإجتهاداته الفقهية المثيرة والتشكيك في الدين مثل إمامة المرأة للصلاة وعذاب القبر ، وأسس الشيخ بُرات(صاحب كتاب الصارم المسلول في وجه الكافر الترابي شاتم الرسول ) والشيخ عبد الله جاويش الإخوان المسلمين وأنضم إليهم في عام ١٩٧٩م الشيخ الصادق عبد الله عبد الماجد والحبر يوسف نور الدائم.
تلاميذ الترابي وسطحية المعلومات والتفكير :
الباحث بعمق حول حصيلة معلومات تلاميذ د الترابي المرتبطة بتأسيس الدولة السودانية يجد هؤلاء التلاميذ مثل شيخهم الترابي ، يعمدون في أنشطتهم على تزييف الوقائع، في منتدي مناقشة كتاب الكاتب السوري المذكور زعم الأستاذ عثمان ميرغني بان رئيس الوزراء عبد الله خليل كان يتردد كثيرا على وزارة الدفاع لإقناع الفريق إبراهيم عبود لإستلام السلطة وهو يجهل أو يتجاهل بان رئيس الوزراء عبد الله خليل بجانب رئاسته للوزارة كان أيضا وزيرا للدفاع وبمثلما يجهل الأستاذ عثمان ميرغني أو يتجاهل هذه الحقيقة فإنه أيضا يجهل عماهية قواعد تأسيس الدولة السودانية لذلك خلص إلى القول بأنه مع إنهاء دولة ١٩٥٦م وقد تجنب ان مشاكل البلاد وأزماتها كلها هي وليدة لدولة ١٩٨٩م التي أسسها د حسن الترابي كدولة ثانية داخل الدولة السودانية.
هل يعقل ان وزير دفاع دولة يتردد على مباني قيادة الدولة العسكرية نفسها للدخول إلي مبانيها – نواصل.