تحديات حركة تحرير السودان في بناء جسور التواصل المجتمعي

بقلم: د.عبد المنعم همت
تعد حركة تحرير السودان بقيادة الاستاذ عبد الواحد من الحركات التي تحظى باهتمام واسع في المشهد السياسي السوداني، لاسيما في ظل التحديات الراهنة التي يشهدها البلاد بعد تفشي الأزمات السياسية والاجتماعية. ورغم توقيع الحركة على اتفاقيات مع عدد من الأحزاب السياسية، فإن تأثير هذه الأحزاب على الحراك السوداني يبقى ضعيفًا من الناحيتين الموضوعية والذاتية. لا شك أن هذه الاتفاقيات تعتبر خطوة نحو توحيد الصفوف وتوسيع قاعدة التحالفات، لكن من غير المرجح أن تؤدي إلى تغييرات جذرية ما لم تُبنى على أسس واقعية وقوية تحاكي هموم الجماهير وتلامس احتياجاتهم اليومية.
إن ضعف تأثير الأحزاب السياسية على الحراك السوداني يعود إلى عدة أسباب موضوعية وذاتية. على المستوى الموضوعي، تعيش الأحزاب السودانية في حالة من التشرذم والتباين الأيديولوجي، مما يجعل من الصعب أن تكون هذه الأحزاب قوة فاعلة في إحداث التحول السياسي الجذري. كما أن الكثير من هذه الأحزاب لا تمتلك القدرة على التأثير الفعلي في الشارع السوداني، حيث أصبح الشارع يعاني من حالة من عدم الثقة في الأحزاب السياسية التقليدية التي تراجعت شعبيتها في السنوات الأخيرة.
أما من الناحية الذاتية، فإن معظم الأحزاب لا تمتلك رؤية واضحة أو خطة استراتيجية تتناسب مع تطلعات الشعب السوداني، مما يؤدي إلى انفصال شبه كامل بين الخطاب الحزبي والواقع المعيشي للجماهير. هذا يؤدي إلى ضعف الحركية السياسية والفشل في جذب قطاعات كبيرة من الشعب السوداني للعمل السياسي الفاعل.
من الضروري أن تتبنى حركة تحرير السودان برنامجًا جماهيريًا يعمل على استقطاب أوسع قطاعات الشعب السوداني، بعيدًا عن الأطر الحزبية التقليدية. إن هذا البرنامج يجب أن يكون قائمًا على تحليل عميق للواقع السوداني المعقد، بما في ذلك الوضع الاقتصادي المتردي، وتحديات الأمن، والتهديدات التي تواجه الوحدة الوطنية. لا يمكن لحركة تحرير السودان أن تحقق نجاحًا طويل الأمد ما لم تكن قادرة على الانخراط مع الجماهير بشكل مباشر وتقديم حلول عملية لمشاكلهم اليومية.
إن التحول الحقيقي لا يأتي من خلال الاتفاقيات الشكلية مع الأحزاب السياسية، بل من خلال بناء حركة جماهيرية واسعة تعمل على تفعيل الدور السياسي للشعب السوداني في إطار من التعاون والتكامل مع القوى المدنية الأخرى. هذا البناء يجب أن يكون على أسس من الشفافية والمشاركة المجتمعية الحقيقية، بحيث تكون الحركة قادرة على حشد التأييد الشعبي وتحقيق التأثير المباشر في مواقف وسياسات الدولة. وعلى الرغم من أن الحركة قد نجحت في توجيه الأنظار إليها في بعض المراحل، إلا أن الطريق لتحقيق أهدافها الطويلة المدى يتطلب عملًا دؤوبًا لبناء تكتلات واسعة تقوم على أسس من التضامن الشعبي الواسع.
يشهد المجتمع المدني السوداني تحديات كبيرة في ظل الظروف الراهنة، خاصة فيما يتعلق بدوره في الحراك السياسي والاجتماعي. فالحركة في الوقت الحالي مصابة بحالة من الجمود في اختراق المجتمع المدني، ولا تمتلك رؤية استراتيجية لتمكين هذا القطاع الحيوي من لعب دوره الكامل في عملية التغيير. لذلك، من الأهمية بمكان أن تعمل الحركة على تفعيل دور المجتمع المدني من خلال إشراك المواطنين في قضاياهم الأساسية، والعمل على بناء شبكة من المؤسسات والمبادرات المجتمعية التي يمكنها أن تساهم في تحقيق التغيير على الأرض.
من الجوانب الأكثر أهمية التي يجب أن تركز عليها حركة تحرير السودان هي الفئات التي لم تحظى باهتمام كافٍ في السابق، ألا وهي الشباب والنساء. تعتبر هذه الفئات من الركائز الأساسية لأي حركة تحررية في العالم، إذ لا يمكن أن تكتمل عملية التحول الاجتماعي والسياسي دون إشراك حقيقي وفعّال لهذه الفئات. من الأهمية بمكان أن يتم العمل على بناء أجسام حركية خاصة بالشباب والنساء تتجاوز الأطر التنظيمية التقليدية، بحيث تكون هذه الأجسام قادرة على التأثير في الرأي العام وتحقيق أهداف الحركة على مختلف الأصعدة.
من المهم أن تدرك حركة تحرير السودان أن المستقبل لا يتوقف عند الأطر التنظيمية التقليدية للأحزاب السياسية، بل يجب أن يتم تجاوز هذه الأطر والعمل على بناء حركة متجددة تواكب متطلبات العصر. لا يمكن لأي حركة تحررية أن تنجح في ظل تقييد نفسها بالأطر التقليدية التي عفا عليها الزمن. لابد أن تكون الحركة أكثر مرونة، قادرة على التجديد والتفاعل مع مختلف شرائح المجتمع السوداني دون الالتزام بأيديولوجيات أو هياكل حزبية جامدة.
إن حركة تحرير السودان بحاجة إلى خطوات عملية وجادة لبناء حركة جماهيرية حقيقية، تقوم على أساس من التفاعل المباشر مع الجماهير وتحقيق تطلعاتهم. بناء هذه الحركة يتطلب التحرك بعيدًا عن الحسابات السياسية التقليدية والتحالفات الشكلية، والتركيز على بناء جسور حقيقية من التعاون مع المجتمع المدني والشباب والنساء. إن الطريق إلى التغيير في السودان لا يأتي إلا من خلال عمل دؤوب ومؤسسي يشمل جميع شرائح المجتمع ويسعى إلى تجاوز الصعوبات الحالية لبناء مستقبل أفضل.