إنهاء دولة ٥٦ أم إنهاء دولة ٨٩؟ قراءة وتعليق في كتاب: سيرة انفجار السودان – عبء البنية والجغرافيا للصحفي والإعلامي السوري / محمد سيد رصاص (٢)

بقلم: الصادق علي حسن
حركة الإخوان المسلمين السودانية (تلاميذ الترابي )، حركة تنظيمية سياسية حولت مقاصد الدعوة الدينية إلى رافع سياسي للوصول إلى السلطة، بخلاف نهج حركة الإخوان المسلمين في مصر ومرشدها المؤسس الشيخ حسن البنا، وشتان ما بينهما ، بدأت حركة الإخوان المسلمين في مصر في نهاية العشرينات ولم تقم بممارسة العمل السياسي الحزبي المعلن بصورة رسمية إلا في عام (٢٠١١- ٢٠١٣) ، بعد عزل الرئيس المصري محمد حسني مبارك ،أما حركة الإخوان المسلمين في السودان والتي بدأت بأنشطة إستقطاب الطلاب السوانيين بمصر في نهاية الأربعينات وتحولت إلى حركة سياسية عقب إنتخاب الدكتور حسن الترابي أمينا عاما عليها، فهي تقوم بإستخدام غطاء الدين الإسلامي في النشاط السياسي الحزبي وإتخاذه سلما للوصول إلى السلطة والإستثمار . تلاميذ الترابي خلعوا على ذواتهم صفات غير حقيقية ، كما وصدقوا أنفسهم بأنهم الأكثر دراية بشؤون الدين والدولة ، وظلوا يزعمون الحرص على الدولة وعقيدتها، وفي وأقع الحال ليس لهم نصيب من الزعمين، لا في المعرفة بالدين الصحيح ولا في الحرص على الدولة، وفصلوا جنوب السودان بعد كلفة الحرب الباهظة في الأرواح والممتلكات وأحتفلوا بالذبائح في سذاجة متناهية ، وتحول جنوب كردفان والنيل الأزرق إلى جنوب جديد وأشتعلت الحرب فيهما مجددا وفي دارفور .
لقد أثبت الأستاذ عثمان ميرغني انه يفتقر إلى المعرفة العميقة بوقائع استقلال السودان وإنقلاب عبود، وانه لم يطلع عن كثب على تاريخ وتجربة الأميرلاي عبد الله خليل رئيس الوزراء ووزير الدفاع (١٩٥٦- ١٩٥٨) ، ومعلوماته سماعية أكثر من كونها حصيلة معلومات دقيقة لشخصية مؤثرة وحاضرة إعلاميا مثله.
عبد الله خليل ولد بأمدرمان عام ١٨٩٢ ،التحق بكلية غردون قسم الهندسة، ثم التحق بالمدرسة الحربية في عام ١٩٠٨م وتخرج ضمن طلاب الدفعة الثانية ١٩١٠م ، في ١٩٢٠م كان اليوزباشي عبد الله خليل ضمن لجنة الخريجين العشرة بالرغم انه كان ضابطا في سلك الجندية. تقاعد عبد الله خليل برتبة الأميرلاي (عميد) في عام ١٩٤٦م، ثم تقلد عدة مناصب عامة ، كان عضوا بالمجلس الإستشاري لشمال السودان، عضوا بالجمعية التشريعية (١٩٤٨-١٩٥٢) ، وزيرا للزراعة ووزيرا للأشغال (١٩٥٣- ١٩٥٦) ، رئيسا للوزراء ووزيرا للدفاع (١٩٥٦- ١٩٥٨)، ومن السيرة الذاتية للأميرلاي عبد الله خليل والتي بالضرورة يجب ان تكون معروفة لإعلامي مرموق مثل الأستاذ عثمان ميرغني، من غير المقبول منه على الإطلاق الزعم بأن رئيس الوزراء عبد الله خليل كان يتردد على القيادة العامة لإقناع الفريق إبراهيم عبود قائد الجيش لإستلام السلطة ، ورئيس الوزراء نفسه كان يتولى منصب وزير الدفاع، ومقر وزير الدفاع بالقيادة العامة للجيش، مما هزم مصداقيته بالإستشهاد بوقائع غير صحيحة. إن الحديث عن إنقلاب الفريق إبراهيم عبود في نوفمبر ١٩٥٨ على الديمقراطية الأولى ليس بهكذا سرد فطير، بمدخل وقائع غير صحيحة لن يقبلها العقل والمنطق السليم.
شهادة السيد أمين التوم ساتي
حول تسليم السيد عبد الله خليل للسلطة لحكومة عبود من كتاب ذكريات ومواقف في طريق الحركة الوطنية السودانية أدناه:
(المرحوم أمين التوم ساتي كان وزيرا للدولة لشئون رئاسة مجلسين الوزراء في حكومة السيد عبد الله خليل الثانية (1958م)، وكان مساعدا للسيد عبد الله خليل كسكرتير لحزب الأمة، وعضوا بمجلس إدارة حزب الأمة. تحت عنوان (الجيش- والسلطة- والديمقراطية 1958م) جاء بشهادته التي نفت علم وقادة حزب الأمة بالانقلاب، وأن السيد عبد الله خليل خـُدع منذ البداية وانضم للجبهة الوطنية المعارضة للحكم:
كان بعض وزراء الشعب وعلى رأسهم الشيخ علي عبد الرحمن مسؤولين إلى حد كبير عن العطب الذي كان واضحا في عملية كتابة الدستور الدائم، وكان الشيخ علي -رحمه الله وغفر له- يغيب عن اجتماعات اللجنة الوزارية المكونة من وزراء من الحزبين أوكلت إليهم مراقبة أعمال لجنة الدستور وإزالة العقبات التي تواجهها، وبصفة خاصة المسائل المتعلقة بنوع الدولة ورأسها، والدين، والحريات واستقلال القضاء والجنوب..الخ. هذا بالإضافة إلى أسفاره المفاجئة إلى مصر والتي كثيرا ما كان يخطر بها رئيس الوزراء وهو في طريقه إلى المطار دون أن يوضح أسباب سفره، كان ذلك من أهم الأسباب التي أدت إلى ضعف حكومة عبد الله خليل الثانية.
وفيما كانت الحكومة تواجه هذه المشاكل وتسعى جاهدة لإيجاد الحلول لها ودعم الائتلاف، وتسيير شئون الدولة على نفس مستوى الثقة المتبادلة التي بدأت بها في منتصف العام 1956م، وفيما كان رئيس الوزراء يبذل أقصى جهده في هذا الصدد تتابعت التقارير السرية له ولقيادة الجيش عن تحركات مشبوهة يقوم بها الملحق العسكري في السفارة المصرية وبعض الموظفين من هذه السفارة، ثم أعقبت ذلك تقارير عن لقاءات كانت تتم سرا بين الملحق العسكري المصري ونفر من الضباط السودانيين في أماكن مختلفة. وفيما كان رئيس الوزراء يتابع هذه التقارير ويطلب مزيدا من تتبع هذه الحركات جاءه من قيادة الجيش أن انقلابا يعد له نفر من ضباط الجيش وتدعمه مصر عبد الناصر كان وشيك الوقوع. هكذا قال عبد الله خليل فيما بعد، وبعد أن تسلمت القوات المسلحة السلطة، وكان عبد الله يحتفظ بسر التحرك المصري عن مجلس الوزراء ولا يبيح لقيادة حزبه إلا بنتف من الأخبار عنها. وبذلك تجمعت على الحكومة عوامل مؤدية للضعف أتتها من داخلها وهي: مشكلة نتيجة الانتخابات، وموضوع المعونة الأمريكية، ومسألة حلايب، وتعطيل أعمال لجنة الدستور ثم المؤامرة التي قيل إن جمال عبد الناصر كان يحيكها بواسطة سفارته في الخرطوم ضد الوضع الديمقراطي في السودان.
وفيما كانت الحكومة تواجه هذا الموقف المحرج جدا وأصبح احتمال سقوطها واردا، وقف السيد الصديق المهدي رئيس حزب الأمة موقفا يطالب بحل الائتلاف وقيام حكومة أخرى تتألف من حزب الأمة والوطني الاتحادي وأحزاب الجنوب، وتمت اتصالات في هذا الصدد بين رئيس حزب الأمة ورئيس الوطني الاتحادي وتم الاتفاق من حيث المبدأ على عرض رئيس حزب الأمة وبدأ الحوار الجاد حول الشكل الذي تقوم عليه الحكومة المقبلة. ولكن عبد الله خليل أصر على رفضه التكوين الجديد للحكومة وعلى عدم التعاون على أي حال مع الوطني الاتحادي. وظل على إصراره ذاك برغم كل المحاولات التي بذلت من داخل حزبه لفترة من الوقت. ثم عاد فوافق على التشكيل الجديد للحكومة وعقدت اجتماعات في منزله لتحقيق هذا الهدف، وتم الاتفاق بعد لقاءات عديدة بين قيادة حزب الأمة والوطني الاتحادي والجنوبيين على تكوين الحكومة وعلى عدد الوزراء من كل حزب وعلى الأهداف العريضة التي ينبغي أن تعمل الحكومة لتحقيقها. وفيما كان الموقف كذلك وحمدنا الله جميعا على تذليل العقبات والصعاب التي واجهتنا، أوقظنا ليلا نحن وزراء الحكومة في منازلنا بواسطة ضباط وجنود مسلحين من الجيش لنستلم خطابات كان واضحا أنها كتبت على عجل تشتمل على إعفائنا من مناصبنا الوزارية مع الشكر، ممهورة من الفريق إبراهيم عبود قائد الجيش.
وفي الصباح، صباح 17 نوفمبر 1958م عزفت الموسيقى العسكرية من إذاعة أم درمان ألحانها وصدر بعد ذلك بيان من قيادة الجيش يعلن قيام سلطة عسكرية في البلاد أعفت أعضاء مجلس السيادة ومجلس الوزراء من مناصبهم وعطلت الدستور المؤقت ثم حلت الجمعية التأسيسية، وأعلنت قانون الطوارئ في البلاد لوقت غير محدود. ومنذ الصباح الباكر خرجت كتائب من القوات المسلحة تدعمها الدبابات والعربات المصفحة وشددت الحراسة على دور الحكومة والمرافق العامة وحظر على المواطنين التجمع في الطرقات والميادين العامة، وبدأ تنفيذ قانون الطوارئ بدقة متناهية. وأصبح الناس في ذلك اليوم أمام وضع جديد وحكم جديد لا يعرف الحرية ولا يعرف الديمقراطية، وكان السلاح وسيلته الوحيدة لفرض سلطانه. وأصبح عبد الله بك خليل كئيبا حزينا يقص قصته بعد فوات الأوان، ويقول إن الضباط خدعوه.
قال إن الهزات المتتالية التي أصابت حكومته الائتلافية، ومن قبل تعرضت لمثلها حكومة السيد إسماعيل الأزهري الائتلافية بعد إعلان الاستقلال، جعلته يقتنع أن الحكومات الائتلافية أو القومية ليست أسلوبا صالحا للحكم في البلاد النامية بعد الاستقلال، في البلاد التي اختارت الديمقراطية الليبرالية طريقة للحكم، وكان يقول إن كل الوضع في البلاد بدا له أنه بحاجة إلى تغيير ليس بالضرورة إلى حكم عسكري ولكن إلى نوع من الحكم الديمقراطي يتناسب مع مستوى الساسة السودانيين والشعب السوداني ويتيح للحكومات فرصا للاستقرار والإنتاج. أما كيف يمكن أن تقوم هذه الحكومة المثالية في نظام حكم ديمقراطي مثالي فذلك ما لم يتيسر لعبد الله بك خليل تفهمه بعد. لذلك كان يقول إنه اتفق مع قيادة الجيش لتتسلم السلطة إلى حين وإلى وقت تتاح الفرصة فيه للأحزاب السياسية والقيادات الدينية والشعبية مراجعة الأمر كله ودراسته إلى حين الوصول إلى نظام ديمقراطي أمثل يرضاه الجميع ويكون محققا للاستقرار والتقدم.
هكذا كانت أحلام عبد الله بك خليل كما كشف الستار عنها فيما بعد. وكان يواصل حديثه بعد فوات الأوان أيضا في حسرة وحزن، ويقول إن ضباط الجيش خدعوه ووضحت له الخديعة منذ اليوم السابق للانقلاب. كان متفقا مع قيادة الجيش أن يزور هو القيادة في الساعة الخامسة من مساء 16 نوفمبر العام 1958م ليلتقي فيها قادة القوات المسلحة في أسلحة الخرطوم ويتحدث إليهم عن أهداف الانقلاب وحدوده باعتباره رئيس الوزراء ووزير الدفاع. ولما ذهب في الموعد المحدد لم يجد غير الفريق إبراهيم عبود واللواء حسن بشير اللذين أبلغاه أن قادة الوحدات كانوا في قياداتهم، وقد أعلنت حالة التأهب الكاملة وليس من الميسور استدعاؤهم لمقابلته، فعاد إلى منزله وهو يعلم أن تلك كانت بداية الخدعة.
وقال عبد الله بك إن الضباط اتفقوا معه أيضا على تأليف حكومة من المدنيين والعسكريين بالتشاور معه، ولما أعلنت الحكومة الجديدة حدث ذلك دون استشارته ولم يدخلها من المدنيين غير عدد محدد اختارتهم قيادة الجيش وحدها، أما جل الوزارات المهمة فكانت عند العسكريين. وبذلك اكتملت أطراف الخديعة كما يقول عبد الله بك وأصبح هو غريبا عن الوضع كله، وبدأ بذلك عهد جديد وحكومة عسكرية جديدة.
التاريخ عندما يكتب لن ينكر على عبد الله خليل إسهامه في الحركة الوطنية منذ شبابه عندما كان ضابطا صغيرا في قوة دفاع السودان منذ مطلع العشرينات وحتى جمعية اللواء الأبيض وثورة عام 1924م، ولن ينكر التاريخ عليه الدور الكبير الوطني الذي لعبه منذ اختياره سكرتيرا عاما لحزب الأمة والجهد العظيم الذي بذله ورفاقه حتى إعلان الاستقلال، وسيسجل التاريخ لعبد الله خليل العمل الجليل الذي قدمته حكومته الأولى للبلاد بعد الاستقلال في العام 1956، وحكومته الثانية التي كونها في مطلع العام 1958م حتى الانقلاب العسكري في نوفمبر من العام نفسه برغم الظروف الصعبة التي واجهتها. ولكن التاريخ سيسجل الأخطاء أيضا ولا يتردد في تدوينها. فعبد الله خليل لم يطلع حزبه على تصميمه على تسليم السلطة للجيش بعد أن ووجه بمشاكل لم يتمكن من التغلب عليها، ولو أنه فعل ذلك لأمكن الوصول إلى حلول تجنب البلاد سطوة الحكم العسكري ووأد الحرية والديمقراطية. وكان في وسعه كرئيس للحكومة ووزير للدفاع أن يتخذ إجراء حاسما ضد تحرك نفر من صغار الضباط أرادوا القيام بانقلاب قيل إن مصر تعمل له وتسنده في ذلك الحين. وكان مجرد الكشف عن هذه المؤامرة وإعلان تفاصيلها في حينه يكفي لوضع حد لها ولو إلى حين ولإذكاء روح الحماس بين أفراد الشعب والقوات المسلحة لتتأهب للدفاع عن الدستور وعن الديمقراطية التي ارتضاها الجميع نمطا للحكم.
وحتى بعد أن اتضح له قبيل يوم الانقلاب أن قادة الجيش قد خدعوه، ولم يتيحوا له فرصة الاجتماع بقادة الوحدات كما كان متفقا عليه كان يمكنه كرئيس للوزراء ووزير للدفاع أن يعلن من المذياع تحرك الجيش لانقلاب قبل حدوث الانقلاب ويحذر ضباط الجيش صغارهم وكبارهم من مغبة الإسهام فيه، ويطلب إلى الشعب والقوات المسلحة أن تعد نفسها للدفاع عن الديمقراطية، ولكنه لم يفعل من ذلك شيئا ولم يتحرك لمواجهة مثل هذا الموقف.
الإمام عبد الرحمن المهدي لم يكن على علم بالانقلاب ما في ذلك شك ولو أنه علم لما سمح بوقوعه. فعبد الله بك خليل برغم العلاقة المتينة التي تربطه بالسيد الإمام منذ عهد بعيد وبعد قيام حزب الأمة لم يطلع السيد الإمام على خطته الموضوعة لتسليم السلطة للجيش. ويتساءل كثير من المواطنين منذ ذلك الحين حتى الآن لماذا إذن أصدر السيد الإمام عبد الرحمن المهدي بيانا عقب الانقلاب عرف منه أنه موافق على ما حدث ويرجو للجميع التوفيق؟
والجواب على ذلك أنه كان يقول إنه عمل للاستقلال والديمقراطية حتى تحققا، وأنه عندما قام الجيش بحركته فكر في الصمت أو إصدار بيان معارض للانقلاب لكنه خشي أن تنتج عن أي من الموقفين حرب أهلية يصطلى بنارها الأنصار وحدهم ولا يعلم إلا الله مدى ما تخلفه من دمار ودماء وأحقاد. لذلك انتهى إلى قرار بإصدار بيانه الذي فهم منه أنه موافق على الانقلاب. وقال السيد الإمام إنه ليس لديه ما يدعوه حقا إلى إصدار البيان غير الخوف من الفتنة. وأنه لم يكن على علم به إطلاقا حتى حدث. وقال السيد الإمام فيما بعد إنه يعتبر ضباط الجيش أبناءه ومن الممكن التشاور والتفاهم معهم في وقت مقبل على إعادة السلطة للشعب الذي جاهد كثيرا وضحى كثيرا في سبيل الاستقلال والديمقراطية والحرية.
وكان السيد الصديق المهدي، الابن الأكبر للإمام عبد الرحمن المهدي، ورئيس حزب الأمة غائبا عن البلاد في أوربا لأعمال خاصة عندما حدث انقلاب الجيش في السودان. وفي أوربا أعلن أنه يرفض هذا الانقلاب، وسيقاوم القائمين به حتى تعود الديمقراطية لشعب السودان مرة أخرى، وعاد لتوه إلى الخرطوم. وفي الخرطوم كرر ما قاله في أوروبا بقوة وأعاد التكرار للوفود التي كانت تفد إلى داره من الأنصار وغيرهم لتتلقى التوجيه وتتأكد من إصرار القيادة السياسية على مقاومة الحكم العسكري.
ولم يمض وقت طويل حتى تألفت جبهة وطنية برئاسة السيد الصديق المهدي واشترك في قيادتها حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي وشخصيات سياسية كالسيد ميرغني حمزة والجبهة المعادية للاستعمار والأخوان المسلمون وجماعات إسلامية اخرى وسياسيون جنوبيون وآخرون من كبار الاستقلاليين غير الجنوبيين، وكان في مقدمة من انخرطوا في سلك الجبهة الوطنية من قادة حزب الأمة عبد الله بك خليل.
الرأي العام.)
إن شهادة السيد أمين التوم المنقولة من مصدرها في حياته، هي شهادة شاهد وقائع، ولم يتم دحضها في حياته بالمولاة وبالتالي صارت لهة قيمة البينة السليمة والحجة المعتبرة.
ساتناول بعض التعليقات الهامة التي وصلت لكاتب هذا المقال منها تعليق الأستاذ عبد الرحمن محمد القاسم ،وهو من المدافعين الحقوقيين المعروفين في مجالات الدفاع عن حقوق الإنسان، كما وحصل على إعتراف وتكريم دولي من إتحاد المحامين الأمريكان لدوره في تعزيز جهود قضايا حقوق الإنسان.
كتب الأستاذ عبد الرحمن القاسم الآتي :
(في السياق القانوني الدولي، “إنهاء الدولة” يشير إلى انقضاء وجود كيان سياسي معترف به كدولة مستقلة وسيادية. عندما يتحدث القانون الدولي عن إنهاء دولة، يتضمن ذلك أن هذه الدولة لم تعد موجودة ككيان مستقل يتمتع بالسيادة وتتحكم بمصيرها.
بالنسبة للسودان، يُفهم من الحديث عن “إنهاء دولة 1956” احتمالية وجود تحليل قانوني يتحدث عن انتهاء الوضع القانوني والسياسي الذي نشأ عند استقلال السودان عن الحكم البريطاني والمصري في عام 1956. ومع ذلك، قد يكون هذا المصطلح قد اُستخدم في سياقات مختلفة تعكس تغيرات جذرية في الوضع القانوني أو السياسي للدولة.
على سبيل المثال:
1. الانقسام الجغرافي أو السياسي: مثل انفصال جنوب السودان في عام 2011، مما أدى إلى تغيير كبير في خريطة السودان وسيادته.
2. تغيير النظام السياسي بشكل جذري: مثل الثورة أو الانتقال إلى نظام حكم جديد يمكن أن يُنظر إليه على أنه نهاية لفترة معينة من الحكم.
إجمالاً، المصطلح في الفقه القانوني يعتمد على السياق المحدد المستخدم فيه، وقد يشير إلى نهاية الكيان القانوني للسودان كما تأسس عام 1956، أو إلى تحولات كبيرة في نظامه السياسي والقانوني.
تحليل مساهمة السياسيين الإسلاميين في تقزيم الدولة السودانية وانهيار معاييرها يتطلب النظر في عدة جوانب تاريخية وسياسية واجتماعية واقتصادية. منذ صعود الجبهة الإسلامية القومية بقيادة حسن الترابي في أواخر الثمانينيات، ومن ثم انقلاب عمر البشير في عام 1989، تبنى السودان سياسات إسلامية شديدة التأثير على جميع جوانب الحياة.
الأسباب والتأثيرات
1. السيطرة السياسية والاقتصادية:
• الفساد والمحسوبية: كانت إحدى أكبر المشكلات التي واجهها السودان خلال حكم الإسلاميين هي الفساد والمحسوبية. تم توزيع الموارد والفرص الاقتصادية على أساس الولاء السياسي بدلاً من الكفاءة، مما أدى إلى تدهور الخدمات العامة والبنية التحتية.
• السيطرة على السلطة: احتكر الإسلاميون السلطة وأقصوا المعارضة، مما أدى إلى قمع الحريات السياسية والمدنية. هذه البيئة السياسية غير الشفافة جعلت من الصعب تنفيذ سياسات فعالة ومستدامة.
2. الحروب الأهلية والنزاعات:
• الصراع في دارفور وجنوب السودان: تسببت السياسات الحكومية في تفاقم النزاعات العرقية والإقليمية، مثل الصراع في دارفور الذي نتج عنه اتهامات بالإبادة الجماعية، والحرب الأهلية التي أدت في النهاية إلى انفصال جنوب السودان في 2011. هذه النزاعات استنزفت الموارد وأدت إلى خسائر بشرية واقتصادية كبيرة.
3. السياسات الاقتصادية الفاشلة:
• سوء الإدارة الاقتصادية: اعتمدت الحكومة على السياسات الاقتصادية التي لم تكن مستدامة، مما أدى إلى انهيار الاقتصاد. العقوبات الدولية، وسوء الإدارة، والفساد أسهموا في تدهور العملة الوطنية، وارتفاع معدلات التضخم، وزيادة الفقر.
4. السياسات الاجتماعية والدينية:
• فرض الشريعة الإسلامية: فرض الإسلاميون سياسات الشريعة الإسلامية بطرق أضرت بالتماسك الاجتماعي وحقوق الإنسان. تسببت هذه السياسات في عزلة السودان عن المجتمع الدولي، مما أثر سلبًا على الاقتصاد والعلاقات الخارجية.
التنصل من المسؤولية وإلقاء اللوم على الآخرين
السياسيون الإسلاميون في السودان غالبًا ما حاولوا التنصل من المسؤولية عن الأوضاع المتدهورة بإلقاء اللوم على الأنظمة السابقة أو القوى الخارجية. هذا التنصل يمكن فهمه ضمن عدة عوامل:
• التلاعب السياسي: التنصل من المسؤولية هو تكتيك شائع في السياسة لتجنب المساءلة وإلقاء اللوم على الأنظمة السابقة أو القوى الخارجية.
• الدعاية الإعلامية: استخدم الإسلاميون وسائل الإعلام للترويج لنجاحاتهم ولإخفاء إخفاقاتهم، مما ساعدهم في تجنب النقد الداخلي.
• القمع السياسي: من خلال قمع المعارضة والصحافة الحرة، تمكنت الحكومة من تقييد النقاش العام حول مسؤولياتها وإخفاقاتها.
النتيجة النهائية
ساهمت هذه العوامل في تقزيم الدولة السودانية وتدهور معايير الحكم والتنمية فيها. ورغم التحولات السياسية التي شهدتها البلاد بعد الإطاحة بعمر البشير في 2019، إلا أن الإرث الثقيل من السياسات الفاشلة والممارسات القمعية لا يزال يؤثر على السودان حتى اليوم.
التحليل الختامي
يتضح أن مساهمة السياسيين الإسلاميين في تدهور الأوضاع في السودان كانت كبيرة ومؤثرة. الفشل في معالجة القضايا الأساسية، والاستمرار في السياسات القمعية، والفساد والمحسوبية كلها عوامل ساهمت في تدهور السودان. من المهم أن يكون هناك اعتراف بالمسؤولية ومحاولة جادة للإصلاح إذا أراد السودان أن يتعافى وينهض مجددًا) .
أتفق تماما في كل ما جاء في تعليق الأستاذ عبد الرحمن القاسم، ولكن قوات الدعم السريع لم تعلن حتى الآن عن ايديولوجية سياسية من خلالها يتم التعرف على رؤيتها حول شعار إنهاء دولة ١٩٥٦م المرفوع ، كما وأعلنت قوات الدعم السريع بأنها تخوض الحرب الدائرة حاليا من أجل تحقيق الديمقراطية وتسليم السلطة للمدنيين، ثم ساد خطاب إنهاء دولة ١٩٥٦م، ودولة ١٩٥٦م تأسست على مرجعية الحكم المدني الديمقراطي،إذا المطلوب من قيادة الدعم السريع إعلان ان لديها ايديولوجية سياسية لإدارة الدولة وإعلانها للرأي العام ، وتحديد كيفية تحقيقها بالوسائل المدنية ، وليس برفع شعار إنهاء دولة ١٩٥٦م والحرب ، وإلا فإن الشعار المرفوع هكذا جُزافيا لا يُفهم منه سوى أنه يعني إنهاء الدولة المؤسسة بموجب قواعد التأسيس المجازة في في ١٩/ ديسمبر/ ١٩٥٥م والعودة إلى حالة اللادولة، وحالة اللادولة ، الوضع الذي كان عليه الحال من تبعية لدولتي الحكم الثنائي الإنجليزي المصري المرتكزة على ان الأراضي السودانية كانت تابعة للخديوية المصرية ثم الملك فاروق ملك مصر والسودان.
من التعليقات التي وصلت لكاتب المقال، تعليقا من الحبيب محمود علي مادبو. سأقوم بتناوله في المقال القادم – نواصل.