تعــزيز المــرأة إقتصــاديــاً ودوره في التنميــة الإجتماعية
بقلم : سلمي سليمان
المجتمعات ذات البنية الإجتماعية الهشة تنشق إلى نصفين، نصفها الأول مهمش والنصف الآخر متمكِن، لكي نتحول من مجتمعات مُفتتة البنية إلى مجتمعات مُتماسكة النسيج علينا اولاً أن نُرسي مبدأ دولة المواطنة المتساوية في الحقوق والحريات والذي يضمن لكل فرد من أفراد المجتمع السوداني حقه كاملاً دون تحييُز أو تمييز على أساس عرقي، ديني، أثني، ثقافي، جغرافي أو جنسي.
لنبني مجتمعات متعافيه يرتقي فيه قيم العدالة الإجتماعية ويسمو فيه الحقوق الإنسانية النبيلة لابد من التساوي في تقاسم السلطة ، الثروة، الموارد، الإمتيازات في فرص العمل، الحقوق، الحريات، التعليم والرعاية الصحية للعيش في حياة كريمة، ويسعي لتحقيق العدالة التوزيعية بين كل مكونات الشعب السوداني.
التنمية الإجتماعية مرهون بتعزيز دور المرأة إقتصادياً في كل الأصعدة وأن تنال حقوقها المستحقة كاملاً ، وبالمقابل أن تساهم هي نفسها فى التنمية الإجتماعية ورفع عجلة الإنتاج بكافة الأليات والوسائل المتاحة سواء كان عبر أفراد، مؤسسات، منظمات ، جمعيات….. الخ.
فتح فرص واسعة للنساء لريادة الأعمال الإقتصادية لتحسين الوضع المعيشي وسط الأسرة وبدوره يساهم في رتق النسيج الأُسري وتوفر بيئة أسرية ينعم فيه روح المشاركة والمساهمة في تغطية الإحتياجات الأساسية وبالتالي يدعم رفاهية الأسرة البسيطة والمجتمع المركب.
أيضاً فتح باب فرص للحرفيات والعاملات في مجال الصناعات اليدوية ( الجلود _ الأكسسوارات _ الفلكلور _ الخزف ) والصناعات التحويلية البسيطة بأنواعها ( مركزات العصائر _ تجفيف الخضروات والفواكه _ المربات _ المخبوزات _ التعليب ) وصناعة الصابون والحياكة.
طبعاً من المُجحف في حق المرأة أن نجعل منها عاملة في مجالات صغيرة محدودة الدخل لايحل المشكلة الإقتصادية بشكل نهائي ولاكن على الأقل يعالجها جزئياً ، فالوضع الراهن والواقع يتطلب حلول إسعافية عاجلة لحل المشكلات الإقتصادية المتعلقة بالمرأة والسعي الجاد في إيجاد حلول جذرية حتي تصبح المرأة السودانية مستقلة مادياً ( إقتصادياً ) وتدعم نفسها وتستقل من القيود الإجتماعية التي تنظر لها أنها مستهلكة غير منتجة. ولاكن أيضاً الواقع السوداني والنمط الإجتماعي المشوه أبعد المرأة بشكل أو بآخر من ساحة الإنتاج بحجج واهية جداً ، مثلاً : نظرة المجتمع لها كمربية دورها الطبيعي القيام بالواجبات المنزلية من تنشئة وتربية وحضانة الأبناء. كذلك إهمال تعليم الفتيات يؤثر في منافستها مع الرجل في فرص العمل وفي كل المؤسسات الخدمية والاستثمارية.
أغلب الوظائف قائمة على أساس التمييز بحجة البنية الجسمانية للمرأة وعدم مقدرتها على تحمل ضغوط العمل وأحياناً كثيرة توضع الشروط واضحة ( وظائف خاصة بالرجال فقط ) وهذا قمة السخف والأستهذاء بمقدرات المرأة، اليوم تجد المرأة عاملة في المصانع والشركات الانتاجية بشكل متساوي مع الرجل إذاً لماذا لاينظر لها هنا كعمل شاق؟ ودائماً تكون ممثلة تمثيلاً زائداً في أنواع العمالة غير الرسمية وغير الآمنة، مع العلم أن الأجور غير متساوية والمهمة الوظيفية واحدة هذا أمر يحتاج الوقوف فيه كثيراً !
المرأة الريفية تواجه جملة من التحديات الإقتصادية نسبة للوضعية المعيشية الضنكة في الأرياف والمناطق النائية، لذلك لابد من أن تكون في قلب الجهود المبذولة لتحقيق التنمية المستدامة والسعي وراء تقليل الأعباء غير مدفوعة الأجر التي تقوم بها. لذلك توفير خدمات صحية وتعليمية لنساء الأرياف أمر مهم جداً . وعندما تكون المرأة الريفية قادرة علي الوصول إلى الموارد والخدمات والفرص، تصبح مساهمة في مكافحة الفقر والجوع وسوء التغذية في مجتمعاتها، ويتمظهر نتائج ذلك فى التقدم الإجتماعي والإقتصادي والتنمية المستدامة بشكل عام.
وتُشير أحدث البيانات أن 66%من النساء علي مستوي العالم ينتجنّ 50% من الموارد الغذائية، حيث يحصلنّ علي 10% فقط من الدخل ويمتلكن 1% فقط من الممتلكات وعلي الرغم من التقدم في قضية تمكين المرأة في السنوات الأخيرة، وتُمثل النساء والفتيات ثُلثى الأُميين فى العالم ، ومعدل 6 من أصل الـ 10 الأفقر علي مستوي العالم.
هنالك أهداف إنمائية وضعتها الأمم المتحدة للحد من الفقر وتوفير الصحة والتعليم، ووضعت مؤشرات لتحقيق تلك الأهداف، من ضمن الأهداف الإهتمام بتعليم الفتيات، زيادة أجور النساء فى القطاع الزراعي، تعزيز دور المرأة فى مجالس إدارة الشركات، الحصول علي حقوق ملكية الأراضي والممتلكات والموارد الطبيعية وتخفيض معدل وفيات الأمهات.
أما النساء النازحات المتضررات من الحروب هنّ أكثر حوجة ووقع عليهن تهميش مركب يتطلب خطط واستراتيجيات تحمل فى طياتها حلول عميقة وجذرية، المرأة النازحة تعيش فى مخيمات ومجتمعات مُضيفة لذلك إشراكها في العمليات السياسية والاقتصادية مُهمش جداً . المعسكر هو بيئة جديدة للمرأة النازحة يسود فيه جمله من الإشكاليات النفسية، الإجتماعيه، الأقتصادية، ثقافية وقانونية نتاج تجربة الحرب المؤلمة التي تعرضت لها.
فهذه الإفرازات تعيق إستقرارها وإحساسها بالأمان والرؤية المستقبلية لهنّ غير واضح. وهذا الوضع يتطلب تدخلات حكومية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الانسانية وكل الجهات والهيئات التي تدعم المرأة بكل السياقات لوضع برامج تمكين النازحات وتعزيز أدوارهن، والقيام بإسهامات واضحة فى الدعم النفسي وتوفير بيئة آمنة لها وحماية حقوقها بحساسية شديدة، وتصميم مشاريع إقتصادية ملائمة مع وضعهن في المعسكرات.
لدية تجربة بسيطة مع نساء إحدى معسكرات شمال دارفور، هنالك منظمة قامت بتمليك مشاريع إقتصادية للنازحات متمثلة في تسمين الماعز، من الملاحظ أن المشروع نجح نجاحاً باهراً وهذا يرجع إلى أن تلك النازحات لديهُن مقدرات جبارة في إدارة المشاريع الإقتصادية ولقي المشروع إنسجام كبير بين المجتمع (النازحات) والمنفذين، وظهر إبداعهن في المشروع بشكل جميل حيث أن إحدى المشاركات في المشروع قالت أنها إستفادت بشكل كبير وأضافت أنها تعمل علي تسمين الماعز وتستفيد من الحليب الناتج في تغذية أطفالها مع العلم أن أحدهم مصاب بسوء التغذية وتعافى منها، وماتبقي تعرضه للسوق في شكل منتجات مصنعه (روب زباديجبنة ) ،فالمشروع منسجم تماماً معهُن وإحساسهن بالملكية والمشاركة حفز الأخريات من المعسكر لريادة المشروع وخوض التجربة، وحقيقةً المشروع عالج مشكلات اقتصادية واجتماعية ملموسة وسط النازحات وهذا النموذج يحتذي بة وأتمني أن توجه كل الجهود فى خلق مشاريع بهذه الشاكلة وأفضل من، ذلك.
لذلك كان لازاماً تطوير التشريعات المتعلقة بالعدالة الإجتماعية والإندماج المجتمعي لتحفيز العمل المجتمعي التنموي الذي يخلص من الفجوات النوعية والاجتماعية.
ولكي تنهض المرأة السودانية إقتصادياً لابد من تعزيز أهلية المرأة فى التجارة ووضع قوانين يضمن الحق المتساوى فى الأجور علي السواء مع الرجل، بالأضافة لعمل دورات تدريبية حول تعزيز إقتصاد المرأة والتوعية بمقدراتها علي ممارسة كافة الأنشطة الأقتصادية والتجارية، وإحتوائها فى المشاريع الكبيرة ذات العائد، الإقتصادي الكبير ليزيد حصتها ويرتفع دخلها، وأن يوفر للمرأة والمرأة الريفية الإحتياجات التعليمية والصحية وتمليكها الأصول والخدمات المالية حتي تخرج من النفق، المظلم هذا إلى بر الأمان.
salmasuliman205@slma