صناعة ثورات المستقبل: الحالة السودانية نموذجاً (2)
بقلم: نميري عيسي
تنقسم هذه الدراسة إلى ثلاثة فصول ،الفصل الأول فيها يتناول التاريخ والأحداث إلتى مرت بها بلاد السودان إلى سودان بعد خروج المستعمرون وجذور الأزمات التأريخية إلتى أقعدته من التطور والإزدهار،أما الفصل الثاني فهو عن الثورات وهذه المقتطفات تلقى نظرة عابرة عنها، وفي ما يخص الفصل الثالث والأخير يتناول دراسات المستقبل وضروريتها في مخاطبة جذور الأزمة التاريخية السودانية والااستشراف بالمستقبل المنشود. في هذه المقتطفات نذكر بصورة جوهرية على تعريفات الثورة والفرق بينها والانقلاب ونماذج من ثورات العالم والرؤية المستقبلية للثورة السودانية.
أولاً : الثورات
تعدد تعريفات الثورة بتعدد مدارسها ومناهجها ، منها عرفت الثورة بأنها هى التغيير الحقيقي والجذري الشامل الذي يحدث في نظم الحكم والمؤسسات التى تحكم المجتمع ،وفي أغالب الأحيان تصحبها مواجهات عنيفة من الانظمة الدكتاتورية والأستبداية لقمع عامة الشعب الثأئر كرد فعل للعمل الجماهيري الثوري التي تتخذ صوراً مختلفة منها الانتفاضات السلمية والتمردات والعصيان وأحيان أخرى الحروب الأهلية (1) ومنها أنتففاضة رجب (أبريل1985) ويتخذ كذلك الفعل الجماهيري الثوري وسائل متعددة منها كالأعتصامات ،كتابة شعارات وتوزيع منشورات التغيير,والانتفاضات والهبات، وهذا التعريف والتعريفات الأخرى ودرت في الدراسة تفتح المجال للتساؤل عن ماهية المناهج والنظريات وكذلك مدارس الفكر الثوري الذى يستند عليها كل تعريف من التعريفات والعناصر التى تجعل تعريفاً ما أكثر وضحاً وأكثر عمقاً لمخاطبة قضايا التغيير الحقيقي التى تمثل الهدف الأساسي والجوهري التى تعمل الثورات على تحقيقه ،وسنتناول بعض التعريفات حسب مدارس الفكر الثوري ومناهجه عن الثورة والتغيير،منها من عرفت الثورة بأنها أعمق من التغيير في النظام السياسى ،الذى تتمكن فيه مجموعات سياسية جديدة للإستيلاء على السلطة بوسائل مختلفة والقيام بأداء مهام الدولة وتبنى مزاعم السلطة الشرعية للثورة(2) وفي ظل الاستخدام المعاصر لمصطلح الثورة غالباً ما يشير التغيير الى التغيير العميق والجذري فى النظم السياسية والثقافية والاجتماعية من خلال آليات العمل الثوري منها النضال المسلح أو عبر وسائل أخرى كالنضال السلمى أو الاثنين معاً وكذلك تعرف الثورة بأنها هي التطور والتقدم التقنى والاكتشافات العملية (3)، كل هذه التعريفات تنصب في إطر ومعاني الثورة. وإكتسب موخراَ مصطلح الثورة دلالة على أنها هى التغيير والازدهار والتقدم نحو الحداثة ونجد فى ذلك في الثورات التى أستوحت مبادئها من أفكارعصر التنوير وخاصة الثورة الامريكية في العام 1776م والثورة الفرنسية في العام 1789م، هما الثورتان اللتان استندتا على القيم الحرية والعدل وكذلك يجب الوقوف عند مفردة الثورية ودلالتها التى تجعلها تأسس للمفهوم الواسع لهذا الفعل الجماهيري لعامة الشعب بحيث تجعل مفردة الثورة تطلق وتخص الثورات التى تتطابق أهدافها ،وأهداف تحقيق الحرية ،لأنها هي الهادى والأساس إلى بناء عهد ثوري يسع الجميع ((4 بدون تمييز.
الثورات الحديثة
نجد أن الثورات بالمعنى الحديث هى التغيير الكامل فى المجتمع (5) وفي مناحى الحياة المختلفة للإنسان ، وأن الثورات الحديثة هى ثورات علمانية من خلال رؤيتها للإديان بأنها هى القيم الإنسانية فى المجتمعات البشرية و منبع إلهامها ومصدر للتكامل الوجداني كقيم روحية ، لذا يجب على دولة الثورة أن تقف على مسافة متساوية من كل الأديان بحكم أن الدولة هى الوعاء التى تجمع الكل المتعدد والمنتوع بإختلاف إديانهم ومعتقداتهم كمؤسسة تعمل على تحقيق الرفاه والازدهار للجميع بدون النظر الى إديانهم ،بل تنظر إليهم كمواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات بغرض تحقيق مبدأ المواطنة المتساوية وكذلك المفهوم المباشر للثورة مرتبط بشكل مباشر بتغيير مسارات إحداث التاريخ وبداية لعهد جديد تماماً لم يعرف من قبل وهو على وشك من إكتشافه (6) والثورات بوصفها ظاهرة سياسية وإنسانية فريدة ، فالثورة فى العصر الحديث لا تحدث الإ في إطار نظام سياسي واقتصادي واجتماعي منظم يطلق عليه الدولة (7) جغرافي ذات إرث عميق كما في الحالة السودان.وكذلك تمنح صفة التراكم البعد الانثروبولوجي للثورة إلتى ترجع تفجرها إلى عوامل كثيرة وتراكمة عبر عدد من السينين أحدثت ضغطاً على عامة الشعب فولدت الانفجار الذى يجسد الحالة الثورية (8) ،وتعمقت مفاهيم الوعى بها لدى عامة الشعب الذى فتح الطريق إليها.
خصائص وسمات الثورات
للثورات خصائص تمييزها وتجعلها ثورات تحمل مضامينها وهذه السمات أوالخصائص مستقاة من التعريفات المتعددة للثورة ،لتكون الثورة ثورة تغييروتأسس لعهد مشرق جديد، تعتبر هذه السمات ضرورية لدلالة الحالة الثورية إلتى تتغذى عليها الثورة بالفعل الجماهيري لعامة الشعب ،وهذه السمات من ودنها تفقد الثورة صفتها إلتى ترفض مسلمات الوضع الرهان ،بوصفها (ثورة) هى دائماً فى سؤال مستمر ومتجدد ،بتلك الصفات إلتى تعطيها قوة العمل الجماهيري ويمكن اجمال هذه الخصائص أو السمات على النحو الأتى:
تتضمن الثورة رفض التسليم بوجود مبررات ثابتة للنظام القائم ولا تقبل الثورة الحديثة نظاماً هرمياً معطى كشأن مقدس.
الثورة لا هى دورة خلدونية من فقدان العصبية ،إلى نشوء أخرى (9).
الثورة فى عصرنا ترتبط بالجدُة والانقطاع في مسار التطور التأريخي ،أنها الإنقطاع الذي ياتي بجديد (10).
أن الثورات تدشن تاريخاً جديداً وضع تقويم سنوي جديد (11)، كما فعلت الثورة الفرنسية على سبيل المثال.
تسعى الثورات الحديثة إلى التحررمن قمع الحرية الذي يشبه في هذه الحالة بكبح حركة الأجسام ،أنه تحرر من القيود إلتى تكبل حرية الإنسان ،يُضاف إليه التحررمن الخوف ومن الحاجات الأساسية إلتى في حالة عدم تلبيتها تستعبد الروح والجسد(12).
الفرق بين الثورة والانقلاب
ظلت الصفوة عن عمد تخلط بينهما أي بين الثورة والانقلاب بغرض تشويه ظاهرة الثورة وجعلها مقابل للانقلاب،الجميل في الأمرأن هنالك مييزات وسمات واضحة المعالم تضع الفاصل بين ما هي ثورة وما هو انقلاب ،يمكن التمييز بينهما على النحو التالي:-
بأن الثورة تتميز بتنظيمها الواعى والأهداف الواضحة والمنشودة في ما يتعدى تدبير النظام القائم أي النظام الدكتاتوري أو الاستبدادي ،كذلك تتميز الثورة عن الانقلاب بمضمونها الاقتصادي والاجتماعي ،والانقلاب هو إبدال فريق حاكم بفريق آخر (13).
والثورة تعني التغيير الحقيقي في البنية السياسية والاجتماعية والثقافية. بينما الانقلاب هو إستبدال مجموعة حاكمة بأخرى دون تغيير ضروري للسياق الاجتماعي التى تحكم فيه هذه المجموعة الانقلابية(14). علماَ بأن الانقلاب يركز بالدرجة الأولى على الجيش الذى يستولى على السلطة بالقوة وتؤول السلطة إليه.، مبدأ نركيزعلى الأهداف إلتى تقوم من أجلها الثورة ولوضع علامات فاصلة بين الثورة والانقلاب ، ولإجراء هذه العملية يجب التركيزعلى أهداف الثورة وتحديداَ لغرض هذه الدراسة إلتى تقوم في الاساس على ضرورة صناعة ثورة التغيير، الثورة إلتى تصنعها عامة الشعب.
تهدف الثورة لتغيير البناء الاجتماعي وتغيير تركبية المجتمع بشكل عامة ، بينما أن الانقلاب يهدف إلى التبديل فى الاشخاص الذين يمثلون المواقع القيادية فى الدولة والمجتمع وهؤلاء يسعون إلى الحفاظ على الإنماط الموجودة أكان على صعيد أنماط العلاقات الاجتماعية أم الاقتصادية وحتى الثفاقية.
الثورة وصفة الديمومة من حيث أثارها ونتائجها أوعلى الأقل تستمر هذه الاثار والنتائج لفترات طويلة ، بينما الانقلاب يستمر بوجود الأشخاص الذين قاموا به ،والذين قد يذهبون بإنقلاب أخر أو بثورة شعبية.
هدف الثورة تحقيق مكاسب ذات قيمة فى مختلف مجالات الحياة الاجتماعية وتطال هذه المكاسب مختلف شرائح المجتمع ،بينما ترى أن ما يحقق من الانقلاب لا يتعدى كونه مكاسب فردية مؤقتة (15).
الثورة تقوم على أسس فكرية وفلسفية واضحة المعالم ، الانقلاب يقوم على قيم كتلك إلتى يتبناها الثوريون (16) بحيث تشويه مضامينها وأهدافها ،وبها يعتلوا مقاليد السلطة (الانقلايون).
وكذلك ما يميز الثورة من غيرها ، هي إجراء تغيير جذري عميق فى النظام الاقتصادي والاجتماعي وبصورة أفضل فى التوزيع العادل والمنصف للممتلكات الوطنية وكذلك فى ممارسة الحرية الثقافية (17) ويجب الأشارة إلى أمرمهم جداَ للغاية هو إجهاض الثورات، أن الصفوة دائماً لا ترغب فى حدوث تغيير جذري ، علماً بأن هذا التغييرلا يحدث إلا بفعل ثورة عامة الشعب الذى يقودها ويصنعها بنضاله الجماهيري وتضحياته، بين ما الصفوة تريد أن توقف وتعوق عجلة التغيير وتتربص بالثورات وتتخطفها بوسائل خداع متعددة منها إطلاق مفردة الثورة للانقلاب بمصطلحات أخرى منها الإصلاح أو إجراءات إصلاح الثورة وكل هذه المصطلحات هي دلالة قاطعة ومؤكدة للانقلابات ومطلقاً لا يمكن ادخلها في طائلة الثورة ، ويظل تعريف الانقلاب واضحاً هو الإستيلاء على السلطة بقوة السلاح ،مهما زينته وسائل إخراجه بصورة أنيقة وكل هذه المفرادات تقع تحت طائلة الانقلاب على الثورة والتأمر عليها ، وأيضاً من الملح جداً التمييز بين هذه المصطلحات بغرض وضع معايير واضحة المعالم بخصوص ما يجعل الثورة هى ثورة التغيير الجذري الشامل كما أشرنا إليه وما يجعل الانقلاب أو التأمر على الثورة وتهيئ لمرحلة جديدة للعودة للعنف ومصادرات الحقوق والحريات العامة وكذلك للعودة مجدداً للأسباب إلتى تجعل تفجر الثورة أمرأ ماثلاً لا مناص منها.
نماذج من ثورات العالم
هنالك نماذج للثورات حققت أهدافها وبنت لشعوبها دول كانوا يحلموا بها، وتمتعت ىشعوبها بالرفاه، ونذكر هذين النموذجين على سبيل المثال ،هما الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية، إللتان عبرهما حقق لشعبيهما آمالهما وتطلعاتهما،إندلاعت الثورة في أمريكا في العام 1763 الى 1787 وفي فرنسا في العام 1789 إلى 1799 وهتين الثورتين عتمدتا في مبادئهما بنظرية جون لوك (18) وفي كليهما أطاح الثوار بحكومتين لإصحاب الامتيازات أو الملك الذى كان يمتلك كل السلطات وبفعليهما أي الثورتين شاركت غالبية الشعب فيهما في تكوين حكومتين في بلديهما وفق مبادئ وتعاليم لوك وكانوا الثوار على إصرار بأن تلك الحكومتين فشلتا في إداء مهماهما وبالتألي كان من الضروري تغييرهما وإستبدالهما (19) بحكومتين للثوار اللتان إحدثتا التغييرعلى أسس وقوانيين المشاركة العامة ،وكذلك أدخلت إضافات جديدة في غاية الاهمية في الدستورالأمريكي إلتى أدرجت فيه وثيقة الحقوق إلتي كانت الأساس فيها تحقيق السعادة والرفاه للشعب الامريكي وكما تتضمن الدستور الفرنسي إعلان حقوق الإنسان والحق في الحياة والمواطنة المتساوية والحرية كقيم نبيلة تأسس للوجدان المشترك. وأما في ما يخص الثورة السودانية تكون اهدافها المستقبلية هو بناء تحالف عريض يكفل المشاركة الفاعلة لعامة الشعب والقواه الحريصة والمؤمنة في إحداث التغيير الجذري الشامل على أساس المواطنة المتساوية لمخاطبة جذور الأزمة التأريخية بوسائل النضال الثورى المبنية على الوعى بضرورة التحرر وأنهاء عهود الاستبداد والقمع وتأسيس دولة الرفاه ،مستداعية بذلك الذاكرة التأريخية ذات الإرث الراسخ والحضارة العريقة .
الهوامش :
Thomas M. Magstadt – Understanding Politics – ideas institutions and issues –Ninth edition –page 442.
Harke Paul- Critical terms in futures studies – page 120.
نفس المرجع ص 235
Hannah Arendt – On Revolution – Page 22.
Hannah Arendt – page 23.
On Revolution –page 28.
سليمان بو نعمات – دراسات فكرية (1) فاسفة الثورات العربية مقاربة تفسيرية لنمزذج انتقاضى جديد – ص 15 .
نفس المرجع – ص20
عزمى بشارة – الثورة والقابلية للثورة – ص 37.
نفس المرجع – 39
نفس المرجع –ص 45.
نفس المرجع – ص 48
الخالد غسان – الهابيتوس الغربي – قراءة سوسيو –معرفية في القيم والمفاهيم – ص 172.
David Robertson – The Routledge Dictionary of Politics – page 125.
الخالد غسان – الهابيتوس الغربي –قراءة سوسيو –معرفة في القيم والمفاهيم – ص 174.
نفس المرجع –ص 175.
Thomas Jansonki Robert – Alfred, Alexander Hicks and Mildred A, Schwartz The handbook of political sociology. states, civil societies and globalization –page 405.
D.W Edington – Theory and practice of Government handbook of current affairs for student in Africa. Page 4.
نفس المرجع – ص 5.