تفكيك خطاب الكراهية: الليفاتية نشطاء الغفلة (5)

بقلم: نصرالدين دهب
يُعتبر خطاب الكراهية من أخطر أشكال التواصل في المجتمعات المعاصرة، حيث يساهم في نشر الفرقة والعداء بين الأفراد والمجموعات المختلفة. أحد أبرز أوجه خطاب الكراهية في الآونة الأخيرة هو الذي يروج له “الليفاتية” وهم مجموعة من الأشخاص الذين يستغلون منصات التواصل الاجتماعي لزرع الكراهية، التحريض، والتفرقة. يتخذ هؤلاء من الخلافات السياسية والاجتماعية والدينية مادة لبث سمومهم الفكرية، ما يهدد الاستقرار الاجتماعي ويساهم في زيادة التوترات. في هذا المقال، سنعمل على تفكيك خطاب الكراهية الذي يروج له هؤلاء “الليفاتية”، ونوضح دورهم في تعزيز الانقسامات داخل المجتمع.
في عالمٍ يعج بالمعلومات والآراء المتضاربة، تبرز فئة تسمى “الليفاتية”، الذين يتحركون في الساحة العامة بلا هدف واضح سوى جذب الأنظار عبر منصات التواصل الاجتماعي. هم مجرد نكرات قصار النظر، لا يمتلكون من الأسس المعرفية أو الأكاديمية ما يمكنهم من المشاركة في النقاشات الهادفة. رغم ذلك، يزعمون أنهم على دراية بكل شيء، ويستغلون خطاب الكراهية والألفاظ النابية كوسيلة للظهور.
يعتبر البعض من هذه الفئة المحرك الرئيسي للعديد من الأحداث المؤسفة، مثل الهجوم على منطقة “كرينك” في غرب دارفور قبل اندلاع الحرب. هؤلاء الأشخاص لم يقدموا شيئًا سوى التحريض والتأجيج، بل كانت بعض تصريحاتهم بمثابة الوقود الذي أشعل نيران الفتنة في بعض المناطق. حتى في بداية الحرب، عندما ظهرت البدعة المعروفة بـ “الشفشفة”، كان أحد هؤلاء الأشخاص في الصفوف الأمامية لنشر هذا المفهوم المضلل. ولولا تعهدي بعدم ذكر أسمائهم، لكان بإمكاننا اليوم تقديم الوثائق التي تثبت تورطهم في نشر الفتنة بين أبناء الوطن.
لكن هؤلاء “الليفاتية” ليسوا فقط أداة للفكر الضال، بل هم أيضًا أدوات استخباراتية متقلبة. تجدهم في يوم مع الجيش، وفي اليوم التالي مع الدعم السريع، والعكس صحيح. يتنقلون بين الأطراف المتنازعة ويخدمون أجندات مختلفة وفقًا لمصالحهم الخاصة. هذه المراوغة تكشف عن طبيعتهم الحقيقية كأدوات للتحريض والاستفادة من الصراعات لتوسيع دائرة نفوذهم الشخصي، دون النظر إلى مصلحة الوطن أو الشعب.
أدعو أبناء وبنات السودان لعدم متابعة هؤلاء الليفاتية، مهما كان المحتوى الذي يقدمونه. فهم لا يملكون شيئًا ذا قيمة تذكر، لا من حيث المعرفة ولا من حيث الشهادات الأكاديمية التي قد تثبت مصداقيتهم. هم فقط أدوات لنشر السموم الفكرية، ويستغلون منصات التواصل الاجتماعي لإيذاء الناس وجعلهم ينغمسون في التفرقة والكراهية. بدلًا من تقديم أفكار بناءّة أو تعزيز الحوار البناء، يختارون السباب والشتم، ويلجأون إلى إهانة المعتقدات الدينية والتطاول على الذات الإلهية، بل لا يتورعون عن سب أمهات الحضور والضيوف، وهو ما يعف قلمي عن الكتابة بشأنه.
إن هذا النوع من الخطاب لا يساهم في حل أي مشكلة أو بناء أي أساس من التفاهم. بالعكس، هو يعمق الجروح في المجتمعات ويزيد من الحقد والكراهية بين الأفراد. ولذلك، فإن دورنا في هذا الوقت هو الوقوف في وجه هذا الفكر المتطرف والمضلل، والعمل على تعزيز الوعي النقدي والتفاهم بين مختلف مكونات المجتمع السوداني.
الليفاتية هم مجرد أدوات في لعبة خطيرة هدفها نشر الفتنة والكراهية. لا يجب أن نسمح لهم بأن يكونوا جزءًا من المشهد العام، وأن نلتفت لما يقدمونه من خطاب لا يعزز من التفاهم أو البناء، بل يساهم في إدامة الفوضى والصراعات. علينا أن نكون حذرين في انتقاء مصادر المعلومات، وأن نتمسك بقيم الاحترام والتعايش.