مقالات الرأي

دارفور والإبادة الجماعية المتكررة: متى يتحرك الضمير؟

منذ العام 2003، ودارفور تكتوي بنار الإبادة الجماعية والمجازر الوحشية والانتهاكات المستمرة مرة تلو الأخرى، التي أودت بحياة أكثر من ثلاثة ملايين إنسان، معظمهم من النازحين والناجين الذين تمسّكوا بحلم دولة المواطنة المتساوية والسيادة القائمة على الحقوق لا على الانتماءات. ومع كل هذه التضحيات، لا تزال الإبادة تتكرر. الأمس في الجنينة وفي معسكر الحيصاحيصا، واليوم في معسكر زمزم، وغدًا في معسكرات أخرى ومدن وقُرى أخرى، دون أن يستطيع المجتمع الدولي أو الحركات المسلحة أو أي جهة فاعلة أن تُوقف شلال الدم.

لقد أثبتت السنوات أن الآليات الدولية، من مجلس الأمن إلى المحكمة الجنائية الدولية، ليست سوى أدوات لتسليط الضوء، لا لإيقاف المجازر. هذه الآليات، ورغم شعاراتها الرنانة، تتحرك فقط إذا تحركت مصالح الدول الكبرى، أما دماء أهلنا فهم خارج حسابات المصالح وخارج دائرة الفعل والنتيجة. مجازر تُرتكب وشعوب تُباد، والضحايا بلا حماية.

وبصفتي محاميًا وباحثًا في مجال العدالة، أقولها بوضوح: الرهان على المجتمع الدولي وحده هو رهان خاسر. قراراته حبر على ورق لا يختلف عن اتفاقيات السلام التي وُقعت طيلة تاريخ الدولة السودانية، ومواقفه متأرجحة، ومحاكمه لا تملك قوة التنفيذ التي تمكنها من تنفيذ قراراتها والقبض على الجناة بالقوة للمثول بغرض المحاكمة. فكم من متهمين حكمونا لسنوات، وكم من مجرمين أصبحوا قادة ودعاة سلام. لا حماية قادمة من الخارج، ولا عدالة ستأتي من السماء. نحن فقط، بإرادتنا وتنازلاتنا، نستطيع أن نبتكر ونفرض آليات جديدة قوية تختلف جذريًا عن كل ما جُرّب وفشل.

علينا أن نعترف أن كل الآليات التي طُبّقت سابقًا، من اتفاقيات سلام ومبادرات دولية ولجان ومفاوضات، قد فشلت في تحقيق أدنى حماية للمدنيين. هذا الفشل سببه الأساسي أمران: أولاً، عرقلات داخلية بسبب التحزّب والاختلافات حول المكاسب السياسية، وثانيًا، غياب التنازلات التي كان يمكن أن تُنقذ أرواحًا بريئة.

ولذلك، فإن المسؤولية الأخلاقية والسياسية تقع اليوم على عاتقنا، نحن الشباب. رغم اختلافاتنا الفكرية والسياسية، يجب أن نتواضع لبعضنا البعض ونتجاوز خلافاتنا، ونفتح مساحات نقاش حقيقي لا للتخوين، بل لصياغة أطروحات قابلة للتنفيذ تقدم لقادتنا كبدائل واقعية قادرة على مواكبة حجم الكارثة وإنهائها من جذورها.

صوتنا كشباب يجب أن يعلو فوق الحزبيات الضيقة والانتماءات العرقية. لا وقت للصمت أو الانتظار، إن منطق البقاء للأقوى هو منطق العالم اليوم، وإذا لم نكن ضمن الأقوياء بأفكارنا ووحدتنا ومبادراتنا، فسنبقى ضحايا الإبادة القادمة لا محالة.

لقد آن الأوان لأن نشرع في ابتكار آليات حماية حقيقية نابعة من واقعنا، تنقذ أرواح أهلنا على الأقل، وتعيد لهم حقوقهم، وتضع حدًا نهائيًا لمأساة النزوح. كفانا تفرجًا وكفانا رهانات وهمية. علينا أن نتحرك نحن، بكل ما نملك من وعي وطاقات، قبل أن يبتلعنا الصمت الأبدي.

عبدالحفيظ علي عبدالرحمن إسحق
محامي ومدافع عن حقوق الإنسان، وباحث في مجال العدالة

12ابريل 2025 م
جنيف

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x