الغارقون في ظلمات الحكم
محمود ناني جاد الله
عندما كانت ثورة ديسمبر بحاجة لمزيد من الحماية و الكثير من الدفع إلي الأمام ، ظهر من ليس لهم أخلاق أو أدنى علاقة بالروح النضالية حيث عملوا على تغييب الوعي الجمعي بثقافة التفاوض أو ما يسمونه بالتطبيع مع أذيال النظام الذي اختفى صورياً عن الساحة السياسيه ؛ و هم من عبدة السلطان و تابعي الأقوى عسكرياً لإختصار الطريق بغية وصولهم إلي ملذات الحكم و التمتع بما شاء لهم الله من أموال من تبقى من الشعب السوداني العظيم ، وأصبحوا عقبة أمام طريق النجاح ، وبالرغم من ذلك كانت لهم الفرصة للانضمام إلى الصف الثوري ، ليرسموا خارطة طريق وطن لم يتحقق بعد ، ولن يتحقق بوجود هذا الشر المطلق (العسكر و من بايعهم) ، فليس كل من إعتاد فعل الشر هو مستعد لفعل الخير ، فالإنسان السوي هو من يفعل الخير و لو شَقِيّ به.
بشكل أو بآخر وصل العكسر إلى تثبيت أقدامهم في السلطة و غرقوا في ظلمات الحكم من بطش وتنكيل و ترهيب وقتل في الطرقات تحت رآية بسط الأمن و الحفاظ على الفترة الإنتقالية ، ونسوا أن هذا الشعب هو صاحب القرار والصبر والمثابرة و الإصرار على النجاح وبناء وطن كامل الأركان ، وعندما قال الصديق الشهيد عبد السلام كشه: ( إسقاط النظام دا بشمل الجيش ، بشمل جهاز الأمن ، بشمل الشرطة ، بشمل المؤسسات المدنية ، الخدمة العامة المدنية ، بشمل كافة مؤسسات الدوله ؛ فدي الكنا عايزين نصل ليها ، إسقاط النظام ككل وليس كجزء) ، لأنه كان يدرك أن هؤلاء المرتزقه بشكل أو بآخر هم داخل كل دولاب الدولة لتسيير منظومتهم الإرهابية القاتلة و التخطيط للبقاء في سدة الحكم بأي شكل من الأشكال و لأطول فترة زمنية ، و قد كان ؛ فأتوا بصفوفهم و عضويتهم المخفية داخل حركات ما تسمى بالكفاح المسلح والتنظيمات المدنية ليكملوا ما بدأوه منذ بداية تشكيل الأزمة مع الإخوان المسلمون و الإرهابيون بالسودان والإنقاذ بثوبها الجديد.
ولكن هذا لن يطول عزيزي القارئ لأن هذا الجيل عصيى علي التطويع ولا ينحنى أو يجامل بمباديء وأهداف ثورته وشعبه في التغيير والحرية والكرامة، فهو جيل غاضب بلا حدود وحتماً سوف ينتصر ، وأن هذا الشعب لن ينكسر فكان وما زال معلماً للشعوب و مُلهماً للأجيال ، فآخر جيل سُمي بـ (الجيل الراكب رأس) أي هو يفعلها بطريقته المبتكرة في إثبات الصمود و التحدي و الصعود للأعلى و المستقبل ، ليدفع كل من تسول له نفسه التلاعب بمصير هذا الأمة نحو الهاوية.
من آمن بتحرير وطنه من مجموعة من (المليشيا) ليس عليه الخوف ، فهو حتماً لن يخاف بمجرد رفضه للذل والهوان وبإدراكه أن الشهادة لا تحتاج لتأشيرة عبور للحياة الأخرى !.
إن هذا الجيل قد فدي ثورته بروحه و مهر وطنه بدمائه ، في سبيل أن ينعم شعبه بدولة المواطنة المتساوية.
إن الخلاص الوحيد هو أن يجتمع كافة أبناء هذا الشعب و التفاكر دون إقصاء لأحد سوي النظام البائد وواجهاته، ودون إملاءات أو تمييز في كيفية صياغة دستور يحمي مؤسسات الدولة والمواطن ، ويكون الدستور درع حماية قوي يقي من أي إنقلاب قادم ، و المضي قُدماً في تنفيذ العدالة الإنتقالية لترسيخ قيم العدل والمساواة وعدم الوقوع في أخطاء الماضي ومن ثم المصالحة الوطنية الشاملة.
وأخيراً ؛ يمكن لهؤلاء الإنقلابيون ومن تبعهم أن يصمدوا اليوم و غداً و ربما لسنة قادمة ، ولكن يطول حكمهم ، لأنهم ضلوا الطريق وغرقوا في ظلمات الحكم ، فالظلم ليلته قصيرة ولو جَمَّلها القمر!.
23 فبراير 2022م