الدوران حول حلقة مفرغة(نزع الشرعية – حكومة المنفى)
بقلم: الصادق علي حسن
لقد كتبت سابقا عدة مقالات حول أداء قوى الحرية والتغيير (قحت) وهي تتولى السلطة المكونة بموجب الوثيقة الدستورية المعيبة، وقد وصٌفت وقتها بأنها الممثلة الوحيدة لقوى ثورة ديسمبر المجيدة ،كما وكتبت لاحقا عن تنسيقية القوى المدنية والسياسية (تقدم) والتي تكونت في ظل الحرب العبثية الدائرة وتصدرت المشهد السياسي السوداني في الحراك الخارجي وتكاد تكون منذ تكوينها وحتى الآن غائبة في الداخل .لقد كانت ولا تزال كتاباتي من أجل اسداء النصح والرأي لهذه التنظيمات السياسية والمدنية .
إن المراقب للعمل والنشاط السياسي عموما والأحزاب والتنظيمات السياسية وعلى رأسها (قحت) و (تقدم) على نحو أخص، يجد أن هذه الأحزاب والتنظيمات السياسية لا زالت قابعة في الماضي وفي مربع شعارات ثورة ديسمبر المجيدة، وقد اتخذت من ثورة ديسمبر المجيدة مرجعيتها ، وتتمسك بأنها تمثلها دون النظر إلى حقيقة أن الثورات حينما تندلع يكون الهدف المنشود منها التغيير، وإذا حدث التغيير في نظام الحكم القائم، فإن ذلك يعني تلقائيا أن الثورة قد أكملت دورتها كثورة وصارت في عداد التاريخ ، وإذا اندلعت ثورة أخرى على النظام البديل فهذه ثورة أخرى جديدة . فالثورة المستمرة هي المتواصلة بلا انقطاع ، ولم تتمكن من أحداث التغيير في نظام الحكم القائم أو إذا حدث التغيير ولم يقبل الثوار بالنتائج وظل الوضع الذي تغير بالنسبة لهم كأن لم يحدث شيئا ،وظل الثوار في حالة ثورة عليه ، إن تنظيمات (قحت) و(تقدم) قبلت بالتغيير وبالتالي تكون الثورة بالنسبة لها قد أكملت دورتها وعليها أن تقوم بدراسة مآلات تجربتها والاستفادة من الدروس ، كما ولم تعد شعارات ثورة ديسمبر المجيدة تخاطب ظروف وأوضاع البلاد الحالية وقد تعلق الأمر بمستقبل وجود الدولة وليس بمن الذي يحكمه .
لقد أطلعت على البيان الختامي ل(تقدم) والذي صدر عقب اجتماعاتها في عنتبي ولم أجد فيها أي شيء جديد ، ولا تزال قوى تقدم تتحدث عن مسائل تنظيمية وتكوين جبهة مدنية وهذه من المسائل والأمور في ظل الأوضاع الاستثنائية المفصلية الحالية من الأمور التي تعالجها الهياكل التنظيمية بصورة داخلية راتبة ولا تحتاج إلى تكرار النظر حولها والاختلاف أوتباين الرؤى بشأنها ، مما يعني بأن قوى (تقدم) لم تبرح مكانها منذ تأسيسيها وتعاني من ضعف القدرات والتنسيق .
الحلقة المفرغة .
إن أخطر ما ورد أن تقدم ناقشت ما أطلقت عليه ب(نزع الشرعية) وفي تكوين حكومة منفى، وبغض النظر عما توصلت إليه في نقاشتها بشأن الموضوعين، ففي الواقع لا توجد شرعية لحكومة بالسودان معترفة بها لدى المؤسسات الدولية المعنية بالإعتراف . كما وبالنسبة للداخل فإن الشرعية المدعاة لا تتأسس إلا على تفويض إنتخابي، ولا توجد جهة أو حكومة تمتلك شرعية بتفويض إنتخابي (سليم أو غير سليم) من الشعب السوداني حتى تنزع منها الشرعية وتظل الأوضاع في ظل عدم التفويض الإنتخابي تتمثل في أوضاع الأمر الواقع أو أوضاع الإنتقال لاستعادة الشرعية وكلاهما لا ينطبق عليهما وصف (النزع) والأهم من ذلك الشعب السوداني لا يعترف بالطرفين المتحاربين ولا يقر لهما بأي شرعية، كما ومن ناحية أخرى فإن وصف الوضع الحالي بالسودان لدى المؤسسات الدولية هو وضع الأمر الواقع ،وقد تم تعليق عضوية السودان في الإتحاد الأفريقي ومنظمة الإيجاد وتتعامل الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي مع النظام الحاكم في السودان بأنه نظام الأمر الواقع القائم على وضع اليد على الحكم ،وهذا أقصى ما يمكن أن تفعلها تلكم المؤسسات بشأن دولة لها كاملة السيادة ، مما يعني بأن الحديث عن نزع شرعية بمثابة الحرث في البحر، فأصلا لا توجد شرعية ومن يتحدث عنها يجهل كنهها. أما الحديث عن تكوين حكومة منفى ،فإن حكومات المنافي تتشكل وتكون مفيدة في حالة المعارضة التي تمثل قوى متجانسة لمواجهة النظام المهيمن على الحكم في الدولة ، قوى تقدم حتى الآن عاجزة عن استكمال هياكلها التنظيمية بسبب من سيتولى هذا الموقع أو ذاك ، كما ولم تطرح أي برنامج، فهل برنامجها يتمثل فقط في البحث عن السلطة من خلال غطاء نزع الشرعية ثم تكوين حكومة منفى تتولى مهام القيام بمقابلات ممثلي الدول وتنظيم المؤتمرات أم ماذا؟ .
الأجدى لقوى تقدم أن تمارس التدابير الاستثنائية المتمثلة في تعزيز جهود وقف الحرب بالطرق والأدوات والوسائل المدنية وأن تنشط وتعمل على معالجة قضايا المتأثرين بالحرب بدول الجوار ومعسكرات اللجوء الخارجي وأوضاع ومراكز إيواء النزوح الداخلي .
إذا ظلت تقدم هكذا في دائرة البحث عن نزع شرعية وهي لا تعلم بأنها أصلا غير موجودة، ورغبة في تكوين حكومة منفى لمن أستقروا بالخارج ويحملون الحقائب ويتجولون بها في المنابر والمؤتمرات الخارجية وقد ادمنوا المنابر والمحافل والتصريحات للوسائط الإعلامية، تظل تقدم في وادي البحث عن السلطة والإبتعاد رويدا رويدا عن قضايا الشارع، وستشملها ثورة الغضب القادم كطرفي الحرب بلا استثناء .