مقالات الرأي

تأثير الإعلام ودوره في ورشة نقابة الصحفيين السودانيين بالقاهرة (٢)


بقلم: الصادق علي حسن

لباس حَكٌَامة والفراغ العريض:

عبرت حَكٌَامة من الضعين عن موقفها تجاه القتال والحرب الدائرة بمفاهيمها المحلية الخاصة القائمة على القبيلة وحثت جنود قوات الدعم السريع بأسلوبها الخاص لتدفع بهم إلى معارك مدينة الفاشر وفي ظل هذه الحرب العبثية المدمرة والفراغ العريض وغياب الدور الواعي للإعلام والصحافة وانقسام المجتمع والدولة إلى محاور ومجموعات وكيانات وعلى رأس أزمات البلاد تراكمات الخلافات الحادة على السلطة، شغلت هذه الحَكٌامة مساحات الفراغ العريض بلباسها وصار لباس هذه الحَكٌامة أداة من أدوات الحرب ولإعلام طرفيها وكتائبهما الإعلامية مادة من موادها ويتابع المساجلات من على الوسائط قطاعات عريضة من الرأي العام مما يكشف حجم الخواء السائد الآن ، لقد أتخذ إعلام كتيبة الجيش والقوات المشتركة من لباس الحَكٌامة مادة مدعاة للسخرية وإزدراء مجتمعات خصوم الحرب من منسوبي قبيلة الرزيقات وقبائل البقارة المتحالفة معها الأخرى بالمقابل أتخذ إعلام المجموعات المناصرة للدعم السريع من الواقعة والجدل المثار منصات للردود الحادة والتعريض بالجيش وحلفاه من القوات المشتركة وتأكيد مواصلة الحرب واقتحام مدينة الفاشر وانهاء دولة ٥٦، الجمهور السوداني المغلوب على أمره في داخل البلاد وخارجها يراقب تطورت حرب الوسائط وتأثيرات لباس الحَكُامة على مجريات الحرب وقد شاعت الكتابات المتهكمة والساخرة والمبررة ، ويطالع الجالسون على رصيف المراقبة كتابات أنصار هولاء وأولئك والردود في خضم معركة خطاب الكراهية المحتدمة ولم يبرز أي دور لوسائل الإعلام المستقل لوضع الأمور في نصابها الصحيح، لقد كان يمكن لنقابة الصحفيين السودانيين أو لراديو دبنقا الذي يحظى بنسبة سماع عالية خاصة في دارفور والمناطق المتأثرة بالحرب مثلا أن تلتقظ القفاز وتبادر بممارسة التوعية لانتشال الرأي العام من هذه الملهاة ، فالحَكامة إذا قصدت باللباس ملبسها الداخلي أم قصدت به الحلي فهي تعبر عن ثقافات مجتمعية محلية في بلاد تعج بالتنوع والتعدد ، إن إتخاذ وأقعة اللباس مادة لمعارك كلامية نتائجها المزيد من التشظي وأحداث الشروخ الغائرة في المجتمع الذي يعاني من مضار الحمية والمنازعات القبلية، لو كان للإعلام المستقل دوره الإيجابي المؤثر في تشكيل الرأي العام ومناهض خطاب الحرب بصورة مسؤولة لاتخذ من الجدل حول لباس الحَكٌامة مادة لتعلية المعرفة بالثقافات المحلية للمجتمعات المتعددة بالسودان المفيدة منها والضارة وكيفية توظيفها بصورة تخدم قضايا وقف الحرب بوسائل فاعلة بدلا من تأجيجها، ولو ظهر دور الإعلام الموثر لأظهرت وأقعة الحكٌامة مدى اغفال الدولة للخطط والبرامج والأهداف للترقية والتثقيف في المجتمعات المحلية بالبوادي والأرياف، ولكن إين دور الإعلام المستقل الذي ينزوي في ظل الحرب وينطوي ؟.

المحرقة والفرز الإجتماعي:

الحرب العبثية الدائرة الآن يمور تحتها صراع نخب القبائل على النفوذ السياسي ويديرها البرهان وأعوانه بعقلية الاستحواذ على السلطة ذلك العقل البالي القديم المترهل ، لم يستفد البرهان وأعوانه من دروس انفصال جنوب السودان ولا تكاثر الحركات المسلحة الصديقة والحليفة و المناوئة ولا من تجربته الشخصية في دارفور ووقتذاك كان شابا يتدرج في الرتب الصغرى بالقوات المسلحة وقد أرتبط إسمه في وسط دارفور بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والآن وهو في عقده السادس ويخطو نحو عقده السابع من العمر ويتولى منصب القائد العام للجيش ومهام المنصب السيادي الأول في الدولة لا يلتفت برهة ليرى ماذا حدث لسلفه عمر البشير الذي ظل في السلطة لثلاثين عاما ليرعوي ، لقد كان البرهان نفسه من أدوات البشير القمعية تجاه مطالب الحقوق المشروعة والعادلة مثل حليفه السابق وغريمه الحالي حميدتي، ولم تشفع للبشير الفترة التي قضاها في السلطة والآن ذليلا طريدا مطلوبا لمحكمة الجنايات الدولية يتحرك خفية وخلسة كأن لم يكن هو ذلك الحاكم المهيمن على السلطة في الدولة والآمر والناهي الذي تحدى العالم وهو يعرض بالعصا وسط الطبول و الأهازيج ويقول (المحكمة الجنائية الدولية تحت جزمتي).

الإعلام السوداني واستعادة الدولة السودانية:

الاستفادة من الدروس المكررة يقلل من الجهد المبذول للوصول إلى الغاية والأهداف وما أكثر الدروس وأقل العبر، إن دولة السودان قد تكون هي الدولة الوحيدة التي تأسست على قواعد تأسيسية مبنية على انتخابات ديمقراطية مراقبة دوليا للتقرير بشأن مصيرها، وقد كفلت قواعد التأسيس الخمس المجازة في عام ١٩٥٥م للدولة السودانية النشأة بأسس ديمقراطية وتشكيل حكومة منتخبة ديمقراطيا ونظام حكم فيدرالي وإنتخاب جمعية تأسيسية من كل إقاليم السودان لإقرار الدستور الدائم، وبعدما يقرب من سبعة عقود من استقلال البلاد هنالك من لا يزال يبحث عن مؤتمر دستوري أو مائدة مستديرة لكيفية إقرار دستور دائم للبلاد ، كما وحينما تأسست الدولة السودانية على الديمقراطية في عام ١٩٥٦م لم تكن المرأة البيضاء في الولايات المتحدة الأمريكية تملك حق التصويت الإنتخابي في الإنتخابات العامة كما ولا يزال المتحدرون من أفريقيا بها يرزحون تحت وطأة العبودية، إن الدولة السودانية هي الدولة التي لم تتأثر كثيرا بترسيم الاستعمار في أفريقيا وقد ضم المستعمر العثماني في حملاته التوسعية فالحكم الثنائي الإنجليزي المصري بعد ذلك أراضي وسلطانات وأنظمة كانت قائمة وأسس منها دولة مترامية الأطراف شاسعة المساحة متعددة ومتنوعة بالسكان، وقد تكون الدولة السودانية هي الوحيدة التي لم تستفد نخبها من أفضل مشروع لتأسيس دولة ديمقراطية حديثة ، ظلت النخب ترتكب الأخطاء المتراكمة حتى وصلت أخطاء نظام البشير لتأسيس جيش مواز لجيش الدولة بقيادة أسرة وقد تأسس الجيش الأسري بقانون وبمفاهيم النخب لاستغلال القبيلة كأداة من أدوات قمع المطالب وحفظ السلطة المستلبة ،لقد تغيرت الموازين والمراكز وقد صار الجيش الأسري والعشائري يجمع تحالفات متعددة مثل تحالف الجيش وانتصر عليه في غالبية المعارك الميدانية ،كما وصارت مجموعات من الحركات المتمردة بالأمس حليفة اليوم لذات النظام وتقاتل كأداة بديلة .
تناقصت جغرافية الدولة السودانية بانفصال جنوب السوادن وخطت في اتجاه مرحلة الحرب الأهلية التي ستمدت لسنوات طويلة ولا يزال دور الإعلام غائبا.
إن الأجدر بالإعلام المستقل وعلى رأسه نقابة الصحفيين السودانيين إيجاد الأطر لبلورة التوجهات العامة نحو متطلبات تعزيز جهود وقف الحرب، وقد تحولت الأطراف المتصارعة على السلطة إلى تحالفات تستخدم رمزية القبيلة كما ولم تعد هنالك أجهزة تعبر عن دولة واحدة ، حميدتي وجيشه الخاص وغالبية المتحالفين معه يمثلون جبهة حربية كبرى تحوز على أراضي شاسعة وقد حل مكانه في مركز السلطة والقرار جبهة أخرى بقيادة عقار وجبريل ومناوي ورصاص ويحيى وآخرين وتوسعت ظاهرة ونطاق الاستقطاب، والقضايا نفس القضايا والشعارات المرفوعة هي نفس الشعارات وفي محطات الإنتظار قبائل ومجموعات مسلحة أخرى ترتكز على بنادق منسوبيها لتشارك برمزية القبيلة في السلطة بمقدار جهودها القتالية المبذولة والمساهمة في الحرب.
توضيح:
هنالك تعليقات من بعض منسوبي اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء بأن نقابة الصحفيين السودانيين لم تكن وحدها التي نظمت إنتخابات ديمقراطية فأيضا هنالك نقابة الأطباء السودانيين وهذا صحيح.
في المقال القادم سأتناول كيف أدى غياب دور الإعلام السوداني المستقل إلى تمرير تحويل مفاوضات وقف الحرب بجنيف إلى تقنين استمرارها بقواعد مدونة تضبط سلوك المتحاربين كما وسأعود أيضا إلى الصحفيين الذين تمسكوا بصحة رؤية زميلتهم سلافة أبو ضفيرة وأعابوا علي القول بأن من حق الصحفي عثمان ميرغني المشاركة في أنشطة نقابة الصحفيين والزعم بان نقابة الصحفيين السودانيين هي نقابة صحفيي الثورة .

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x