دور النساء السودانيات في تحقيق أهداف العدالة في الفترة الإنتقالية
تقرير : حسن اسحق
توطئة
يشير موقع ’’ شريكة ولكن ‘‘ المختص بالشؤون النسوية إلى أن الحراك بدأ منذ عقود طويلة، حيث ارتبط بالنضال ضد الاستعمار، وتلاها العمل في مراحل الحكم الوطني والديكتاتوريات العسكرية التي حكمت البلاد، بينما بدأت ملامح النضال النسائي تتبلور في مطلع القرن العشرين، حيث ناضلت السودانيات ببسالة من أجل حقوقهن. رغم الصراعات السياسية والتقاليد الاجتماعية، حصلن النساء على بعض الحقوق النوعية، لكن عندما استلمت الجبهة الإسلامية (الانقاذ) مقاليد السلطة عبر انقلاب عسكري ١٩٨٩، انتكست أوضاع النساء السودانيات.
الحراك النسوي فترة حكم الاستعمار
عندما نتطرق إلى تاريخ نضالهن، كان تركيز الاتحاد النسائي السوداني يصب على تشكيل نقابة تهتم بقضايا النساء، وتوحيد الاتحادات التي تشكلت من طرف نساء عاملات. ففي بدية الامر، تم تأسيس رابطة النساء الثقافية ما بين ١٩٤٦ – ١٩٤٩، غير أن تلك التجربة لم تكتمل، واستمر الحال حتى بداية يناير سنة ١٩٥٢، التي انعقد خلالها أول اجتماع تأسيسي للاتحاد النسائي في السودان.
وفي إطار حديثه عن النساء المؤسسات، أوضح موقع ’’ شريكة ولكن ‘‘بدأ اجتماع اللجنة التمهيدية للاتحاد النسائي السوداني، على يد كل من فاطمة أحمد أبراهيم، وحاجة كاشف، وعزيزة مكي، ونفيسة أحمد إبراهيم، وخالدة زاهر، ونفسية المليك، وفاطمة طالب، اللواتي كنّ نساء فاعلات في الحياة العامة والمهنية. وفي عام ١٩٤٩، قادت فاطمة أحمد إبراهيم، الطالبة التي كانت طالبة حينها في ثانوية أم درمان العليا، أول إضراب مرتبط بقضية نسائية في السودان.
الدور النسائي ما بعد حقبة الاستقلال
بعد أن نال السودان استقلاله من الاستعمار البريطاني، عمل الاتحاد النسوي علي استكمال نشاطه بشكل سري، واستمر في إصدار مجلة ’’ صوت المرأة‘‘ إضافة إلى المشاركة النسائية في مناهضة الحكم العسكري الأول، حيث لعب الاتحاد النسائي دورا محوريا في ثورة اكتوبر ١٩٦٤، وحشدت رئيسة الاتحاد فاطمة أحمد إبراهيم القواعد النسوية للمشاركة في الاحتجاجات. بعد سقوط العسكر، استطاع النساء السودانيات انتزاع بعض المكاسب الحقوقية، كالحق في التصويت، والترشح للانتخابات، لتصبح فاطمة أحمد إبراهيم أول برلمانية في السودان والشرق الأوسط، بعد ترشحها في أول انتخابات سودانية بعد ثورة أكتوبر.
حتمية مشاركة المرأة في تحقيق العدالة الانتقالية
بخصوص مشاركة المرأة في تحقيق العدالة الانتقالية، يري المراقبون أن هناك أهمية حتمية لمشاركة المرأة في تحقيق أهداف الفترة الانتقالية في السودان، بالإضافة إلى المشاركة المتساوية للرجل والمرأة في رسم مسار هذه الفترة، علاوة على دور المرأة في المناطق المضطربة مثل: دارفور، وجبال النوبة، والنيل الأزرق، وكيف يمكن لدورها الفعال أن يساهم في نجاح الفترة الانتقالية بعد رغم تأثرها بالحروب الوحشية التي اندلعت في السودان.
إلى جانب ذلك فمن الضروري، إلزام الدولة بتنفيذ التشريعات التي تضمن حقوق المرأة، مثل: تفعيل وحدة مناهضة العنف ضد المرأة، وضرورة إنشاء هيئات حقوقية قوية تلعب دوراً بارزاً في رصد وتوثيق الانتهاكات ضد النساء، والفتيات للمساعدة في ملاحقة مرتكبيها، ثم التنسيق مع الهيئات الإقليمية والدولية، والوطنية للعب دور كبير في تغيير السياسة الداخلية، وإعطاء الدافع والأمل للإصلاح المؤسسي في السودان. إضافة إلى ذلك، فمن الأهمية بمكان إبراز دور المرأة في المشاركة في عملية المصالحة بعد الحرب على المستوى الشعبي، والسعي للتغلب على العوائق المجتمعية، والثقافية، والقانونية، والمؤسسية التي تحرمها من المساحة اللازمة للعب دور فعال في السودان ما بعد الحرب.
التحديات التي تواجه النساء كبيرة
في سياق التحديات التي تواجه النساء، أكدت القيادية والناشطة السودانية إحسان فقيري، إن التحديات التي واجهت الاتحاد النسائي كانت كبيرة، أهمها الثقافة السودانية التي كانت تعطي الأفضلية للرجل واضطهاد المرأة منذ كونها جنين في بطن أمها، حيث يتجلى ذلك في الامثال السودانية التي ترسخ، ان من تنجب صبي تجلب الخير مقارنة بمن تنجب فتاة حيث يقول المثل ” أم الضكير بتجيب الخير وتبكر بالوليد والعافية تملا الايد” وأوضحت إحسان إن التحديات بعد الثورة كانت تتمثل في الفكر الذكوري، الذي ظهر بقوة من خلال الوثيقة الدستورية التي تم الاتفاق عليها بين العسكريين والمدنيين لإدارة الدولة في الفترة الانتقالية، ومع ذلك وبعد ثورة ديسمبر المجيدة ٢٠١٨ نصت الوثيقة على مشاركة النساء بنسبة ٤٠٪ في جميع مستويات الحكم، وكان هناك تمييز، رغم وجود نساء في الحكومة الانتقالية، لكن الوزيرات المختارات لم تكن لهن علاقة بالحراك النسوي بحسب إحسان، مبينة بأنه ليست كل النساء لديهن وعي بالمشاكل الحقيقة للنساء، إذ إن المرأة هي جزء من الصراع السياسي الدائر وجزء من الصراع الطبقي ; فالمرأة تضطهد طبقياً، بالإضافة إلى ذلك فإن وزير العدل السابق لم يكن جاداً في معالجة المشكلات، ولم تكن الحكومة الانتقالية جادة في تقريب المسافات وإلغاء التمييز وذلك على الرغم من أن النساء متضررات من القانون الجنائي، وكانت لدينهن مقترحات، وتحدثن عن إلغاء منظومة النظام العام، وليس قانون النظام العام فقط.
محاسبة منتهكي حقوق المرأة
في شهر فبراير من العام الماضي عُقِدت ندوة ’’ العدالة الانتقالية – رهان قادم لتغيير اوضاع النساء في السودان ‘‘تناولت الورقة في تلك الفترة العملية السياسية التي كانت تديرها قوي الاتفاق الإطاري بدفع من الآلية الثلاثية المكونة من: (ممثلي الامم المتحدة، والاتحاد الافريقي والإيغاد)، وقد خرجت الورشة بحزمة من التوصيات متعلقة بمحاسبة المنتهكون لحقوق المرأة وتقديم الجناة للعدالة، بجانب تكوين دولة ديمقراطية، وإنشاء مفوضية للعدالة الانتقالية وتحديد علاقاتها بمفوضية المرأة. كما طالبت التوصيات بمشاركة المرأة في لجان التقصي وكشف كافة الانتهاكات ما قبل الثورة وبعدها، وشددت التوصيات على تكوين محاكم متخصصة لمكافحة العنف ضد المرأة، والأحوال الشخصية مع مراعاة خصوصية القضايا بجانب تكوين هيئة لمتابعة محاكمة منتهكي حقوق الإنسان. وقد اتفقت النساء في الدورة التدريبية في تلك الورشة على أن العدالة الانتقالية إذا تحققت بصورة شاملة وكاملة ستدعم مسيرة المرأة، مستدركات بأن أدوارهن لن تكُ حصرية لدعم النساء وسيشاركن في جميع القضايا السياسية في البلاد.
سَنّ وتعديل كافة القوانين
تري القيادية النسوية منال إبراهيم حسين في مقال لها بعنوان ’’ النساء في قلب الصراع، العدالة الانتقالية ‘‘ إن تحقيق العدالة الانتقالية يجب إن يشمل إصلاح مؤسسات المنظومة العدلية من خلال سَنّ وتعديل كافة القوانين، وإجراء المحاكمات جبرا للضرر، وردا لاعتبار الضحايا وأسرهم لا سيما النساء، ومعالجة جذور قضايا الصراعات، والنزاعات التي انتهكت حقوق وكرامة النساء. كما طالبت منال بضمان تقصي كامل للحقائق حول ممن انتهكوا الحقوق، فالعدالة الانتقالية لا تعني الإفلات من العقاب، بل وضع مزيدا من التدابير القضائية وغير القضائية عبر آليات ومفوضيات العدالة الانتقالية، والمسئولية الجنائية على جرائم العنف ضد النوع الاجتماعي، إضافة إلى ذلك فالأثر الاجتماعي، والنفسي الكبير لأشكال التمييز ضد المرأة في مناطق النزاع يشكل معضلة أمام صانعي السلام، وفض النزاع ومؤسسات تحقيق العدالة والعدالة الانتقالية.
العمل على جندرة العدالة الانتقالية
في ذات السياق، تقول الكاتبة والناشطة النسوية نفيسة الفاتح في مقال لها ’’ جندرة العدالة الانتقالية ‘‘ إن جندرة العدالة الانتقالية يجب أن تتحقق في المشاركة المتساوية بين النساء والرجال، والعمل الجاد علي رسم مسارها في كل المستويات، والآليات، فلا تشمل الجرائم والانتهاكات المباشرة وغير المباشرة على النساء وأثر الحروب والنزاعات عليهن فقط، بل تطال أيضاً العلاقات الاجتماعية التي سمحت وسهلت حدوث الانتهاكات وأدت إلى استمرارها. مشيرة إلى أن جندرة العدالة الانتقالية تنطلق من إدراك ووعي سياسي، وأن أسباب استمرار العنف المبني على النوع هو السلطة والتسلط، وكذلك التحكم في الموارد في الأسرة والمجتمع والمؤسسات. وفي نفس الوقت ترفض نفيسة، تقسيم الفضاءات لحيز خاص وعام، باعتباره تقسيم وهمي غايته ترسيخ الهيمنة الذكورية، بل يجب التعامل مع سياق عدم المساواة الذي أسس للعنف المبني على النوع من خلال إحداث تغييرات بنيوية وتشريعية تضمن عدم تكراره مرة أخرى.
في الختام
منذ اندلاع الثورة في السودان، أواخر عام ٢٠١٨، شاركت النساء الأحزاب السياسية والمجموعات التنظيمية، في المطالبة بإسقاط نظام الرئيس السابق عمر البشير. تميّز الحراك النسوي وقتها بمشاركة فعّالة، والتي ظهرت جليةً في قيادة وتخطيط بعض النساء للمظاهرات المطالبة بإنهاء الحكم الشمولي. كذلك كنّ حاضرات بقوة في كافة الأنشطة الثورية كما نالت السودانيات نصيبهن من القتل والتعذيب، والاعتقال، كما تحدين رفض المجتمع انخراطهن في العمل الثوري، لأسباب ذكورية مفادها أن المنزل هو المكان الطبيعي للنسا. فبعد نجاح الثورة وسقوط نظام عمر البشير، الذي كان للسودانيات الفضل الأكبر في حدوثه، لم تكن الثمار المقطوفة بحجم مشاركتهن وفقا موقع ’’ شريكة ولكن ‘‘
إن للمرأة السودانية، دور كبير في عمليات بناء السلام والتعايش السلمي والتعافي، فضلا عن أن لديها تاريخ نضالي كبير في الثورات وحركات المقاومة ضد الظلم، والاضطهاد والشمولية، وهي مدافعة عن حقوق الإنسان، لذلك لابد من وضع قوانين ترد لها كرامتها وعزتها كإنسانة في المقام الأول.