مقالات الرأي

إلي أين تذهب بنا الحرب؟!

بقلم: محمد رورو

منذ الخامس عشر من أبريل 2023 والسودان يشهد حرباً ضارياً بين الجيش السوداني ومليشيات الدعم السريع وهي حرب كانت متوقعة الحدوث رغم مزاعم إنفجار شرارتها بواسطة فلول ضباط الحركة الإسلامية وقادتها السياسية أضف الي تحريكها الأيادي الخارجية التي ترفض إستقرار السودان لمآربها المعروفة. وبعد شهرين ونصف من بداية الحرب الشعواء ونحن نشاهد معاناة المواطن والجرائم التي تُقترف ضده والتي أدت الي تشريد اكثر من مليوني مواطن ونزوح الآف من المدن والقري وايضا اللجوء الي الدول الجارة.
ووسط كل هذه الكارثة الحربية لازم المجتمع الدولي الصمت العقيم مكتفياً ببيانات وتصريحات لا يُسمن ولا يُغني من حربٍ ، عداها مبادرات جدة والإيغاد التي فشلت منذ اول ايام إطلاقها وكأن السودان تُرِك وحدها ليواجه مصيرها في ظل تعنت وإصرار طرفي الصراع البارزَين علي مواصلة حربٍ ضحيتها الأولي والأخيرة المواطن السوداني نفس المواطن الذي يقع علي كاهله حروبات اهلية متراكمة ووضع معيشي مزري يكاد يكون تحت الصفر اليوم.
ولكن السؤال الذي يأرق المتابع للاحداث هو: الي أين يذهب بنا هذه الحرب ؟
لقد بدأت الحرب المشتعلة في العاصمة الخرطوم والتي شهدت وتشهد جرائم قتل عبثية وجميع صنوف الإنتهاكات ضد المواطنين داخل في الشوارع والمنازل ونهب أسواق العاصمة الرئيسية والآن نشهد عمليات القصف العشوائ بالدانات والقنابل في الأحياء المهمشة والمكتظة بالسكان الذين لا حول لهم ولا قوة من إمكانيات مالية للخروج من العاصمة، وتزامناً لحرب الخرطوم لهّبت الحرب إقليم دارفور الإقليم الذي لم يتعافاة بعد من الحرب فشهد من جديد حرباً عنيفاً ترتقي جرائمها الي ما يمكن تسميتها بجرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية والتهجير القسري وتصفية قادة جماعات معينة دون تحرك جيش الدولة الجرار وطائراته لحماية المدنيين في غرابة يمكن ان نقول ان الجيش يريد من المليشيات إرتكاب مزيد من الجرائم لتطالها المحكمة الجنائية الدولية والضغط الدولي وتُعرّضِها لكره الشعب لها أكثر من ذي قبل ظناً منه إخافة المليشيات لتخفيف الضغط عليه ولان هذه الجماعات التي ترزح تحت هذه الجحيم لم تكن يوماً من اهتمامات الدولة بل خلقت الدولة هذه المليشيات التي ينعتها اليوم ب(المتمردة) لتقضي علي جماعات عرقية بعينها وإحداث تغيير ديمغرافي في الإقليم بواسطة القبائل المستعربة والتي هي أغلبها قبائل مجلوبة من خارج أطر الدولة أُوتِـيَ بهم ودُغدِغَ مشاعرهم بآلة الأديولوجيا الإسلاموعروبية وبالتالي القضاء التام علي الزرقة (العبيد !) مواصلةً للمخطط الخطير الذي بدا منذ ثمانينات القرن الماضي مفادها إستيطان سياسي في الاراضي التي يفر منه سكانها وبالتالي تنزيح معالمها ثقافياً.
ما يهم في الأمر ان الجيش في دارفور ظل يتفرج طيلة الشهرين ونيف ولم يتحسس من معاقله العسكرية بينما المليشيات تنظم مذابح دموية في الجنينة وتمارس الترهيب والترعيب في جميع مناطق دارفور ما أفسح ذلك الصمت طريقا سهلا للمليشيات للسيطرة التامة علي مدينة زالنجي حاضرة ولاية وسط دارفور أخيراً ، والسيناريو تقول ان القادم هي مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور التي إشتدت المناوشات عليها لتصل مدينة كأس والراجح ان الجيش لم يصمد فيها كثيرا خاصة ان ولاية جنوب دارفور يعد المعقل العسكري للمليشيات ويسهل ايصال الدعم المليشي اليها وبهذا سوف تسقط مدن دارفور سقوطا تلو الأخري لتكون المحطة التي يليها هي مدينة الفاشر منزل الحركات المسلحة الموقعة علي إتفاقية جوبا لسلام السودان بخلاف الحركة الشعبية الموقعة وافرعها ، وهذه الحركات التي تتخذ من الفاشر معقلاً لها لم تستطيع في فترتها السابقة حتي حماية المدنيين في محلية طويلة الذين نزحو منها والتي تعتبر اقرب محلية تطل علي شرفة الولاية لكنني أعتقد ان الحركات بتحالفها الأخير سوف تقود مع المليشيات في مدينة الفاشر حرب الوجود من جهة وحرب المحافظة علي ماء الوجه التي كاد ان تتساقط وذلك لصمتهم لما حدث في مُدن الجنينة وكتم وطويلة ودارفور عامة.
اما في الخرطوم وفي ظل الاستسلام الضمني للجيش وتراجعهها العسكري وعدم إمتلاكها لأي استراتيجية مُغايرة للحرب فليس مستبعدا ان تسقط الخرطوم وينقل البرهان عاصمته فعليا الي مدينة بورتسودان وبالتالي تدخل السودان في حالة الصوملة الحقيقية وسوف تتشاطر الدولة الي مقاطعات الشرق وطول نهر النيل تحت إدارة الجيش ، الخرطوم ودارفور تحت حكم مليشيات الدعم السريع اما كردفان واجزاء من النيل الأزرق سوف تكونا مقاطعات متنازعة عليها بين الحركة الشعبية والجيش السوداني ومليشيات الدعم السريع في حال أراد المليشيا وصْلِ الخرطوم بدارفور وافريقيا الوسطي والنيجر لتلقي الدعم اللازم وضمان استمراريتها في الحكم وكاننا نعود بالتاريخ الي كردفان تتنازع عليها سلطنتي سنار ودارفور وبينهما اصابع ممكلة تقلي وبهذا النوع من الحكم سوف نصل الحالة الليبية.
اما المناطق المحررة التي تقع تحت حيازة الحركات الغير موقعة علي الإتفاقيات وحتي الحركات الموقعة في حال خرجت قسراً من الفاشر وكونت مناطق مستقلة فسوف تكون هذه الحركات في حالة حرب مع المليشيات لانها ستدخلها في آتون الحرب إنجراراً او جبراً وأول الاسباب هي مواصلة لنضالها مع ورود احتمال ضعيف وهو توقيع اتفاقات بين المليشا ومُجرّبي الاتفاقات.
في ظل كل هذا المتوقع اين الجيش السوداني؟
منذ فجر الحرب والكل يشاهد هزائم الجيش المتتالية مع انتصارات خجولة الذكر بل وانسحابها في اكثر من معسكر وتركِها للمليشيا لتتقدم وتسيطر بكل سهولة وتباهي في معارك لم تستمر صمودها أكثر من ربع ساعة، فتوقع الكثيرين ان ذلك مجرد حيلة تستخدمها الجيش لتسير الحرب ولو علي حساب خسارة المعارك والأمكنة لتوهِم بها العدو ثم في نهاية المطاف تظهر اقوي لتخطف الحرب كلياً وتنتصر في لمحة برق، ومع انتظار الكثيرين لتلك اللحظة الحاسمة تفاجأ الجميع بخطاب رأس الدولة والقائد العام للقوات المسلحة في مساء السابع والعشرين من يونيو 2023 خطاب كسول وخجول من وراء الحجرات وهو يوجه نداء للمواطنين وقدامي المحاربين يدعوهم للإنخراط في صفوف الجيش لإنقاذ الدولة الذي يغرق رويدا رويدا بدماء المدنيين الأبرياء او التسلح الفردي للدفاع عن أنفسهم وتناسَي السيد القائد العام ان الجيش الذي قاد حروبات اهلية في جنوب السودان وجنوب كردفان والنيل الازرق ودارفور قادر علي هزيمة الأبن صديق الأمس ولكن بإستراتيجية وإرادة وطنية حقيقية تبرزها القادة والضباط في ساحات الفداء متقدمين الصفوف تقدم الرئيس الأثيوبي آبي احمد أثناء استشعاره بخطر المعارضة ونواياها لإستلام العاصمة اديس ابابا ولم تتم الدحر بخطابات شبه شهرية من تحت الأرض وبمواطنين غير مدربين، هؤلاء المواطنين الذي يتوسل إليهم قائد الجيش يذكر ان القادرين منهم قُتلو جراء الحروب الاهلية والآخرين قُتلو في المظاهرات والإعتصامات وبعضهم تم تصفيتهم واغتيالهم والبعض الأخر أتعبهم الكيمياء داخل المشارح المكدسة أما الباقين سوف تجدهم للأسف في قاع نهر النيل والبحر الابيض المتوسط وصحراء ليبيا والناجين منهم مشردين في دول العالم اجمع.
هذه الحرب ربما تطول اكثر وفي كل مرحلة من مراحلها سوف تجني جرائم اكبر حجماً واكثر بشاعة مع احتمال توسعها الجغرافي وربما تدخل أطراف أخري لتتحول الي حرب شاملة ولكي لا يحدث المذكور لاننا امام انهيار دولة بسبب صراع الجنرالات يجب علي الجنرالين إيقاف الحرب فوراً والدعوة الشاملة لجميع السودانيين بأجسامهم المختلفة لواد الحرب من جزورها وإستبدالها بسلام حقيقي دائم مطرز بالتصالح والتعائش السلمي وذلك بتشكيل حكومة إنتقالية تقودها شباب الثورة هدفها تنفيذ برامج ومشاريع الثورة الوطنية ووضع ساس متين لبناء دولة المواطنة المتساوية عبر إنتقال ديقراطي حقيقي.

30 يونيو 2023

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x