مقالات الرأي

مساوي دولة ٥٦: تحليل النظام المركزي في السودان

بقلم: مزمل الغالي، المحامي و الباحث في قضايا العدالة

بلا شك أن الحروب لها مساوي عديدة لا تحصى ولا تعد، وإذا نظرنا بزاوية أخرى نجد أنه يمكن أن يحدث تغيير إلى الأفضل. تعد حرب ١٥ أبريل من أخطر وأعنف الحروب التي حدثت في السودان، إذ، كانت من أكثرها عنفاً وانتهاكاً لحقوق الإنسان.

ولكن ما يجب أن ندركه جميعاً والذي قد يكون نقطة مراجعة وتصحيح بعد الحرب هو النظام السياسي والطريقة التي يدار بها السودان مُنذُ الإستقلال في عام ١٩٥٦، ولذلك نسميها بدولة ٥٦. ومن السمات التي نعتبرها من مساوي دولة ٥٦ هي (مركزية الخرطوم) حيث تمت تركيز السلطات، و الخدمات الأساسية فيها، وأصبحت مركزاً للسودان الشاسع بتنوعه الثقافي والاجتماعي.

وقبل التعمق في تفاصيل مساوي النظام المركزي وعيوبه مقابل النظام الفيدرالي، هناك مقولات كثيرة تعبر عن الفلاسفة والمفكرين وأهل السياسة عن أن الحرب ممكن أن تحدث تغييراً إلى الأفضل إذا ادركه الجميع.

الحرب ليست سوى محاولة بشرية لتحقيق السلام عن طريق القوة.” – ألبرت أينشتاين

“في الحرب، تكون المساواة ممكنة بين الجميع، فلا يمكن للأغنياء أو الفقراء أن يعتمدوا على مكاسبهم السابقة أو ثرواتهم.” – أرثر شوبنهاور

“قد تتسبب الحروب في تحطيم القيود الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مما يفتح الباب لتحقيق المساواة والعدالة.” – كارل ماركس

“عندما تقع الأمم في الحرب، يتم تغيير الأوضاع الاجتماعية والسياسية بشكل جذري، ويمكن أن يولد ذلك أنظمة أفضل وأكثر عدلاً.” – توماس هوبز

“الحرب قد تكون بداية لنهاية الظلم واستغلال الناس، فقد تجبر الأمم على التفكير بطرق أكثر إنسانية ومنصفة.” – نيلز بور

لنتذكر دائماً أن الحروب تحمل أوجهاً سلبية كبيرة وتتسبب في دمار ومأساة بالنسبة للعديد من الناس، وعلينا دائماً أن نسعى للسلام والحوار كأولويات لتحقيق التغيير والتحسين.

مركزية الخرطوم ، الخرطوم اختلفت الروايات حول سبب تسمية المدينة بهذا الاسم وحول أصل التسمية ومعنى اللفظ. فهناك من يقول بأن التسمية ترجع إلى شكل قطعة الأرض التي تقع عليها المدينة والتي يشقها نهري النيل ويلتقيان فيها مع بعضهما في شكل انحنائي يرسمان بينهما قطعة أرض أشبه بخرطوم الفيل، ولكن يتفق  الجميع أن اختيارها تم على يد المستعمر.

منذو تأسيسه عام ١٨٢١ على يد الحكم التركي المصري الي ان سقط في يد الثورة المهدية بعد الحصار الشهير (حصار الخرطوم)٢٦ يناير ١٨٨٥،الي ان تم إعادته كعاصمة قومية بعد سقوط الدولة المهدية على يد الحكم الثنائي (الانجليزي المصري) عام ١٨٩٩ الي العاصمة الوطنية بعد خروج المستعمر عام ١٩٥٦، إستحوذ الخرطوم على باقي موارد اقاليم السودان و أصبح القبلة الوحيد لكل السودانيين، حيث يجلبون منه الصحة، التعليم، و كل مطلوبات الحياة رغم بعده عن باقي اقاليم السودان، و إفتقاره لكثير من الموارد الي ان الخرطوم ملكت كل مقومات الحياة التي ينبغي أن تتوفر في كل مدن السودان.

بلا شك أن هناك مدن سودانية عريقة ذات حضارات ممتده و منتجة ولكن مركزية الخرطوم جعلت ذالك المدن تفتقر مقومات الحياة . لذا نجد ان  مدن السودان المختلفة هاجرت الي  الخرطوم ليس فقط من أجل جمالها و سحرها الطبيعي بل من أجل مقومات الحياة من الصحة و التعليم و غيرها من سبل العيش الكريم ، التي يجب أن تتوفر في كل مدن السودان، مما جعلت الخرطوم من أكبر المدن السودانية مكتزة بالسكان.

مركزية الخرطوم خلفت مشاكل عديدة منها، عدم تعزيز المشاركة المجتمعية، تهميش المناطق النائية، تكريس الفساد، ضعف الإبداع و الابتكار، بطء التنفيذ و الاستجابه. مما دعاء اقاليم السودان المختلفة برفع السلاح كوسيلة لنيل الحقوق، بعد أن طالبت بطرق السلمية بتوزيع العادل لثروة و السلطة لكل باقي اقاليم السودان و فك هيمنه التمركز من قبل النخبة الخرطومية مما سببت في انفصال جزء كبير و غني بالموارد الجزء الجنوبي ((دولة جنوب السودان)
والآن بسبب ذات السياسات والممارسات، وهيمنة الخرطوم أجزاء كبيرة من السودان محددة بالانفصال إن لم ندركه.

إن فشل النظام المركزي ليس في السودان فحسب بل ان هناك عدة تجارب لأنظمة مركزية فاشلة مثل، الاتحاد السوفيتي، و النظام المركزي في العراق عندما كان صدام حسين رئيساً للعراق ٢٠٠٣.

قدمت حرب 15 أبريل درساً مريراً عن فشل النظام المركزي في السودان. لقد أظهرت النزاعات والانقسامات العميقة بين المناطق والمجتمعات المختلفة، والتي تجلى عدم قدرة حكومات الولايات المختلفة بتلبية احتياجات المواطنين من تعليم، صحة و غيرها من متطلبات الحياة، حيث أن الحرب التي تدور في ولاية الخرطوم جعلت كل باقي الولايات الأخرى في حالة عجز تماما، لا تستطيع أن تفعل شيئاً، لأن الخرطوم مصدر القرارات و مصدر إعادة توزيع المنتجات الصناعية، التي موادها القام من الولايات التي تنتظر إعادة تصنيعها و إعادته كمنتج مُصنع في الخرطوم!!!   لذا من الأجدر ان تكون أليات التصنيع في أماكن الانتاج و كل إقليم تكون لها حق صناعت القرارات التي تعنيها .

بناءاً على الدروس المستفادة من الفشل الذي شهدته السودان تحت النظام المركزي، يبرز النظام الفدرالي كحلاً واعدًا لمعالجة التحديات الراهنة. يتميز النظام الفدرالي بتوزيع السلطة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية، مما يتيح فرصة للمناطق المختلفة للمشاركة الفعالة في صنع القرار وإدارة شؤونها الداخلية بناءاً على احتياجاتها وثقافتها الخاصة.

في النظام الفدرالي، يمكن للسودان أن توفر الخدمات العامة بشكل أفضل للمواطنين في جميع المناطق، حيث يكون للحكومات المحلية السلطة لاتخاذ القرارات التي تخدم مصالح المجتمعات المحلية. كما يمكن لهذا النظام أن يحمي حقوق الأقليات ويساهم في تعزيز العدالة الاجتماعية والاندماج.

أمثلة لأنظمة فدرالية ناجحة: الولايات المتحدة الأمريكية: يتميز النظام الفدرالي في الولايات المتحدة بتوزيع السلطة بين الحكومة الاتحادية والولايات الفدرالية، مما يسمح بتحقيق التوازن في الحكم والتركيز على احتياجات المناطق المختلفة.

ألمانيا: تمتلك ألمانيا نظامًا فدرالياً يجمع بين الحكومة المركزية والولايات الاتحادية، ويسمح للولايات بالحفاظ على هويتها الثقافية وتشريعاتها المحلية، مما يساهم في تعزيز التنوع والتعاون بين المناطق.

  • كندا: تعتمد كندا نظامًا فدرالياً يوزع السلطة بين الحكومة الاتحادية والمقاطعات، وهذا يساهم في تلبية احتياجات المجتمعات المحلية والأقليات الثقافية.

تتميز هذه الأنظمة الفدرالية بالقدرة على تحقيق التوازن بين الحكومات المركزية والمحلية، وتعزيز المشاركة السياسية وحقوق الأقليات، مما يساهم في نجاحها واستقرارها على المدى الطويل.
و السلام

مقالات ذات صلة

4 1 vote
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x