مقالات الرأي

السودان عند مفترق طرق: بين السلاح والدولة


بقلم: عادل إبراهيم

يقف السودان اليوم على مفترق حاسم في تاريخه السياسي والاجتماعي — تقاطع تلتقي فيه طرق الماضي بالمستقبل، وتتصادم فيه الحرب مع السلام، والدمار مع أمل البناء. لقد أصبح الوطن في قلب عاصفة كبرى، تتنازعه ثلاثة مسارات متباينة، كل منها يرسم مصيرًا مختلفًا:

فإما أن يبقى رهينةً لدورة الحروب والانقلابات والانقسامات التي مزقته لعقود،
أو أن يتخذ خطوة جريئة نحو ميلاد وطن يقوم على الحقوق والكرامة والمواطنة — لا على فوهة البندقية.

رؤية الدولة المدنية: حركة/جيش تحرير السودان

تُطل حركة/جيش تحرير السودان بقيادة الأستاذ عبد الواحد محمد نور كصوت عاقل وواضح في هذا الزمن الملتبس. إنها رؤية وطنية لم تتلوث بالتحالفات العسكرية، ولا انخرطت في حروب الوكالة، بل التزمت منذ انطلاقتها بهدف واضح وشامل: وطن يتسع للجميع.

في صميم هذه الرؤية تقف دعوة شجاعة لإيقاف الحرب فورًا — لا كتدبير مؤقت، بل كخطوة أولى نحو سلام دائم وعادل.
تسعى الحركة إلى بناء جبهة مدنية عريضة، منفتحة لكل السودانيين دون إقصاء أو محاصصة، لا تستند إلى القبلية أو الجهوية، بل إلى مبدأ المواطنة المتساوية.

تؤمن بأن الحوار السوداني يجب أن يكون داخليًا، صادقًا، وعميقًا — يعالج جذور الأزمة الممتدة منذ الحقبة الاستعمارية، لا أن يكتفي بتجميل مظاهرها الخارجية.

وهي تدعو إلى دولة يسودها حكم القانون، لا يعلو فيها أحد على الآخر، تُحترم فيها الحقوق، ويُعامل فيها كل مواطن بعدالة، بصرف النظر عن عرقه أو دينه أو منطقته.

في هذه الرؤية، لا مكان للهيمنة بالقوة، بل للفكرة العادلة والمشروع الوطني الجامع.
فالسودان لا يُبنى بالقوة العسكرية، بل بالوعي، والعدالة، والاحترام المتبادل.

وترى هذه الحركة أن وقف الحرب هو البداية الحقيقية، على أن يُمنح الشعب حقه في اختيار كيفية حكم السودان، بعيدًا عن السلاح والتسلط.
إنها تؤمن بأن السودان لا يمكن أن يُعاد بناؤه من دون أن يُمنح شعبه — كل شعبه — فرصة تقرير مصيرهم، وهو ما لا يزال محرومًا منه جزء كبير من السودانيين حتى اللحظة، حيث لا يستطيعون تحديد مسار حياتهم، لا في الحاضر ولا في المستقبل.

قوات الدعم السريع: خطر السلطة الموازية

تحولت من ميليشيا قبلية إلى قوة عسكرية ضخمة، توسعت خارج أطر القانون والدولة، وأقامت سلطتها على أنقاض مجتمعات متألمة ومنهكة.

تفرض هذه القوة رؤيتها بالسلاح، وتدير مناطق بأكملها كحكومات موازية، مهددة السلم الأهلي، وممزقة النسيج الاجتماعي بانتهاكات فادحة وجرائم جسيمة.

ورغم انفصالها عن الجيش، إلا أنها لا تقدم بديلًا ديمقراطيًا حقيقيًا، بل تسعى لإعادة إنتاج نموذج حكم عسكري بوجه أشد قسوة وأقل شرعية.

وتُعد قوات الدعم السريع اليوم التهديد الأكبر على استقرار السودان والمنطقة بأسرها، إذ أصبحت تضرب بطائرات مسيرة على مسافات بعيدة، مستهدفة البنية التحتية والسكان المدنيين، مما يُعرض أمن البلاد والإقليم كله للخطر.

الجيش السوداني: إعادة إنتاج النظام القديم

يُقاد اليوم من قبل بقايا منظومة الحركة الإسلامية، التي لا تزال متمسكة بحلم السيطرة الكاملة على البلاد، ولو عبر الحروب وسفك الدماء.

يتمسك الجيش بالسلطة المطلقة، ويرفض الانتقال المدني الحقيقي، ويختطف الثورات الشعبية — كما حدث في عام 2019 حينما انقلب على إرادة الجماهير.

إنه يحاول إعادة إنتاج النظام القديم، مستخدمًا مؤسسات الدولة لخدمة أيديولوجيا لا تمثل كل السودانيين، بل تعمل على تكريس الإقصاء.

ولا يخفي الجيش رغبته في استمرار الحرب، حتى لو استمرت لمئة عام، طالما ضمنت له البقاء في قمة السلطة وحرمت الشعب من بناء دولته المدنية.

الحل الواقعي والعادل: مشروع حركة/جيش تحرير السودان

لأنها تؤمن بأن الحل يجب أن ينبع من إرادة الناس أنفسهم، لا أن يُفرض عليهم من فوق، ولا أن يُصاغ خلف الأبواب المغلقة.

لأنها تضع وقف الحرب كأولوية أخلاقية ووطنية قبل أي حوار سياسي أو توزيع للسلطة.

لأنها تقدم مشروع دولة حديثة، تقوم على احترام الحقوق والواجبات، لا على منطق الغلبة.

ولأنها لم تشارك في اقتسام الغنائم، ولم تخض معارك لصالح أطراف أجنبية، بل ظلت على خطها المستقل، المستمد من صوت الشعب.

كما أنها ترى السودان وطنًا موحدًا، لا تُختزله في جهة أو إقليم، وتؤمن أن العدالة لا تتجزأ — فما يصيب دارفور يمس الخرطوم، وجراح النيل الأزرق هي جراح كردفان.

إذا لم نختر طريق الحقوق، وسيادة القانون، والمواطنة المتساوية، فسنظل أسرى لحرب لا تنتهي، وجراح لا تندمل.

إن الطريق إلى وطن
عادل لا يبدأ بالبندقية — بل بفكرة عادلة، وإرادة شعب.

مقالات ذات صلة

1 1 vote
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x