مقالات الرأي

الرأي: العواصم والقواصم فى الذَب عن وحدة السودان

بقلم: صلاح جلال

(١)
💎 نحتاج أن نعتق عقولنا بعض الشئ من ضغط اليومى مثل حالة الحرب الجارية والإنقسام بين الجيش والدعم السريع على خطوط الصراع التاريخى بين الظهر والبحر والإنتهاكات المنتظمة على المدنيين ووطئة المعاناة فى الطعام والدواء ، للتأمل فى عمق الأزمات المتكررة فى البلاد منذ الإستقلال حالة التشظى المستمر وعدم الرضا المتواصل الذى أورثنا الحروب وعدم الإستقرار أسبابة وكيفية معالجتها والإستعداد لمواجهة التحديات ومعالجة أسباب التشظى المجتمعى والإنقسام السياسى .

(٢)
💎نبدأ النقاش بأهم المكونات فى مركز الأزمة وأداة الحل الأساسية فى نفس الوقت بإصلاحها الذى يحتاج لإجماع وطنى شامل وهى القوات المسلحة السودانية فى تشكلها عبر التاريخ الحديث وهى سابقة للأحزاب السياسية ومركز السلطة الرئيسى فى البلاد هذه الحرب لتكون آخر الحروب نحتاج لتناول حبوب الصراحة الكاشفة لكى نجترح وعى جديد كيف يتم ذلك ؟ ليحدث هذا الوعى لابد لنا من التفكير خارج الصندوق من تشخيص إستراتيحى للأزمة الراهنة وهى أعمق من إنفجار العشرة أشهر الماضية بشكلها الظاهرى
أتطلع أن نتأمل فى الآتى
مركز السلطة منذ نشائة الدولة القومية سوا كان مركزى او فيدرالى من تجارب كل الشعوب هو أداة صناعة المساومة المنصفة بين المكونات الإجتماعية وإدارة المصالح بعدالة فيما يعرف بالبرنامج الوطنى الشامل ينظم توزيع السلطة والثروة بين مكونات المجتمع ويحقق شروط المواطنة المتساوية، السؤال المركزى ماذا حدث لهذا المركز فى السودان وكيف تشكل؟ حتى عجز عن صناعة المساومة المنصفة بين مكونات الدولة مما قاد لحالة عدم الرضا التى لازمت تاريخنا السياسى منذ الإستقلال ؟

(٣)
💎 القوات المسلحة السودانية كأول المؤسسات منذ إسقاط الدولة الوطنية الأولى فى معركة كررى ماهو تطورها التاريخى وتأثيرها على مركز السلطة وفق تسلسل الأحداث فهى أقدم من الأحزاب السياسية بإمتداد منذ بداية حملة كتشنر لإستعادة إستعمار السودان وتكوين قوة الأعراب المتحابين السودانية من خصوم الدولة الوطنية لمساعدة المستعمر فرض هيمنته على البلاد ، تطورت هذه القوة فى العام ١٩٢٥م إلى قوة دفاع السودان SDF التى أسسها المستعمر على أساس عشائرى وجهوى وكانت عبارة عن (الفرقة الإستوائية، فرقة العرب الشرقية، فرقة العرب الغربية الهجانة وفى العام ١٩٠٦م بدأ تشكيل القوات المسلحة بتأسيس الكلية الحربية توطئة لفكرة الحكم الذاتى التى فكر فيها المستعمر البريطاني وكانت القوة بقيادة الجنرال أحمد محمد من شرق السودان
والجنرال إبراهيم عبود من أقصى الشمال.

(٤)
💎 أساس العقيدة القتالية لهذه القوات منذ نطفتها الأولى هو الدفاع والحفاظ على كيان الدولة المركزية من المتمردين عليها فكانت أداتها فى إخماد تمردات أنصار الدولة الوطنية الأولى فى الجزيرة وسنار وجبال النوبة ودارفور بإخضاع السلطان على دينار وقتله فى برنجية ، لهذا السبب تم إستبعاد كل مصادر التمرد المحتملة من تشكيلاتها القيادية تواصل تطور القوات حتى تم تسميتها قوات الشعب المسلحة بعد الإستقلال لم تتغير عقيدتها العسكرية وطبيعة التكوين القيادى لها حتى أصبح نمط موروث منذ بداية تكوينها ومراحل تطورها المختلفة
القوات المسلحة مكون رئيسى فى تشكيل مركز السلطة الوطنية المستقلة
وهى وكيل الدولة المركزية ضمن إطار تطور سياسي إستعمارى معطوب منح نخب مركزية مختارة بعناية حق تاسيس المساومة التاريخية للدولة الوليدة فجاءت معادلة الميلاد مختلة وغير منصفة وأوكل حراستها بالقوة الصلبة للقوات المسلحة فى ظل كل الانظمة الديمقراطية والإنقلابية هى الراعية للمساومة المعطوبة وقرصها الصلب الذى يحدد شروط الملعب وتقوم بإخضاع كل المناوئين للمساومة المركزية القائمة بالقوة .

(٥)
💎 من هنا بدأ جذر الأزمة Root Cause لحالة عدم الإستقرار وتعزيز حالة عدم الرضا المجتمعى وغياب المشروع الوطنى الشامل والحروب الأهلية وتعزيز نزاع المركز والهامش بعد التمرد فى أقصى جنوب البلاد والكفاح السلمى لتنظيمات مدنية جهوية إتحاد جبال النوبة ومؤتمر البجا ونهضة دارفور لم يستمع المركز المعطوب لنداءات القوى الجديدة بما يحدث الفرق ويلتزم بالتغيير المطلوب تحولت القوى الإجتماعية المظلومة إلى الضغط المسلح بظهور الحركة الشعبية لتحرير السودان التى تجاوزت حدود الجنوب التقليدي إلى جبال النوبة والنيل الأزرق ثم ظهرت الحركات المسلحة فى دارفور وعاد مؤتمر البجا للكفاح المسلح ومازال مركز السلطة المعطوب يصر على مساومته الظالمة ويحرسها ببندقية القوات المسلحة وهى تمطر الحمم فى رؤوس المطالبين بالعدالة والإنصاف ممن تم تسميتهم بأصحاب الإمتيازات التاريخية ونخبة دولة ١٩٥٦م .

(٦)
💎إذا أتفقنا على هذا الرؤية كتحليل إستراتيحى لعمق الأزمة الوطنية وجذرها الأساسى Root cause للأزمة الوطنية وتجلياتها حتى حرب مركز السلطة الراهنة فى ١٥ ابريل ٢٠٢٣م يجب علينا الإعتراف الصريح بخلل دولة الإستقلال ومساومتها المعطوبة والعمل على إعادة تأسيس المركز الجديد لننتقل إلى سؤال ما العمل للخروج من هذا المستنقع الصانع للأزمات حتى حربنا الراهنة بتجلياتها الظاهرية كصراع من أجل السلطة والثروة رغم الطموح الظاهر للجنرالين إلا أنها تنطوي على عمق مجتمعى راغب فى إعادة المساومة وباحث عن العدالة والإنصاف لإعادة النظر فى معادلة المركزية المعطوبة منذ الإستقلال لمساومة تاريخية جديدة لكل المكونات المجتمعية وتأسيس قرص صلب متوازن يحرس المساومة المنصفة موحد ومهنى وإحترافى قومى التكوين من القاعدة للقمة ، يقطع مع التاريخ الماضى للقوات المسلحة والعقيدة الفاسدة فى حماية الدولة المركزية من كل حركات المطالبة بالعدالة والإنصاف وإطلاق صفة التمرد عليها .

(٧)
💎💎ختامة
فى تقديرى هذا هو جوهر أزمة الإستقرار السياسى والحروب المستمرة الملازمة لحياتنا العامة منذ الإستقلال دولة ٥٦ م وهى القيد الذى حرم البلاد من التطور والإستقرار وتنمية الموارد من أجل رفاهية المواطنين الطريق لتأسيس هذا المركز الجديد هو إنعقاد المؤتمر القومى الدستورى الجامع بعد هذه الحرب اللعينة مباشرة لمناقشة كل قضايا إعادة بناء الدولة وصناعة دستور جديد يخلق مساومة وطنية منصفة وعادلة لكل مكونات الدولة الإجتماعية وجهاتها وينهى المساومة المعطوبة القائمة ويقطع مع تاريخها المحفز على المظالم والحروب ونعيد بناء مؤسسات العدالة والإنصاف لتنطلق منها الجمهورية الثانية كما أطلق عليها دكتور سليمان صندل ذلك الإسم، دولة تنهى هيمنة الأفندية تربية الإستعمار المسنودة بالقرص الصلب المنحاز لحمايتها ، مساومة تفتح الطريق لسلطة المجتمع فى كافة المجالات السياسية والثقافية والإجتماعية تعترف بالتنوع والفيدرالية الحقيقية حتى الحكم الذاتى لكل أنحاء البلاد للإنطلاق منها للمستقبل فى بلاد غنية بالموارد أشقاها الله بصراع بنيها وفشلهم فى التوصل لمعادلة المساومة التاريخية المنصفة بعد ٦٨ عام من عمر دولة الإستقلال ١٩٥٦م ، دعوة للنقاش والتفكير خارج الصندوق لتحويل هذه الحرب من نغمة إلى فرصة تفتح صفحة جديدة لتأسيس المشروع الوطنى الشامل .
من غيرنا يعطى لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتظر

صلاح جلال
٢٢فبراير ٢٠٢٤م

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x