تفكيك خطاب الكراهية: أزمة الكنابي والموت المجاني (2)

بقلم: نصر الدين دهب
كنتُ أعتزم الكتابة عن قضية الكنابو في سلسلة “تفكيك خطاب الكراهية” بعد ثلاثة أو أربعة أسابيع، لكن الأحداث المتلاحقة في ولاية الجزيرة عجّلت من ذلك. تعرض سكان الكنابو، وهم عمال مزارع ينحدرون في الغالب من غرب السودان، للعنصرية الممنهجة عبر العصور. هذه الفئة تعرضت للحرمان من الخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء والتعليم، مما أدى إلى تهميشهم المستمر.
الكنابو هو مصطلح يشير إلى معسكرات كان يقيم فيها العمال القادمون من مختلف أنحاء السودان للعمل في مشروع الجزيرة بعد موسم الخريف، مع أن غالبية سكانه ينحدرون من غرب السودان. كان هؤلاء العمال يعودون إلى أهاليهم في موسم الرشاش (بدايات الخريف). في الثمانينات، وخلال فترات الجفاف، جلب بعضهم أسرهم معهم واستقروا بشكل دائم في المنطقة نتيجة للجفاف وقلة الأمطار في دارفور وكردفان.
واجه سكان الكنابو خطابات عنصرية شبه ممنهجة ومتشابهة، حيث انتشرت هذه الخطابات من حسابات مختلفة لكنها جاءت من خلفية أيديولوجية واحدة. التجليات الأخيرة لهذه الخطابات ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث توعد البعض سكان الكنابو بالويل والثبور بعد تحرير ود مدني. بالمقابل، ساعدت خطابات الكراهية هذه في تحفيز أبناء الكنابو المثقفين للدفاع عن أنفسهم وأهاليهم، حيث سعوا إلى تكوين أجسام نقابية وواجهات سياسية تعبر عن حقوقهم مثل “مؤتمر الكنابو” وأخرى.
للأسف الشديد، وقع الفأس في الرأس وراح العديد من سكان الكنابو ضحية الأنف الناتج من خطاب الكراهية بعد استعادة القوات المسلحة للمدينة. في بيان لها، قالت القوات المسلحة إن هذه الفظائع وقعت نتيجة للسلوك الفردي، وأكدت أنها ستقوم بمحاسبة مرتكبيها. نأمل أن يتحقق ذلك.
تؤدي هذه الخطابات إلى تعزيز التوترات العرقية وزيادة الفقر والتهميش وانتهاك حقوق الإنسان. لذلك، من الضروري اتخاذ إجراءات فعالة تشمل:
- تعزيز الحوار الوطني حول حقوق الإنسان: يتطلب الأمر إطلاق مبادرات وطنية تجمع بين مختلف الفئات المجتمعية لتناول قضايا التمييز والعنصرية بشكل مباشر.
- توفير الخدمات الأساسية لسكان الكنابو: يجب أن تكون هناك سياسات حكومية واضحة لضمان توفير المياه والكهرباء والتعليم لسكان الكنابو، مما يساهم في تقليص الفجوات الاجتماعية.
- مكافحة الخطاب العنصري عبر التوعية والتشريعات المناسبة: يتوجب على الدولة سن قوانين صارمة ضد الخطابات العنصرية، بالإضافة إلى إطلاق حملات توعوية مستمرة لنبذ الكراهية وتعزيز التسامح.
- تعزيز التكامل الاجتماعي والاقتصادي من خلال برامج تنموية شاملة: يجب تنفيذ برامج تنموية تستهدف المجتمعات المهمشة، مع التركيز على تحسين البنية التحتية وخلق فرص عمل جديدة.
دور المنظمات في تعزيز السلم المجتمعي:
تعد المنظمات المحلية والدولية جزءًا لا يتجزأ من الجهود الرامية إلى تعزيز السلم المجتمعي في مناطق مثل الكنابو، حيث تعاني المجتمعات من التهميش والتمييز العنصري. دور هذه المنظمات يمكن أن يتجسد في عدة مجالات أساسية:
- التوعية والتعليم: إطلاق حملات توعية لنبذ العنصرية وتعزيز التسامح والتعايش السلمي بين الفئات المختلفة، وكذلك تنظيم ورش عمل حول حقوق الإنسان وآليات مكافحة خطاب الكراهية.
- الوساطة وحل النزاعات: تقديم خدمات الوساطة وحل النزاعات بين الجماعات المختلفة في المنطقة، مما يساعد على بناء الثقة وتهدئة التوترات.
- التنمية المستدامة: تنفيذ مشاريع تنموية تهدف إلى تحسين البنية التحتية، وتوفير فرص العمل والتعليم والرعاية الصحية، مما يسهم في تقليص الفوارق الاجتماعية.
- تمكين الشباب والنساء: تمكين الفئات المهمشة مثل الشباب والنساء عبر برامج التدريب والتأهيل وتوفير الفرص للمشاركة الفاعلة في الحياة السياسية والاجتماعية.
- المراقبة والتوثيق: توثيق الانتهاكات وتحليلها عبر تقارير دقيقة ومهنية تساهم في الضغط على السلطات المحلية والدولية للعمل على محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
في المجمل، تمثل المنظمات دورًا حيويًا في تعزيز التعايش السلمي، ومحاربة التمييز العنصري، والمساهمة في خلق بيئة أكثر عدالة ومساواة لجميع الفئات المجتمعية في السودان.
المصادر المستخدمة في هذا التحليل تشمل تقارير حقوق الإنسان، ودراسات حول العنصرية في السودان، وشهادات سكان الكنابو. يجب العمل الجاد لمكافحة الخطاب العنصري وتعزيز حقوق الإنسان في السودان لضمان مجتمع أكثر عدالة ومساواة.