الروابط الثقافية والتعليمية والاجتماعية، المدخل السليم لتمتين العلاقات السودانية المصرية (٢)

بقلم : الصادق علي حسن
تصحيح التاريخ المغلوط .
في الوقائع التاريخية خضعت مصر للاستعمار العثماني ،وصارت ولاية تابعة للخلافة العثمانية في الأستانة بدخول السلطان سليم الأول مصر عام ١٥١٧م ، وقد وضع السلطان العثمانى نظاماً للحكم فى مصر يقوم على توزيع السلطة فيها بين ثلاث هيئات ، ولا تنفرد واحدة منها بالسلطة، فكان الوالي هو نائب السلطان فى مصر ، ومقر الحكم فى القلعة ويعين لمدة ثلاث سنوات فقط، ومهمته تنفيذ أوامر السلطان وإرسال الجزية وقيادة الجيش، كما كان الديوان يتألف من كبار ضباط الجيش العثمانى وكبار الموظفين والعلماء والأعيان ومهمته مساعدة الوالى فى حكم البلاد ، وكان للديوان سلطة الاعتراض على قررات الوالى وطلب عزله، وكان المماليك يقومون بدور الإدارة المحلية ، فقد ترك العثمانيون لهم حكم الأقاليم حتى يستفيدوا من خبراتهم فى شئون البلاد .
وكانت الهيئات الثلاث ( الوالى – الديوان – المماليك ) دائمة النزاع على السلطة وحرم المصريون من الخدمة فى الجيش وفرض نظام العزلة فى البلاد .
وعندما تولى على بك الكبير منصب شيخ البلد ، وهو أعلى المناصب التى يتقلدها المماليك، دعم نفوذه وتحالف مع الشيخ ضاهر العمر فى فلسطين ضد السلطان وقام بطرد الوالى العثمانى فيى١٦٧٩م وأعلن استقلاله بمصر ، واستطاع أن يمد نفوذه إلى بلاد الحجاز ، واليمن وأرسل جيشاً لمؤازرة حاكم فلسطين حليفه ضد السلطان العثمانى بقيادة محمد أبو الذهب، واستطاع السلطان العثمانى أن يستميل جيش أبو الذهب بجانبه والقضاء على سيادة على بك الكبير عام ١٧٧٣م ، وعادت مصر ولاية عثمانية، وعين أبو الذهب والياً عليها، ومات عام ١٧٧٥م ، وساءت أحوال البلاد أكثر بعد سيطرة المماليك الفعلية على الحكم .
وصول محمد علي باشا إلي مصر :
قدم محمد علي باشا إلى مصر في عام ١٧٩٩ ،ضمن فرقة عسكرية عثمانية للعمل على إخراج الفرنسيين من مصر، لكنّ القوات العثمانية انهزمت في موقعة “أبي قير البرية”، ومن ثمّ عاد إلى بلده . قدم مرة أخرى إلى مصر عام ١٨٠١ ضمن جيش القبطان حسين الذي جاء ليساعد الإنجليز على إجلاء الفرنسيين عن مصر، فذاعت شهرته وعلا شأنه عند العثمانيين وبين عامة المصريين .
مذبحة القلعة :
مذبحة القلعة أو مذبحة المماليك، هي حادثة تاريخيَّة وقعت في ولاية مصر العثمانية دبرها محمد علي باشا للتخلص من أعدائه المماليك يوم الجمعة ١ مارس لعام ١٨١١م. حيث جهز حفلًا ضخمًا بمناسبة تولي ابنه أحمد طوسون باشا قيادة الجيش الخارج إلى الحجاز للقضاء على حركة محمد بن عبد الوهاب في نجد، ودعا رجال الدولة وأعيانها وكبار الموظفين العسكريين والمدنيين وزعماء المماليك لشهود هذا الحفل. فلبَّى ٤٧٠ مملوكًا الدعوة، وحضروا إلى القلعة في أزهى الملابس والزينة.
وعند تقليد الأمير طوسون خلعة القيادة، سار الجميع خلف الموكب للاحتفال، واستُدرِجَ المماليك إلى باب العزب، وفتح الجنود عليهم وابل الرصاص، وساد الهرج والمرج، وحاول المماليك الفرار، لكن قُتِل أغلبهم بالرصاص، حتى امتلأ فناء القلعة بالجثث، ومن نجا منهم من الرصاص، ذُبِحَ على أيدي الجنود. ولم ينج منهم سوى مملوك واحد يدعى «أمين بك» تمكن من الهرب إلى الشام. وبعدما ذاع الخبر، انتشرت الفوضى في البلاد لمدة ثلاثة أيام، قُتل خلالها نحو ألف من المماليك ونُهب خمسمائة بيت، ولم يتوقف السلب والنهب إلا بعد أن نزل محمد علي إلى شوارع المدينة، وتمكن من السيطرة على جنوده وأعاد الانضباط.
انقسمت الآراء حول مذبحة القلعة، فمنهم من رأى أنها حادثة غدر قام بها محمد علي، ووصمة عار في تاريخ مصر، وأساءت للمصريين، ومنهم من وصفها بحادثة أدخلت الرعب في قلوب المصريين لعقود. ومنهم من رأى أنها كانت خيرًا لمصر، وخلّصت مصر من شرور المماليك، ومنهم من رأى أن محمد علي كان مضطرًا لذلك للدفاع عن نفسه وحكمه من المماليك الذين كانوا لا ينفكون للسعي إلى السلطة ، ومنهم من رأى فيها بداية لبروز طموحات محمد على باشا لتكوين أمبراطورية خاصة به وأسرته وقد اتجه لاحقا بجيوشه جنوبا في عام ١٨٢٠م للاستيلاء على أراضي السود الواقعة جنوب مصر للحصول على الذهب وريش النعام والعبيد موارد الثروة وقتذاك .
طبقتان في مصر في ظل الحكم العثماني :
بقراءة لتاريخ حقب الدولة العثمانية في مصر ، يجد القارئ أنها نشأت قبل ظهور وبلورة مفاهيم الدولة الحديثة المحمية بالقانون الدولي بمعاهدة وستفاليا ١٦٤٨م، وكان المصريون رعايا للحكم العثماني. وفي ظل الحكم العثماني كانت هنالك طبقتان وهما، طبقة الحاكم وحاشية السلطة العثمانية التي تتشكل من الأستانة عاصمة الخلافة العثمانية، ولم يكن المصري منها وقد كان حاله مثل حال إنسان جنوب مصر في الأراضي التي تسمى بأرض السود والتي قام محمد علي باشا وأبنائه بضمها وحكمها بداية من عام ١٨٢٠م ، والفرق بينهما. انه لطول فترة استمرار الحكم العثماني في مصر والذي بدأ منذ عام ١٥١٧م صارت الحقب العثمانية التي مرت على مصر ضمن التجارب التي ساهمت في صياغة وتشكيل الشخصية المصرية، أما في الأراضي السودانية ، فإن الحقبة العثمانية بدأت في عام ١٨٢٠م وحدث لها فترة إنقطاع باندلاع الثورة المهدية التي طردت العثمانيون عام ١٨٨٥م، وتأسست الدولة المهدية التي استمرت حتى عام ١٨٩٩م وأنتهت بمقتل الخليفة عبد الله التعايشي في أم دبيكرات ، ثم عادت العثمانية مرة أخرى عودة رمزية من خلال الحكم الثنائي بين بريطانيا وملك مصر العثماني التابع رمزيا للحكم في الأستانة . إن إنسان مصر تاريخيا لم يستعمر السودان بل كان هو نفسه قد ظل خاضعا للتجارب الإستعمارية التي مرت على مصر ومنها الحكم العثماني . إن المعرفة بالوقائع التاريخية المذكورة ضرورة، لتصحيح المفاهيم المغلوطة.
الفرق بين النخب الوطنية في مصر والنخب الوطنية في السودان .
النخب الوطنية المتعاقبة في مصر (مدنية أو عسكرية) حافظت على الدولة المصرية، وظلت الخلافات فيما بينها محصورة حول السلطة وإدارة الدولة ،وقد ظلت مصر في كل الحقب الوطنية ،تشهد النمو العمراني وفي البنية التحتية وفي التعليم ،أما النخب الوطنية في السودان (مدنية وعسكرية)، فإن خلافاتها ليست لها سقوفات مرعية، والحرب الدائرة حاليا من نتائج تجليات فشلها الكبير في المحافظة على الدولة .