مقالات الرأي

رؤية الحزب الشيوعي النقدية لمخرجات مؤتمر ايوا للسلام والديمقراطية ٢٠-٢٣ اكتوبر ٢٠٢٣ (٣)


بقلم: الصادق علي حسن

ملاحظة :
كتب احدا من المتابعين المدققين ملاحظة في ما ورد بالمقال (٢) من سلسلة هذه المقالات حول جزئية ما جاء فيه (ثم عاد الإستعمار بحملة هكس ونيازي في ١٨٩٩) وعلق بالآتي (لربما قصد الكاتب بذلك كتشنر وليس هكس فهكس قتل في معركة شيكان) فكان ردي له (ما قصدته هو هكس نفسه، كما وقصدت بذلك بداية الحملة التي اطلقت عليها الأستعادة والتي انتهت بسقوط دولة المهدية في ١٨٩٩ ، ولم اتطرق لما حدث لحملة هكس والهزيمة في معركة شيكان ثم حملة غردون ثم حملة كتشنر حتى لا يخرجنا السرد الوقائعي عن الموضوع حول رؤية الحزب الشيوعي في مخرجات مؤتمر ايوا للسلام والديمقراطية ،وإن كانت الملاحظة المذكورة هامة وفي مكانها الصحيح ، ولكن قد اخذت الخلاص بخواتيمها وبما يفي بالغرض المقصود)، كما ومن المسائل الهامة ذات الصلة التي لم اتناولها ان دول اوربا الإستعمارية والشرعة الدولية السارية المفعول وقتذاك لم تعترف بالثورة المهدية واعتبرت حملة القضاء على الدولة المهدية التي انطلقت من القاهرة من قبيل الإستعادة لإحدى ممتلكات الإمبراطورية العثمانية المعترفة بها وبمشاركة الخديوية المصرية ممثلة الإمبراطورية العثمانية .
صراعات المصالح :
يجد الباحث في الأحزاب السودانية ان قيادات الحزب الشيوعي امتازت بالتأهيل الأخلاقي واقصد بذلك انها لم تساوم بمبادئها ، وهذه قيمة كبرى ، كما ولم تتهافت للسلطة عقب ثورة ديسمبر كما تهافتت تنظيمات قوى الحرية والتغيير على مائدة اللئام من عناصر اللجنة الأمنية للنظام البائد وتداعت كما تتداعى الأكلة على قصعتها كما قال الرسول الكريم ، وقد كان شيوخ هذا الحزب في عهد نظام البائد يلتمسون التغيير بوسائل النضال الشريف ويقدمون العون الممكن والمساندة للقوى الثائرة على النظام البائد، كمثال ظل المهندس صديق يوسف نسأل الله تعالى له العافية والعمر المديد يحرص على حضور ومتابعة جلسات محاكمات الطلاب الجائرة ويجمع المساهمات المالية لسداد الغرامات التي توقعها محاكم النظام البائد على طلاب دارفور وغيرهم في البلاغات الكيدية المرفوعة ضدهم بواسطة جهاز الأمن والأمن الطلابي وعقب نجاح الثورة في عزل المخلوع البشير سافر إلى منطقة شنقل طوباي من نيالا بالبر في الطريق الذي اصابه التلف في غالبية اجزائه مع آخرين من ضمنهم الأستاذة سارة نقد الله وهما يعانيان من متاعب أمراض القلب ليجلسوا مع رفقائهم في تلك الرحلة الشاقة مع النازحين على الأرض وقد نالت منهم متاعب السفر ليتحقق لهم السماع المباشر من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والأطفال والنساء المتأثرات بجرائم الاغتصاب والتخفيف عنهن ، وهو بجلبلبه الأبيض البسيط وعمامته التي فقدت نصاعتها ، هذه من قيم اخلاقية في ضمير انساني حي ، الخطيب ويوسف حسين وغيرهم، فمثل هكذا شيوخ يقدمون امثلة هكذا ونماذج بحق جديرة بالإحترام، لذلك تظل قيادة الحزب الشيوعي مؤتمنة طالما ظلت امينة مع ذاتها بغض النظر عن مدى صحة مواقفها السياسية او عدمها من القضايا العامة المطروحة ، او اتفاقها مع الرأي الأخر ، طالما ظلت تتمسك بمبادئها وقيمها ولا تساوم بهما ، ولكن بالضرورة ان يبحث هذا الحزب العريق في التغييرات التي حدثت في الدولة السودانية وهي تغيرات مصيرية تتعلق بمصير الدولة نفسها ، ولم تعد القضايا تتعلق فقط بنظم الحكم ومدى سلامته وممارسة الديمقراطية والحكم الراشد ونظريات الحكم في الدولة، ففي النظم الحديثة والشرعة الدولية اركان الدولة ذات السيادة هي الأرض والشعب والسلطة ذات السيادة ، والآن لا توجد سلطة ذات سيادة على شعب او ارض ، والقضية الآن باتت هي كيفية استعادة الدولة نفسها، اما امريكا فصحيح ان دولة السودان تذخر بالثروات والموارد الطبيعية والمعادن والأراضي الزراعية الشاسعة ولكن قدرات و امكانيات السودان ليست بذات اهمية كبرى لدولة أمريكا التي تجاوزت قدراتها وامكانياتها الموارد الطبيعية التقليدية وصارت تعمل على احتكار الفضاء الخارجي غير المعلوم ، روسيا بكل قدراتها وتجاربها وهي تخوض الحرب في اوكرنيا لم تفرط في المصالح الحيوية التي تجمعها بالولايات المتحدة وحرصت على مراعاتها على الرغم من الدعم الأمريكي المعلن والمباشر لأوكرانيا في حربها مع روسيا، إن المصالح الأمريكية الفعلية في السودان ليس بالضرورة في تحقيق السيطرة على ثروات البلاد ومواردها ، كما الثروات اليوم ليست كالأمس تكمن في الموارد الطبيعة ، لقد تطورت الثروات وصارت العقول وعلوم التكنلوجيا هما مفتاح الثروات فجهاز آيفون واحد يعادل قيمة العديد من براميل النفط الخام وعشرات من جوالات القمح والذرة ، إن من اهتمامات الولايات المتحدة الأمريكية بالسودان تأمين المنطقة من الأصابع الروسية حتى لا تكون دولة كالسودان نافذة لروسيا أوالصين في النفوذ الإقتصادي او السياسي الدولي ، كما وما يجمع بين الولايات المتحدة الأمريكية ودولتي روسيا او الصين او احدهما اكثر بكثير من عشر معشار ما تستهدفها الولايات المتحدة من مصالح بالسودان، لذلك بالضرورة للأحزاب والتنظيمات السياسية مراعاة هذه الحقائق وعدم الركون دوما إلى منطق المؤامرة، وان تبحث القوى السياسية في وسائل تأمين مصالح شعبها مع امريكا او روسيا او دول الغرب او غيرها . إن الباحث في الحرب العبثية الدائرة حاليا يجد ان علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بما يجري بالسودان ليست مباشرة ، كما وان الولايات المتحدة قد انفقت ملايين الدولارات في القضايا الإنسانية بخلاف دولتي روسيا والصين اللتين كانتا تمدان نظام البشير بأدوات الحرب والسلاح وتستخدمان حق النقض (الفيتو) لصالح حماية النظام البائد في مجلس الأمن كما وتصوتان في مجلس حقوق الإنسان ضد اي قرارات لصالح الشعب السوداني طالما كانت مؤيدة وداعمة للنظام البائد ، لذلك من الأهمية للقوى السياسية والأحزاب اعادة النظر في مواقفها التقليدية، الشأن السوداني الحالي بيدي السعودية والإمارات ، والدولتان يقودهما اميران شابان لهما طموحاتهما الذاتية في لعب ادوار خارج بلادهما كما وقد وجدا ضالتيهما في اوضاع الدولة السودانية الهشة وشعبها المقهور والمتسلط عليه بواسطة جلاوزة عناصر اللجنة الأمنية للنظام البائد، استخدمت الدولتان الجيش السوداني في حرب إرتزاق باليمن لمكاسب واهداف خاصة بهما وقد صارت امكانيات الدولة السودانية ومواردها الطبيعية والبشرية مستغلة في إطار مشاريعهما الإقليمية وبالمنطقة، كما والدولة نفسها صارت مطية لهما ولغيرهما بسبب تواضع قدرات من يديرونها ويتنازعون عليها (البرهان وحميدتي) وقد صارا مجرد ادوات. من جانب آخر الشعب السوداني برمته قد تم تنميطه في مواقف حول قضايا لا يعلم كنهها،كما في مثل النزاع العربي الاسرائيلي وتعلم الأطراف المعنية بالمنطقة تماما مكامن هذا الصراع وخلفياته ، كما وظل الشعب السوداني من خلال نخبه يعطي الأولوية لقضايا خارج اسوار بلاده ويتناسى قضاياه الأساسية وحق مواطنه في الحياة الكريمة حتى صارت الدولة والخرطوم العاصمة نفسها مركزا للصراع واطماع دول الإقليم والخليج مثل السعودية والإمارات.
رؤية الحزب الشيوعي حول الموقف الأمريكي تجاه السودان هكذا تتجاهل ان الأزمة الفعلية والتدخل السافر في الشأن السوداني الداخلي من طرفي دولتي السعودية والإمارات بصورة مباشرة وان مراكز القوى الجديدة هذه في السودان ليست بالضرورة تنفذ في السياسات الأمريكية بحذافيرها. إن الدولة السودانية الآن فقدت اجهزة إدارتها وتتوزع على مراكز القوى والنفوذ، البرهان قدراته متواضعة ومثقلا بالتزامات إقليمية تكبله كما كبلت سلفه البشير، كما وهو حريصا على السلطة التي ربط مصيره بها كسلفه البشير ، تارة تجده هنا وتارة اخرى هناك يبحث عمن يعزز موقعه في كرسي الحكم لأطول فترة ممكنة، حميدتي نفسه عبارة عن اداة من الأدوات وما يحدث اكبر من قدراته ، كما وفي ارض الواقع ظهرت مراكز القوى التي انشأت لذاتها مراكز سطوة مستقلة، وفي مثل هكذا ظروف وأوضاع تبرز قيمة وتجارب الحزب الشيوعي في كيفية تلافي المزيد من الإنقسامات المجتمعية ومخاطبة القضايا بصورة عميقة وليس بالركون لنظرية المؤامرة والتي لم تعد ذات جدوى في مخاطبة قضايا دولة هشة على وشك الإنهيار التام.

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x