مقالات الرأي

السياسة في المجتمعات الإنتقالية: الجذور والمسببات وراء كراهية السياسة

بقلم: د/ إبراهيم عمر (صاروخ)

*كاتب وباحث في قضايا السلام والتنمية.

وفقًا للدراسة التي أجراها عالم الإدارة العامة والدراسات الاجتماعية البروفيسور فريد رجز، يُوصف المجتمع الانتقالي بأنه المجتمع الذي يعاني من هشاشة المؤسسات العامة، مما يجعل استقراره غير مستدام. كما يتميز بالانتقائية في تطبيق القانون، حيث لا يُطبق القانون بشكل عادل وموحد. تنتشر فيه الفساد والمحسوبية، وتسيطر مراكز القوى ومجموعات المصالح على السلطة والموارد، ويعاني من عدم العدالة في توزيع الخدمات الأساسية.
تعد السياسة جزءًا أساسيًا من حياة الشعوب ووسيلة حيوية لإدارة دفة الحكم. إلا أن واقع السياسة في المجتمعات الانتقالية يظهر صورة مغايرة وغير واقعية لهذا المجال. فعلى الرغم من أن الممارسة السياسية، مثل العمل الحزبي، التصويت، المشاركة المدنية، والاحتجاجات، تمثل تعبيرًا عن الأنشطة والإجراءات التي يقوم بها الأفراد والجماعات في إطار النظام السياسي بهدف التأثير على صنع القرار وتوجيه السياسة العامة في الدولة، إلا أن التعاطي السياسي – أي التعامل مع القضايا والشؤون السياسية العامة مثل القرارات الحكومية، المشاركة في الأنشطة الحزبية، والتفاوض حول المصالح السياسية – يبقى مشوبًا بالغش والتضليل والنفاق. يسعى طلاب السلطة لتحقيق أطماعهم الشخصية والحزبية والطائفية والجهوية والقبلية على حساب المصلحة العامة، مما يهدد استقرار المجتمع وحقوق مواطنيه.
تستغل هذه القوى سلطاتها السيادية مستخدمة جهاز الدولة كأداة للقهر والتنكيل، مما يضمن حماية مصالحهم عبر فرض سلطاتهم بالقوة على الشعوب المغلوبة على أمرها. أدى ذلك إلى تشويش سمعة السياسة عمومًا، بل وجعل من العلوم السياسية كحقل علمي متخصص عرضة للتشويه.
شهدت معظم المجتمعات الانتقالية- مجتمعات الدول النامية- استخدام السياسة كأداة للظلم والاستبداد، مما جعلها مصدرًا للكراهية لدى العديد من الأفراد. نتيجة لهذه الممارسات السلبية والانتهازية، أصبح الشعور بالإحباط وعدم الثقة سائدًا تجاه السياسة والساسة على حد سواء. تطور هذا الشعور إلى مفاهيم خاطئة لدى الشعوب المقهورة، حيث أصبحوا يرون في السياسة مجرد أداة للظلم والاستبداد والقتل والإقصاء. فهم لا يرون في الساسة سوى أشخاص يسعون لتحقيق مصالحهم الذاتية، ويتخذون من السياسة وسيلة للاستغلال والإكراه.
وللخلاص من هذا الوضع اليائس والمقلق، يصبح من الضروري أن تتضافر جهود المفكرين المستنيرين وقادة الرأي وصناع القرار الحريصين على مصلحة أوطانهم للعمل الجاد والمخلص لتوعية مجتمعاتهم، وتوضيح لهم بأن السياسة هو فرع من فروع العلوم الاجتماعية الذي يدرس النظام السياسي وسلوك الأفراد والجماعات وتوزيع السلطة والثروة في المجتمع السياسي. أي إنها علم وفن التي تهتم بدراسة الدولة والسلطة، اللذين لا يمكن من دونهما تحقيق إرادة الشعوب. لذلك، لا يمكن لأي مجتمع أن يحقق إرادته ويؤمن مستقبله بدون سياسة سليمة وفعالة قائمة على المبادئ والقيم العلمية والأخلاقية. يجب إذًا إعادة بناء الثقة في السياسة كمفهوم حيوي وأساسي، يهدف إلى توفير البيئة الآمنة واللازمة لبناء دولة القانون والمواطنة المتساوية.
وعليه، فإن إعادة إحياء سمعة السياسة كعلم وفن مرهون بإيجاد آليات سلمية للتداول السلمي للسلطة، مع التأكيد على ضرورة إرساء دعائم الحكم الرشيد القائمة على سيادة حكم القانون، الشفافية، المحاسبة، الكفاءة، والاستجابة لاحتياجات وتطلعات الشعوب. ولا يتحقق ذلك إلا بتوفير إرادة سياسية صادقة ومواطنين ملتزمين ومؤمنين بالعدالة والمصلحة القومية، بعيدًا عن المصالح الضيقة والاجندات الخاصة.

Email:ibrahimsarokh@gmail.com

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x