مقالات الرأي

قراءة وتعليق في مقال د الوليد مادبو (مستقبل السودان الباهر والإشكال الماثل) (4/4)


بقلم: الصادق علي حسن

في سياق تدارك أزمات البلاد ومعالجة تشوهات ممارسات الأنظمة المتعاقبة عليها وعلى رأسها النظام البائد، تناول د الوليد مادبو ما قام به النظام البائد من تصميم لمركزية سياسية قابضة مغطاة بلامركزية إدارية صورية، تعفي المركز من تحمل التبعات المالية وتتبع له ، وقدم مقترح كمدخل لمعالجة الخلل في إدارة الدول بالتجاوز المرحلي للحكم للفيدرالي لما شاب التطبيق من تشوهات عميقة في ظل النظام البائد وذيله التابع الناتج عن شراكة العسكر مع قوى الحرية والتغيير عقب ثورة ديسمبر المجيدة ٢٠١٨م، وقد وصلت عملية إنتاج الأزمات والمشكلات ومحاصصات السلطة واضعاف مؤسسات الدولة المدنية إلى قمتها بحدوث الحرب العبثية الدائرة حاليا .
المؤتمر الدستوري :
مصطلح المؤتمر الدستوري ظل مستخدما منذ سنوات خلت باعتباره المدخل الصحيح والمتفق عليه بين قادة الأحزاب والرأي السياسي وأهل الإختصاص القانوني وهم يتحدثون بان الحل كله يكمن في إنعقاد المؤتمر الدستوري ، كما كانت حركة الإسلام السياسي في ادبياتها ظلت تختصر معالجة كل مشاكل البلاد بان الإسلام هو الحل، وهي لا تمتلك أو تطرح اي تصور متكامل مبني علي الدين سوى المظاهر الشكلية ، وايضا قد ظلت كل القوى السياسية والحقوقية تطرح فكرة المؤتمر الدستوري بان حل مشكلات وأزمات البلاد يكمن في قيام المؤتمر الدستوري ، حتى صارت الفكرة من المسلمات لدى الأحزاب السياسية . المتعارف عليه في الفقه الدستوري ، في ظل الديمقراطيات الحديثة ان مواد صناعة الدستور يقوم بوضعها المواطنين بلا استثناء وذلك من خلال إنتخاب ممثليهم الذين ينوبون عنهم في إقراره من خلال ممارسة التشريع ، وصناعة الدستور لا تقوم بها الأحزاب من خلال المؤتمرات ، بل تشارك الأحزاب في إدارة الدولة عقب إقرار الدستور الدائم بواسطة جهاز الدولة المختص بالتشريع ، أما مواد صناعة الدستور وهي عبارة عن ثقافة المجتمعات المتنوعة والمتعددة وحقوقها وعاداتها وتقاليدها المرعية فهي تكفل بالتشريع الدستوري الذي أساسه المواطن الناخب في البوادي والفرقان والقرى والأرياف والمدن على قدم المساواة ، وليست عملية سياسية تتم في المركز بواسطة الأحزاب وشركائها من النخب، وهنا مكمن أزمات البلاد ، أما وعقب وضع الدستور الدائم فتأتي مرحلة الأحزاب والمستقلين لإدارة البلاد، إن مرحلة صناعة الدستور هي مرحلة التأسيس وأهمها بأخذ مواد الدستور من المواطن نفسه ، كما ويشارك المواطن في وضع مواد الدستور بالأصالة عن نفسه ، واختيار من ينوب عنه من بين المرشحين لإقراره بواسطة جهاز الدولة المختص بالتفويض الإنتخابي .
مشروع دولة ١٩٥٦م :
حدد المُشرع الدستوري لدستور ١٩٥٦ المؤقت كيفية إقرار الدستور الدائم للبلاد ، وذلك من خلال جمعية تأسيسية منتخبة بواسطة كل مواطني اقاليم السودان، لذلك الحديث عن قيام مؤتمر بمسمى المؤتمر الدستوري لإقرار الدستور الدائم لا معنى له ولا قيمة دستورية ، وان السلطة التأسيسية هي سلطة الشعب وليست سلطة الأحزاب السياسية ، ويظل الحديث عن مؤتمر دستوري لوضع دستور دائم للبلاد بمثابة الدوران في حلقة مفرغة ، ولكن ليس هنالك ما يمنع تعديل مسمى الإستحقاق الدستوري لمواطني اقاليم السودان في وضع الدستور الدائم ضمن أحكام مشروع تأسيس الدولة السودانية لسنة ١٩٥٦ من اسم جمعية تأسيسية إلى مؤتمر دستوري أو اي اسم آخر على أن يتم ذلك بواسطة ممثلي الأقاليم ومن خلال الإنتخابات العامة المحددة وفقا لأحكام دستور السودان المؤقت لسنة ١٩٥٦ بتعديلاته .
مستقبل السودان الباهر والإشكال الماثل :
تناول د الوليد مادبو في خاتمة مقاله الثر الذي قمت بقراءاته والتعليق عليه، ما أسماه بحكومة الفترة التأسيسية لإدارة الدولة عقب الحرب كما وأقترح ان تصوب أعينها لخمس قضايا أساسية لعدم وجود منصة إنتقال مدنية وسياسية أطرها في الآتي بحسب ما جاء بالمقال المذكور ( استتاب الأمن وذلك باتخاذ إجراءات قانونية صارمة تشمل المحاكمات الميدانية للمجرمين والمتسببين في تشرد المواطنين، إصلاحات مؤسسية عاجلة لمعالجة الوضع الإداري المتردي ، معالجة المأساة الإنسانية في شمال البلاد وغربها ، قرارات اقتصادية جريئة وفاعلة لتعويض المنهوبين وجبر خاطر المستثمرين بإعطائهم قروضا بشروط ميسرة جدا ، ترتيبات أساسية لملء الفراغ الدستوري والقانوني) ، وختم مقاله حول مبررات تركيزه على الأسس المعنوية التي حالت دون تواصل شعوب السودان بما لها من حضارة إنسانية عريقة والعجز عن خلق كيان واحد قوي ومزدهر .
هذه الإضاءات التي تحدث عنها د الوليد مادبو جديرة بفتح النقاش حولها بالرأي والرأي الأخر من خلال منصات عامة مفتوحة ، فقد كشفت الحرب العبثية الدائرة عدم وجود لمفهوم موحد للدولة السودانية في اذهان أعداد معتبرة من مواطنيها ، والبلاد الآن في لجة فوضى عارمة ، المنابر الخارجية لن تأتي بحلول لقضايا ومشكلات البلاد ، والمخرج قد لا يتحقق إلا من خلال منصات داخلية تؤسس للحوار المدني الديمقراطي، وتجاوز خطاب الكراهية واعتماد الحلول ايا كانت انواعها بالحوار وليس لاغراض إيقاف الحرب ومعالجة آثارها فقط بل للتأسيس والتراضي بين مكونات الدولة حول كيفية تأسيسها ،بخاصة وعقب الحرب لن تكون هنالك اي خطوط تسمى بالخطوط الحمراء، هذه المنصات الحوارية المفتوحة إذا انطلقت قد تدرك وجود الدولة قبل إنهيارها التام ، ليتناقش من خلالها القائد عبد العزيز الحلو عن رؤيته للعلمانية وكيفية تطبيقها بمثلما يتحدث عن ذلك د محمد يوسف أحمد المصطفي ود عبد الرحمن سعيد وقادة الحركة الشعبية لتحرير -شمال بقيادة الحلو ، كما ويتحدث من خلالها القائد عبد الواحد محمد نور عن رؤيته ومبادرته حول كيفية إنتاج الحلول من المواطنين بانفسهم بمثل ما يتحدث حول ذلك عبد الرحمن الناير وقادة الحركة بقيادة عبد الواحد وتتحدث الأصوات الأخرى التي تحمل السلاح وغيرها حول رؤيتها لما بعد الحرب ، كما وبالضرورة ان يدلي فيها برؤيته من أمثال البروفيسور مهدي امين التوم صاحب الكتابات الرصينة وشوقي بدري المهموم بالكتابة من لندن والإقتصاديين من أمثال د صديق امبدة وفي علوم الإجتماع ودراسات تكوينات الهويات من أمثال البروفيسور موسى آدم عبد الجليل واساتذة الجامعات والعلوم الإنسانية وغيرهم ، وما لم يحدث ذلك ، سيتطور الإنقسام المجتمعي والوجداني وتتباعد العلاقات داخل الدولة وتحدث الإنقسامات المستمرة ، حتى تأتي أجيال الثورة المتعاقبة في المستقبل بحلول تخاطب بها مشكلات البلاد بما قد تناسبها في أوانها وقد عجزت النخب الحالية ، وفي ظل ظروف واوضاع متغيرة ، يظل القاسم المشترك ، ان كل الإحتمالات والخيارات تظل واردة بما فيها مشروعات التجزئة والتقسيم.

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x