لماذا تدابير الأمم المتحدة؟انهيار أجهزة الدولة السودانية (٦)
بقلم: الصادق علي حسن
مثلما وردت لكاتب هذه المقالات عدة أسئلة واستفسارات من سودانيين مهتمين بما يجري في البلاد من حرب عبثية وانتهاكات جسيمة وأسعة النطاق، وهم يلتمسون معرفة المزيد عن تدابير الأمم المتحدة المجدية في وقف الحرب والجرائم الواقعة على المدنيين من الطرفين المتحاربين، هنالك أيضا عدة تعليقات وملاحظات ونقدا لموقف هيئة محامي دارفور من التقدم بطلب للأمين العام للأمم المتحدة لوضع السودان تحت البند السابع وفتح الباب للتدخل في الشأن الوطني الداخلي. ومن أولئك من أعاب على الهيئة ورئيسها مقابلة الأمين العام للأمم المتحدة بمقر الأمانة العامة بنيويورك وأعتبار ان ذلك من قبيل العمل السياسي لحزب رئيس الهيئة ، في اطار تبادل الرأي والرأي الأخر ساتناول بعض هذه الآراء بما فيها من أفكار ورؤى لاثراء النقاش فالغرض الأساسي تعلية المعرفة والحوار الموضوعي والوقوف على الأصلح والأفيد للبلاد في ظل ظروفها وأوضاعها الحالية.
أدناه رسالة الفريق صديق محمد أسماعيل النور والذي عمل بالشرطة وتدرج فيها، كما وفي العمل العام تولى مهام الأمين العام لحزب الأمة القومي ويشغل حاليا منصب نائب رئيس الحزب وله حضور سياسي في قضايا البلاد :
(بكل الاحترام والتوقير لهيئة محامي دارفور الا انني أحزن في تقديمها دعوة للامم المتحدة للتدخل في الشأن السوداني اعمالا لصلاحيات مجلس الأمن بموجب الفصل السابع الذي بالفعل هو أداة للامبريالية والصهيونية لاعادة سيطرتها علي الشعوب التي تحررت بتضحيات ونضالات وطنية ونحن في السودان كان لأهلنا من دارفور القدح المعلي وان طففه المطففون وذلك لبعض حين ان شاء الله .
من أين للهيئة حق تعريض الوطن للهيمنة والتدخل الدولي الغاصب دون اخذ رأي بقية اهل السودان وليس ادل علي ذلك ما جاء في تعقيب الحبيب العلامة القانوني الضليع
الذي له نصيب في ما فعله الآباء المحررون للوطن مولانا عبد الحميد احمد امين .
ان ما قام به رئيس الهيئه ورفيقه وكليهما ينتميان لطرح وفكر يماثل بل يتطابق مع فعل السفير البريطاني السابق صديق عرفان الذي يشرب من ذات موردهما والذي ساق رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك سوقا بل وصاغ له الخطاب الداعي للتدخل في السودان بعثة عسكرية وان تعدل الطلب لبعثة سياسية لاحقا وبموجبه دخلنا في الحقبة الفولكرية التي اوردتنا وبلادنا مورد الضياع بل الهلاك.
نما الي علمي من افادة لبعض المتابعين لنشاطهما المتصل بالامين العام للامم المتحدة بانهما طلبا تأمين تدفق التمويل اللازم لتوفير المساعدات الإنسانية لللاجئين والنازحيين بل كافة المتضررين من الحرب اللعينة والتي كان للامم المتحدة دورا في صناعتها بفعل قائد البعثة الاممية والذي عرف ماضيه بالولوغ في خراب وتدمير الشعوب ، فإن كان ذلك كذلك فأهلا ومرحبا .
اري ان الكتلة المدنية التوافقية المطلوبة لإنقاذ ما يمكن انقاذه من الدولة السودانية يمكن للهيئة ان تسعي وتُجد لتشكيلها بدلا من طرق الابواب لزرع الرياح والتي لا تنتج الا اعاصير علي قول المثل الصيني(Whoever sows winds will reap hurricanes)).
لقد أعاب الفريق صديق على هيئة محامي دارفور ورئيسها الذي طلب من الأمين العام للأمم المتحدة إعمال تدابير الأمم المتحدة لحفظ البلاد التي تتشظى بفعل الحرب العبثية الدائرة مع ان من مهام الأمين العام للأمم المتحدة تنبيه مجلس الأمن الدولي بأية حالة تهدد الأمن والسلم الدوليين وهذا الوصف ينطبق حاليا تماما على السودان ، كما وقد أعتبر الفريق صديق ان ذلك الطلب من قبيل طلب التدخل في الشأن الوطني السوداني الداخلي وذكر ان مجلس الأمن أداة للامبريالية والصهيونية لاعادة سيطرتها على الشعوب التي تحررت بتضحيات وطنية، كما تساءل من أين للهيئة حق تعريض الوطن للهيمنة والتدخل الدولي الغاصب دون أخذ رأي بقية أهل السودان ووصف ذلك الإتجاه بانه يتطابق مع فعل السفير البريطاني السابق صديق عرفان والذي ساق رئيس الوزراء عبد الله حمدوك سوقا بل وصاغ له الخطاب الداعي للتدخل في السودان بعثة عسكرية وان تعدل الطلب لبعثة سياسية لاحقا وبموجبه دخلنا في الحقبة الفولكرية التي اوردتنا وبلادنا مورد الضياع بل الهلاك. وختم الفريق صديق رسالته برؤيته ان الكتلة المدنية التوافقية المطلوبة لإنقاذ ما يمكن انقاذه من الدولة السودانية يمكن للهيئة ان تسعى وتُجد لتشكيلها بدلا من طرق الأبواب لزرع الرياح والتي لا تنتج الا اعاصير.
مما لا شك فيه ان الأمم المتحدة هي آلية منح الشعوب والدول التوصيف والاعتراف بالدولة الحديثة ،ولا توجد آلية أخرى بخلاف الأمم المتحدة، كما ان الدولة السودانية المستقلة اكتسبت صفتها من الأمم المتحدة وان كان في ميثاقها او ممارساتها كثيرا من العيوب ومراعاة مصالح وتوازنات لمراكز قوى الدول الدائمة العضوية صاحبة حق النقض (الفيتو) ولكن لا بديل لدول العالم سوى الأمم المتحدة خاصة لدولة مثل السودان ،إن موقف الهيئة ومثلها في لقائها بالأمين العام للأمم المتحدة وفدا برئاسة رئيسها صالح محمود ، وقد عبر وفد الهيئة عن موقف الهيئة وليس موقف التنظيمات الحزبية التي ينتسب إليها أعضاء وفد الهيئة ، كما ولا يوجد حتى الآن اي تنظيم سياسي أو حزبي سوداني دعا لوضع السودان تحت البند السابع ، أما بخصوص من أين للهيئة حق تعريض الوطن للهيمنة والتدخل الدولي الغاصب دون أخذ رأي بقية أهل السودان. فان طلب تدخل الأمم المتحدة الذي وصفه الفريق صديق بالغاصب في وأقع الحال ليس كذلك ، بل قد يكون التدخل الأممي هو ذلك الترياق لإيقاف تشظي البلاد وعبث أصابع دولة الإمارات ورئيسها محمد بن زايد بالسودان. كما بشأن من أين للهيئة الحق في تعريض الوطن للهيمنة والتدخل الدول الغاصب ، فان الحق في الحياة في التشريعات الوطنية حقا عاما أم في وثائق وميثاق الأمم المتحدة فهو حق إنساني ، والحق العام في الحياة في جرائم القتل لا يسقط بالعفو أو الصلح أو التعويض كذلك الحق الأممي الإنساني في حالات الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم العدوان وجرائم الحرب ، والجرائم المرتكبة بواسطة الطرفين المتحاربين من شاكلة الجرائم المذكورة ، وبالتالي الإبلاغ عنها للأمم المتحدة وأمينها العام هي من مسؤولية الكافة ولا تحتاج إلى تخويل أو تفويض من أي جهة .
حيثيات تقديرات :
حيثيات تقديرات الفريق صديق بان طلب تدخل الأمم المتحدة في السودان بانه طلب بالتدخل في شأن وطني داخلي كما وتجاهل الفريق صديق عضوية السودان في الأمم المتحدة والالتزامات المشتركة بين الأمم المتحدة والدول الأعضاء بموجب الميثاق والنظر إلى الأوضاع الحالية بالسودان وضلوع دولة الإمارات بقدراتها المالية الضخمة في الحرب الدائرة في السودان لدرجة ظهور أصابع دولة الإمارات ورئيسها في منظمة الإيقاد وهي ليست من دول الإيقاد او جارة للسودان، وفي ظل هكذا أوضاع يكون السؤال المجدي ما الذي يمكن فعله بخلاف اللجوء إلى الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي لا يملك القدرة.
أزدواجية التقديرات الخاطئة :
ظلت تقديرات الدولة السودانية خاطئة تجاه مهام الأمم المتحدة على الرغم من انها ظلت تسعى لتولى حتى ارفع مهامها ، وقد سبق ان برزت الأصوات ونشطت في الستينات لترشيح السيد محمد أحمد محجوب ليتولى منصب الأمين العام للأمم المتحدة (الإداري الأول للأمم المتحدة) كما وشغل السودان وللدورة الثانية مقعدا بالإنتخاب في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وبالتالي يباشر من موقعه بالمجلس مهام النظر في شؤون الدول الأخرى والتقرير بشأن أوضاعها وهي من شاكلة التدخل في الشأن الوطني الداخلي للبلدان المنضوية تحت الأمم المتحدة. ومن الأمثلة سبق ان طرح السودان مرشحا لتولي رئاسة لجنة فنية متخصصة بالأمم المتحدة مما أضطرت دولة بأمريكا الجنوبية لسحب مرشحها لصالح مرشح السودان الذي وجد المساندة من دول أفريقيا وكان مرشح السودان كما البلاد نفسها وقتذاك تفتقر للخبرة الفنية في تلك المهمة وهذه من الأمثلة المتداولة التي انتقصت من دور السودان ومكانته ومساهمته في الأمم المتحدة ، السودان يحتاج لإعادة النظر حول رؤيته لدور الأمم المتحدة ، وقد تأخرت تلبية السودان للمشاركة في مهمة حفظ السلام في دولة الكونغو كنشاسا في أوائل الستينات وفي محاولات أنقاذ حياة رئيسها باتريس لومومبا وهو أحد رموز التحرر الوطني الإفريقي من بطش قادة الإنقلاب العسكري بقيادة موبوتو بعد فترة وجيزة من الاستقلال، ذلك الإنقلاب المسنود بالمستعمر البلجيكي، وحفظت أفريقيا ولا تزال دولة الكنغو حتى اليوم تحفظ للرئيس المصري جمال عبد الناصر مشاركته بقوات حفظ سلام بقيادة (العقيد وقتذاك) الفريق سعد الدين الشاذلي والتي شاركت في اجلاء اسرة لومومبا إلى القاهرة بعد قتله بواسطة عملاء الإستعمار .
السودان ليس له مشاركات في بعثات السلام الأممية ومصر الجارة تعد الدولة الخامسة في العالم من حيث المشاركات في بعثات حفظ السلام في العالم وبخلاف أفريقيا شاركت مصر في ٣٧ بعثة سلام دولية وأنشأت القاهرة في عام ١٩٩٥م مركز القاهرة للتدريب على حل المنازعات وحفظ السلام في أفريقيا، لقد شاركت مصر في حفظ السلام في أفريقيا الوسطى وفي بناء الشرطة الوطنية في مالي كما وشاركت في ليبيريا ورواندا والصحراء الغربية وسيراليون وبورندي وبقوات في حفظ السلام في دارفور عام ٢٠٠٤م، وقد فات على السودان شرف المشاركة في بعثات السلام الدولية وهو يقوم يتفويج الجنود (المرتزقة)إلى دولتي السعودية والإمارات للحرب في اليمن نيابة عنهما، ودولة الإمارات نفسها هي الآن الداعمة الأولى للحرب في السودان بعلم قيادة الدولة التي لم تكشف للرأي العام حتى الآن لماذا الإبقاء على الجنود السودانيين باليمن للحرب لصالح دولة الإمارات والرجل الثالث في قيادة الدولة الفريق أول ياسر العطا يجأر بالشكوى خارج النظم الدبلوماسية والقنوات الرسمية من ضلوع دولة الإمارات في الحرب على السودان .
إن هيئة محامي دارفور لم تتقدم للأمين العام للأمم المتحدة بطلب لإعمال تدابير الأمم المتحدة بوضع السودان تحت البند السابع سوى لتحقيق أغراض حفظ ما تبقى من البلاد من التشظي والإنفلات التام ، فمن مهام الأمم المتحدة الحفاظ على أمن وسلامة أعضائها.
وحيث يرى الفريق صديق (بانه كان الأصوب والأفيد للسودان وأهله ان تشخص الهيئة موقف وسلوك دولة الإمارات العربية المتحدة وتصرف قيادتها الذي أكده ما قام به الشيخ شخبوط في جيبوتي عقب انفضاض سامر قادة الإيقاد، أقول الأفيد والأنفع ان تقوم الهيئة بالتكيف القانوني لذلك السلوك بأنه اعتداء من دولة عضوة في الأمم المتحدة على أخرى مثلها ومطالبتها بتوصيفه انه فعل يهدد السلم والأمن الدوليين لردع الدولة المعتدية؟ وعندئذ تكون الهيئة قد أدت دورها الوطني وقامت بواجبها المهني). يتفق كاتب المقال فيما ذهب إليه بشأن التكييف القانوني لدور دولة الإمارات في الحرب الدائرة في السودان ، اما بشأن موقف الهيئة والإجراءات المتخذة ، فالهيئة لم تفصح حتى الآن عما تنوي اتخاذها من إجراءات يمكن ان تطال الأطراف الخارجية المتورطة في الحرب، وطالما لم تفعل ذلك، فمن السابق لأوانه بالنسبة لكاتب هذا المقال الحديث في ذلك الأمر .