دور المجتمع المدني السوداني في انجاح مسار العدالة الانتقالية
تقرير: حسن إسحاق
ما هو تعريف المجتمع المدني؟
تعريف المجتمع المدني بحسب موقع الامم المتحدة: “إنه مجتمع يساهم يوميا في تعزيز وحماية وتحسين حقوق الإنسان في كل أنحاء العالم، -مهما اختلفت تسميتهم – المدافعون عن حقوق الإنسان، المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان، نقابات المحامين، النوادي الطلابية، نقابات العمال، المعاهد الجامعية، المدونين أو الجمعيات الخيرية التي تعمل مع فئات معرضة للتمييز”. فالعناصر الفاعلة في المجتمع المدني، تعمل لأجل مستقبل أفضل وتتشارك أهدافا عامة لتحقيق العدالة والمساواة واحترام الكرامة الإنسانية، وتؤدي عملها في مجال حقوق الإنسان عبر طرق عدة: كحمل هموم المواطنين والرأي العام؛ والعمل على رأب الصدع في المجتمعات التي تعاني من الصراعات، والدفاع عن الفئات التي تعاني من التمييز أو الحرمان؛ وتبادل المعلومات، ومناصرة ومراقبة تنفيذ معايير حقوق الإنسان.
تحقيق مسار العدالة الانتقالية
في هذا الوقت الحرج من تاريخ السودان، يجب أن تعمل منظمات المجتمع المدني علي تحقيق مسار العدالة الانتقالية في الفترة التي تلي الحرب، – وهي: تُعرف من قبل الباحثين عن العدالة ومحاكمة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان ب ” الفترة الانتقالية” – وضرورة العمل مع جميع أصحاب المصلحة في تعزيز سياسات العدالة الانتقالية في السودان، مع ضرورة إشراك المجتمعات المتضررة من الحروب، خاصة في اقليم دارفور غربي السودان، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق بالإضافة الي المتضررين من حرب ١٥ ابريل ٢٠٢٣ الأخيرة، الذين تم تهجيرهم، وضرورة العمل علي التعاون مع كافة أجهزة الدولة الرسمية من الجهاز التنفيذي والبرلماني والقضائي.
يطالب المراقبون، بضرورة تقريب وجهات النظر المختلفة، خاصة ممن تعرضوا للانتهاكات، والعمل بشفافية مع أجهزة الدولة الرسمية لتقديم مرتكبي هذه الانتهاكات إلى المحاكمات، والعمل الجاد والإخلاص بأهمية إمكانية تقديم المساعدة القانونية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، والدور الملموس لهم في توثيق الانتهاكات وتقديم الأدلة والإجراءات القانونية المحلية والدولية.
يجب عدم تجاهل التحديات التي تواجه المجتمع المدني مثل القمع، بما في ذلك المراقبة والمضايقة واحتجاز الناشطين، الي جانب القيود المالية التي تعاني منها الكثير من منظمات المجتمع المدني، كما ينبغي إدراك أهمية معرفة دور الشراكات والشبكات والتضامن الدولي في تعزيز جهود المجتمع المدني السوداني للقيام بدوره في تحقيق العدالة للضحايا السودانيين، وضرورة العمل الشعبي المستمر، حتى لا يتم انتهاك حقوق الضحايا خلال الفترة الانتقالية.
عمل المجتمع المدني بعد ثورة ديسمبر ٢٠١٨ على تدشين شعارات سلمية عظيمة تسعى لتأسيس الدولة المدنية الديمقراطية، والتي تتمثل شعاراتها الثورية في (حرية – سلام – عدالة) والمدنية قرار الشعب السوداني، سعي المجتمع المدني خلال تلك الفترة على تأسيس دولة المواطنة التي لا تميز بين المواطنين على أساس العرق أو الدين أو الجهة والنوع، وهي أمور كلها تصب في أن تكون السلطة فيها للشعب.
توفير ضمانات لعدم تكرار الانتهاكات ودعم الضحايا
يطالب الناشط الحقوقي في منظمات المجتمع المدني أحمد إدريس هارون، أن تلعب هذه المنظمات دورا فاعلا في الدعم القانوني للضحايا، والعمل معهم داخل معسكرات النزوح واللاجئين في تشاد وإفريقيا الوسطي وجنوب السودان وأوغندا. إن جمع المعلومات عن أولئك الفارين من الانتهاكات التي ارتكبتها مليشيات الدعم السريع والمجموعات المتحالفة معها، تساهم في جعل قضايا الرصد والانتهاكات ذات موثوقية عالية للغاية، ويمكن الاعتماد عليها في إدانة مرتكبي الانتهاكات في إقليم دارفور وبعض المناطق الأخرى. يقول أحمد، إن الدعم القانوني للمجتمع المدني لهؤلاء الضحايا له تأثير إيجابي في المنظمات الدولية والإقليمية، وحتى الأجسام الوطنية، بعد إحداث إصلاح قانوني. إن هذه الادلة الموثوقة التي جمعتها منظمات المجتمع المدني، قد تحاكم المتورطين في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وإلى آخره.
رفع أصوات الضحايا الي المجتمع الدولي
بينما يضيف اللاجئ إبراهيم هارون في دولة تشاد، إن للمجتمع المدني السوداني دور مهم في رفع أصوات ضحايا الحروب الي المجتمع الدولي، موضحا، إن مشروع القرار الأمريكي الأخير في هذا الشهر، الذي صنف أعمال الدعم السريع الوحشية في إقليم دارفور “بالإبادة الجماعية”، نتاج عن مجهود جميع منظمات المجتمع المدني السودانية، خاصة تلك التي تعمل مع الضحايا في إقليم دارفور، وهذا يعني أن دورها قادر الوصول إلى المنصات الدولية حول العالم، مشيرا الي أن الاتحاد الأوروبي في شهر نوفمبر الماضي، أعرب عن صدمته إزاء التقارير مقتل أكثر من ألف سوداني في ولاية غرب دارفور، وبارتكاب حملة تطهير عرقي للقضاء علي قبيلة (المساليت) من قبل قوات الدعم السريع. أوضح إبراهيم أيضا، إن المجتمع المدني لديه قدرات على جلب انتباه العالم الخارجي لضحايا الحروب في السودان، لذا فإن عمله لا يقتصر على الأوضاع المحلية وحدها، بل يرقي إلى المستوي الإقليمي والدولي والمحلي في ذات الوقت.
استمرار واتساع البناء القاعدي
يطالب الناشط في منظمات المجتمع المدني جعفر خضر في مقاله له بعنوان ’’ دور المجتمع المدني في تحقيق اهداف الثورة‘‘التزام منظمات المجتمع المدني الصاعدة المتمثلة في لجان المقاومة المنتشرة في كل أصقاع السودان، التزامها بالبناء القاعدي، الذي يجعل منها عاملاً حاسماً للمساهمة الكبرى في تأسيس دولة تطوي تشوهات قرابة السبعين عاماً من عمر الدولة السودانية، موضحا بأن استمرار واتساع البناء القاعدي للجان المقاومة والنقابات هو ثور داخل الثورة.
أكد جعفر، إن إصلاح منظمات المجتمع المدني، يتطلب أن تلتزم هي أولاً بمعايير الحكم الرشيد، (المشاركة – المساواة، سيادة القانون – الشفافية – المساءلة – المحاسبة – النزاهة – الاستجابة للمتغيّرات المختلفة – الفعالية – الرؤى الاستراتيجية)، لأن هذا لا يتطلب غير توفر الإرادة في أعضاء منظمة المجتمع المدني لتصلح ذاتها. إن إصلاح منظمات المجتمع المدني، يتطلب أن تعمل هذه المنظمات بكل ما أوتيت من قوة للحيلولة دون عودة الدكتاتورية مرة أخرى، إذ إنها تعمل على تحويل المنظمات إلى مسخ مشوه بدلاً من أن تكون منظمات غير حكومية، فهي تحيلها إلى منظمات حكومية تابعة لها.