لماذا تدابير الأمم المتحدة؟ انهيار اجهزة الدولة السودانية (٤)
بقلم: الصادق علي حسن
الآن، لا توجد أجهزة لدولة ذات سيادة في السودان ، إن السيادة من أهم أركان الدولة في عالم اليوم ، دولة السودان الآن تتشظى على أيادي عناصر اللجنة الأمنية للنظام البائد في صراعات جنون السلطة وخدمة الأهداف الذاتية والإقليمية وعلى رأسها مشروعات ومغامرات رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد ، الطرفان المتحاربان وهما البرهان وأعوانه من جهة وحميدتي وحلفاءه من جهة أخرى يتحملان المسؤولية التامة جراء كل ما يحدث بالبلاد من قتل وتدمير . ويجب ان يتم توعية الشعب السوداني بخطورة مآلات الأوضاع بالبلاد حتى لا تنزلق البلاد في أتون الحروبات الأهلية الطاحنة وتفادي ٱخطاء التبرير لطرفي الحرب العبثية ، إن الدولة الحديثة وتقسيماتها الحالية هي من صنيعة الأمم المتحدة ، وقدحدد ميثاق الأمم المتحدة ماهية الدولة ، من تجارب العصر الحديث تطورت عصبة الأمم المتحدة إلى تجربة الأمم المتحدة وتمثل الأمم المتحدة حاليا الشرعية الدولية، وكانت الدولة قبل ذلك ممثلة في الأمير أوالملك أوالسلطان أوالأمبراطور أو الخليفة، كما وحدود الدولة الجغرافية في السابق، كانت نطاق سيطرة الأمير او الملك او الامبراطور او الخليفة على الأراضي وشعوبها التي تخضع وتدين له بالولاء، وكانت المواطنة هي عقد الولاء بين الحاكم والرعية كما وكانت أجهزة الدولة هي بطانة وحاشية الحاكم. إن تجربة الأمم المتحدة من تجارب التطور الإنساني،وهي الآن التي تمنح الاعتراف بالدولة وصفتها وشرعيتها وإلى حين ان تصل التجارب الإنسانية إلى تجربة ووسائل بديلة للأمم المتحدة، تظل نظم الأمم المتحدة و ميثاقها السائد يمثلان مرجعية الدول والشعوب.
وبحسب ميثاق الأمم المتحدة فإن الوصاية الدولية هي من آليات الأمم المتحدة ، كما والهدف منها ترقية الشعوب وانهاء أوضاع الإستعمار والانتداب التي تمارس على الدول والشعوب بواسطة الدول الأخرى ، وليست الوصاية الدولية لأغراض تكريس التدخل الأجنبي اوالاستعمار كما يزعم او يرى ذلك ، او من يتلابس عليه فهم ماهية الوصاية الدولية ، إن نظام الوصاية الدولي من انظمة ومهام أجهزة الأمم المتحدة لمساعدة اقاليم الشعوب المشمولة بالوصاية في تقرير مصائرها، وتتم مباشرة الوصاية بواسطة مجلس الوصاية الذي تم تعليق أعماله في عام ١٩٩٤م بعد استفتاء شعب بالاو ونيل الإقليم المذكور لاستقلاله واعتراف الأمم المتحدة به . البروفيسور مهدي أمين التوم عرض حيثيات متماسكة لوضع السودان تحت الوصاية الدولية بعد ان فشلت النخب المتعاقبة في إدارة دولة السودان وتوارثت الأجيال النتائج الفاشلة وطالت الحروب بالخراب والدمار والموت الدولة، وصار الإنسان نفسه هدفا للقتل الجزافي بلا سبب . إن كل مبررات البروفيسور مهدي أمين التوم في التماس نظام الوصاية الدولي للبلاد صحيحة ، ومن غرائب تصاريف الأقدار ان السودان الذي حظي بأعظم مشروع لتأسيس دولة، وهي الدولة الوحيدة في قارة أفريقيا التي تأسست على مشروع دولة ديمقراطية أجهزتها تنتخب من اقاليمها، كما وان ما لا يدركه عموم الشعب السوداني ان مشروع تأسيس دولة السودان لا يماثله في مشاريع تأسيس الدول الحديثة الأخرى من المستعمرات البريطانية أو غيرها سوى مشروعي تأسيس دولتي أستراليا وكندا، والمؤسف حقا ان من أسباب الحرب المعلنة الآن رفع شعارات المطالبة بالقضاء على مشروع تأسيس الدولة السودانية وقواعده المجازة في عام ١٩٥٥م ، من دون التفريق بين مشروع تأسيس الدولة في حد ذاتها وأخطاء ممارسات الحكومات التي تشكلت وتعاقبت منذ إعلان استقلال البلاد في عام ١٩٥٦م .
- هل بالإمكان الوصاية الدولية على السودان :
هنالك مصلحة لشعب السودان في اللجوء إلى الأمم المتحدة لطلب العون اللازم كما وان مواطن الدولة السوانية الآن يقف أمام منافذ مكاتب الأمم المتحدة يطلب اللجوء وحماية الأمم المتحدة،وفي الطلبات التي تقدم كافة انواع القضايا التي تبرر أسباب التماس اللجوء وحماية الأمم المتحدة للدولة نفسها بمواطنيها . فطالما ان مواطن الدولة السودانية الآن يتدافع بالمناكب أمام مكاتب الأمم المتحدة ليلتمس الحماية منها، فمن باب اولى البحث عن أسباب الحماية للوطن ومواطنه معا.
إن الوصاية بحسب أحكام الفصل الثالث عشر من ميثاق الأمم المتحدة والمادة ٧٧ منه مقروءة مع أحكام الفصل الثالث عشر من الميثاق ، تكون الأقاليم مشمولة بالوصاية بمحض اختيار دول مسؤولة عن إدارتها، لذلك حينما يتم التماس الوصاية من الأمم المتحدة فإن دولة السودان حتى الآن تعد دولة مستقلة ، وليست خاضعة لإدارة دولة أخرى او ان هنالك دولة مسؤولة عنها . كما وتتطلب نظام الوصاية الدولي بموجب احكام المادة ٧٧ من الميثاق اتفاقيات فردية مع الدول القائمة بالإدارة وهذه الشروط لا تتوافر في حالة دولة السودان المستقلة، وإذا بالإمكان تأسيس طلب الوصاية للأمم المتحدة عملا باحكام المادة ٧٦ من الميثاق وإستنادا للأهداف الأساسية لنظام الوصاية ومقاصد الأمم المتحدة ، يأتي السؤال، من الذي يجوز له تقديم الطلب إلى الأمم المتحدة؟ كما وفي حالة أي إجابة محتملة تتوالد أسئلة أخرى بتفاسير متعددة في ظل تقاطعات المصالح الإقليمية والدولية داخل أروقة الأمم المتحدة، لذلك، فإن الإتجاه السليم في تقديري المتواضع يتمثل في التماس تدابير الأمم المتحدة تحت البند السابع، المادتان ٤١و٤٢ وتنصان على الآتي؛
المادة ٤١ :
(لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله ان يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية و البريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئيا او كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية)
المادة ٤٢ :
(إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة (٤١) لا تفي بالغرض او ثبت انها لم تف به، جاز له ان يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي، او لإعادته إلى نصابه، ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية او البحرية او البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة).
لا شك ان اجهزة الدولة السودانية الآن في حالة انهيار تام وقد تحولت الدولة إلى مراكز لمجموعات مسلحة، البرهان وأعوانه من عناصر حزب المؤتمر الوطني يرفعون شعارات معركة الكرامه، حميدتي وحلفاؤه يرفعون شعارات الحرب من أجل الديمقراطية وحركات مسلحة لا حصر لها بلا مشروعات سياسية تتدثر بغطاء مطالب ظلامات التهميش وتتزود بالبنادق والمدافع والدانات ، ونخب جائلة من اصحاب الياقات البيضاء بين المطارات الخارجية ، وغالبية الشعب السوداني في حالة نزوح وتشرد فرارا من القتل الجزافي ، لذلك تدابير الأمم المتحدة بموجب المادتين ٤١و٤٢ قد تكون الآلية المناسبة لوقف الحرب والدمار، ومن يريد ان يتحقق بنفسه ، عليه التدقيق في نصي أحكام المادتين المذكورتين اعلاه، كما وساستعرض المزيد من الوقائع للتوضيح في مقالنا القادم بمشيئة الله -نواصل.