علم الإجتماع العام من النشأة إلى التفكير (5)
بقلم: عمار إسماعيل (فلسفة)
علاقة علم الإجتماع بالعلوم الأخرى:
أ- علاقتة بعلم الإقتصاد:
يعتبر الإنتاج والتوزيع في مقدمة إهتمامات علم الإقتصاد، لذلك يصب إهتمامه على علاقات ومتغيرات إقتصادية خالصة كالعلاقة بين العرض والطلب وإرتفاع الأسعار وهبوطها…ألخ
، ولكن بالرغم من تضيق مجال علم الإقتصاد إلا أن ذلك أعطاه قدرة على معالجة ظواهر بطريقة منظمة وحدد مقاييسه ومبادئه الأساسية بدقة متناهية، بل أن ّ قدرة هذا العلم على تحويل النظرية الإقتصادية إلى التطبيق العملي جعله مساهماً في رسم السياسات العامة.
بالرغم من ذلك التشابه بين علمي الإقتصاد والإجتماع نجده في طابع التفكير، فالإقتصادي كالإجتماعي يهتم بالعلاقات بين الأجزاء والسيطرة والتبادل والتغيرات بالطرق الرياضية في تحليل بياناته.
ب- علاقته بعلم السياسة:
التكيف السياسي مع المجتمع هو صيرورة ترسيخ المعتقدات والمتمثلات المتعلقة بالسلطة وبمجموعة الإنتماء، فليس هناك من مجتمع سياسي يكون قابلاً بإستمرار للحياة من دون إستبطان حد أدنى من المعتقدات المشتركة المتعلقة في أن ٍ واحد بشرعية الحكومة التي تحكم، بصحة التماثل بين الأفراد والمجموعات المتضامنة ، يهم قليلاً أن ْ تكون هذه المعتقدات ثابتة أولاً في حجتها، إذ يكفي أن تنزع الإنتماء (16)، فدراسة التكيف السياسي مع المجتمع يجب أن يُنظر لها من مظهر مزدوج ، كيف يُمكِّن بمساعدة تصورات ملائمة عرض هذه المعتقدات والمواقف والأراء المشتركة بين كل أعضاء المجموعة أو جزء منها ؟ وكيف التعرف على صيرورات الترسيخ التي بفضلها يجري عمل التمثيل والإستبطان؟
ومن هنا نجد أن علم الإجتماع يهتم بدراسة كافة جوانب المجتمع، بينما علم السياسة يكرس معظم إهتماماته لدراسة القوة المتجسدة في التنظيمات الرسمية، فالأول يُولى إهتماماً كبيراً بالعلاقات المتبادلة بين مجموعة النظم ( بما في ذلك الحكومة) بينما يهتم بالعمليات الداخلية كالتي تحدث داخل الحكومة مثلاً.
قد عبر ليبست (lipset ) عن ذلك بقوله ” يهتم عِلم السياسة بالإدارة العامة، أي كيفية جعل التنظيمات الحكومية فعالة، أما عِلم الإجتماع السياسي فيعني البيروقراطية، وعلى الأخص مشكلاتها الداخلية” ومع ذلك فان عِلم الإجتماع السياسي يشترك مع عِلم السياسة في كثير من الموضوعات ، بل أن بعض العلماء السياسيين بدءُ يزاولون إهتماماً خاصاً بالدراسات السلوكية ويمزجون بين التحليل السياسي والتحليل السوسيولوجي.
ج- علاقته بعِلم التاريخ:
إنّ تتبع التاريخ للأحداث التي وقعت هو في حد ذاته ترتيب وتضييق للسلوك عبر الزمن ، بينما يُولي المؤرخون إهتماماتهم نحو دراسة الماضي ويتجنبون البحث عن إكتشاف الأسباب (بإستثناء فلاسفة التاريخ) فان عُلماء الإجتماع يهتمون بالبحث عن العلاقات المتبادلة بين الأحداث التي وقعت وأسبابها، ويذهب عِلم الإجتماع بعيداً في دراسة ما هو حقيقي بالنسبة لتاريخ عدد كبير من الشعوب ولا يهتم بما هو حقيقي بالنسبة لشعب معين، والمؤرخون لا يهتموا كثيراً بالأحداث العادية التي تتخذ شكلاً نظامياً ،كالملكية أو العلاقات الإجتماعية داخل الأسرة كالعلاقة بين الرجل والمرأة مثلاً ، بينما هو محور إهتمامات عِلم الإجتماع ، إلا أن هذه الإختلافات لم تمنع بعض المؤرخين أمثال روستو فتزيف (Rostovtev) وكولتن (coulton) وبوركهات ( burkhardt ) من أن يكتبوا تاريخاً إجتماعياً يعالج الأنماط الإجتماعية والسنن والأعراف والنظم الإجتماعية الهامة ،
ولقد كان إبن خلدون واضحاً في تعريفه لعلم التاريخ عندما ربط الحاضر والماضي بطبيعة ” العمران و الأحوال في الإجتماع الإنساني” وجعل منه علماً ” شريف الغاية ، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضيين من الأمم في أخلاقهم “.
د- علاقته بعلم النفس:
يُعرَّف عِلم النفس بأنه عِلم دراسة العقل أو العمليات العقلية و بالتالي فهو يتناول قدرات العقل على إدراك الأحاسيس ومنحها معاني معينة ثم الإستجابة لهذه الأحاسيس العقلية كالإدراك والتعرف والتعلم، كما يهتم بدراسة المشاعر والعواطف والدوافع والحوافز ودورها في تحديد نمط الشخصية، وبينما يعد مفهوم ” المجتمع” أو النسق الإجتماعي محور عُلماء الإجتماع فإنَّ مفهوم ” الشخصية” هو محور عُلماء النفس الذين يعنون بالجوانب السيكولوجية أكثر من عنايتهم بالجوانب الفسيولوجية، وبهذا فإنَّ عِلم النفس يحاول تفسير السلوك كما يبتدئ في شخصية الفرد من خلال وظائف أعضائه وجهازه النفسي وخيراته الشخصية، وعلى العكس يحول عِلم إجتماع فهم السلوك كما يبتدئ في شخصية الفرد من خلال وظائف أعضائه وجهازه النفسي وخبراته الشخصية، وعلى العكس يحاول عِلم الإجتماع فهم السلوك كما يبتدئ في المجتمع و كما يتحدد من خلال بعض العوامل مثل: عدد السُكان و الثقافة و التنظيم الإجتماعي ، ويلتقي علم النفس والإجتماعي في علم النفس الإجتماعي الذي يهتم من الواجهة السيكولوجية الخالصة بتناول الوسائل التي من خلالها تخضع الشخصية أو السلوك للخصائص الإجتماعية أو الوضع الإجتماعي الذي يشغله ومن الوجهة السوسيولوجي في توضيح مدى تأثير الخصائص السيكولوجية لكل فرد أو مجموعة معينة من الأفراد على طابع العملية الإجتماعية، ويؤكد هومانز (homans) في كتابه عن السلوك الإجتماعي أهمية الدوافع النفسية المفروضة للجماعات في تفسير بناء الجماعة، ويضمن ذلك النشاط والتفاعل والمعايير و العواطف التي تنشأ عما هو إجتماعي، وهو بذلك يركز على أشكال السلوك الإجتماعي الذي يختلف بإختلاف المجتمعات والثقافات.
الخاتمة:
إن علم الإجتماع اليوم له أهمية بالغة في الحياة اليومية والمعرفية، لذلك يشهد هذا العلم تعداد في فروعه وميادين دراسته وذلك لتعقد الحياة ونتيجة التقدم الهائل الذي تشهده البشرية في شتى العلوم وكذا الإنفجار الهائل في المعلومات والتقدم التكنولوجي للإنسان المعاصر، وأيضاً ، له دور بارز في فترة الكوارث، والأزمات التي تمر بها المجتمعات
من حيث تحليلاته السوسيولوجية.