بناء السلام المجتمعي
بقلم: مجيب الرحمن الزبير
كانت وما تزال عملية بناء السلام المجتمعي ذات أهمية قصوى في أوساط المجتمعات التي تضطلع بدور الريادة والعيش الكريم لمجتمعاتهم والناي بها من حروب التعصب الديني أو العرقي أو الثقافي والتي خلفت الموت والفقر والتخلف واللحاق بها إلى رحاب السلام والتنمية والإزدهار.
بالنظر لحال السودان الآن وما آلت إليه الأوضاع في مختلف مجالات الحياة لا سيما السياسية نجد اننا بحاجة ملحة للعمل معا نحن أبناء وبنات الشعب السوداني إلى نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر وبناء السلام المجتمعي الشامل الذي يخاطب جذور الأزمة الوطنية منذ العام 1956 م حتى لحظة كتابة هذا المقال مع التركيز على ضحايا الحروب من النازحين واللاجئين ومناطق الكوارث الطبيعية والمناطق التي تأثرت بالحروب وتعويض المتضررين فضلاً عن إعادتهم و دمجهم في مجتمعاتهم المحلية، وتقديم من ارتكبوا الجرائم في حقهم لمحاكمات عادلة وشفافة.
إذن ما هو مبدأ التسامح وقبول الآخر؟
التسامح في اللغة العربية غني المعاني وهو مشتق من الفعل (سمح) ، ويقال فلان سمح اي جواد سخي ، والسماح َوالمسامحة اي الجود والعطاء عن كرم وليس عن تنازل أو منة ومنها قول المسامح كريم. وسمح بماله على الفقراء اي جاد به وانفق. وعود سمح اي مستو لين لا عقد فيه.
ولقد حدد إعلان مبادئ التسامح الصادر عن اليونسكو عام1995م بأن التسامح هو ممارسة عملية تجعل السلام ممكنا بين الشعوب المختلف دينياً أو ثقافياً أو عرقياً وهو مبدأ للتعايش ولإحترام الآخر المختلف وقبوله كما هو وليس كما ينبغي أن يكون سواء كان ذلك الآخر صديقاً أو خصيماً أو غير ذلك في مائدة أو ملتقى الآراء والأفكار والمبادئ مما يخلق العقد الإجتماعي بين مكونات المجتمع الواحد ، وهنا تبرز الوحدة والوفاق المرتبط إرتباطاً وثيقاً بالسلام بين الشعوب ، فالتسامح ليس مجرد كلام معسول تغلف به نقاط الإختلاف الناتجة عن الآراء أو المعتقدات أو المبادئ وإنما هو ممارسة عملية لهذه الإختلافات في إطار تعاقدي ، تتبادل فيه الحجة بالحجة دون عنف أو قهر أو فرض أو هيمنة وعندئذٍ تُولد الدولة المدنية الديمقراطية ويعبد الطريق لها ، فالعملية الديمقراطية ” تتغذى من صراع الأفكار و تندثر بصراع الأجسام” حسب الفيلسوف الفرنسي ادجارموران .
والديمقراطية لها ركائز ومباديء لا يمكن أن تسود إلا ببسطها وهي:
1/ مبدأ التسامح وهنا يلزم الدولة ويجب أن تضمن على أرضها إقامة الملتقيات والمؤتمرات للتعبير عن الآراء السياسية أو الفلسفية أو العقائدية التي تخاطب أسس وجذور المشكلات الوطنية بغية الوصول إلى إتفاق نهائي.
2/ الفصل التام بين السلطات الثلاث وهي السلطة التشريعية المنوط بها إصدار وبلورة القوانين والتشريعات ومحاسبة السلطة التنفيذية التي هي الأخرى تقوم بدور تنفيذ الخطط والبرامج وتحويلها إلى واقع ملموس ، وأما السلطة القضائية فهي المنوطة بعقاب من ينتهكون هذه القوانين ، ومبدأ الفصل بين السلطات هو الذي يأذن لميلاد دولة الحق والقانون القائم على أساس الحقوق والواجبات والمواطنة المتساوية والتي تختلف شكلاً وموضوعاً عن الدولة السابقة ، لأنها كانت تقوم على القوة والبطش والإستبداد.
3/ مبدأ العدالة والديمقراطية الحقة هي من تُنشىء الحق والمساواة في الحقوق والواجبات بين الشعوب.
نسبة لما ذُكر أعلاه فإن المجتمعات المتحضرة جعلت من مبدأ التسامح وقبول الآخر مركباً للنجاة بمجتمعاتهم من أتون حروب التعصب الديني أو العرقي أو الثقافي ، إلى التنمية والرقي والرفاهية ، ولعل رسالة الفيلسوف الإنجليزي جون لوك في التسامح والذي دعا فيها للقضاء على التفكير الآحادي المطلق وروح التعصب الديني أو العرقي أو الثقافي والفصل بين دور الكنيسة ودور الدولة ، وهي قد ساهمت بالقدر الأكبر في تأصيل التسامح الديني. فإذا كان التسامح يعرف بضده فإن التعصب هو عصب الفكرة الشمولية الآحادية ، والتعصب في اللغة هو عدم قبول الحق فعند ظهور الدليل بناءًا على الميل إلى جهة أو فكر أو مذهب وهو من العصبية ، وهو إرتباط الشخص بفكر أو جماعة والجد في نصرتها ، ولا يعترف بوجود كل ما هو آخر أصلاً. وهنا تكمن جل مشكلات السودان.
وعليه فإن التسامح وقبول الآخر هو خارطة الطريق لبناء السلام المجتمعي الشامل والمستدام الذي يحقق والأمن والإستقرار والرفاهية والعيش الكريم لأبناء وبنات السودان المتباينين في ثقافاتهم ومعتقداتهم وأعراقهم، وكان لابد من الأخذ بمبادرة حركة/ جيش تحرير السودان بقيادة الرفيق الأستاذ عبد الواحد محمد النور ، والتي تدعو إلي حوار سوداني سوداني شامل لايستثني أحداً إلا نظام المؤتمر الوطني وواجهاته.