لماذا تدابير الأمم المتحدة ؟انهيار أجهزة الدولة السودانية (٨)
بقلم: الصادق علي حسن
في الرأي والرأي الأخر ، وردا على تعليق د أحمد محمد آدم في رسالته ورأيه المنشور في المقال السابق (٧)، كتب د قيس محمود حامد الأكاديمي والمحاضر الجامعي بجامعة الجزيرة وهو من الذين ظلوا يدافعون عن الحقوق والحريات العامة بالبلاد الرأي التالي :
(اسمح لي أن اختلف قليلا مع صاحب التعليق على مقالك في قوله أن هذه الحرب كانت ستقوم ومتوقعة.. الحقيقة أن هذه الحرب الدائرة الآن هي امتداد لكل الحروب التي قامت والمستمرة منذ بدأ الاستقلال وبنفس الأسباب ونفس الشعارات..الأسباب نقض المواثيق ( الحكم الذاتي للجنوب ..اتفاقية أديس أبابا..اتفاقية نيفاشا وتبادل رئاسة الحكومة التنفيذية في جنوب كردفان والنيل الازرق وصولا للاتفاق الاطاي) اما الشعارات التهميش وإنهاء دولة ٥٦ كانت حاضرة في كل الحروب..إذا لا جديد في هذه الحرب الا الجغرافيا، نفس المآسي والانتهاكات والممارسات ولو إنها في الدورات السابقة من حرب السودان(الاستخدام مقصود حرب وليست حروب).. كانت الانتهاكات الأكبر من نصيب الحكومة التنفيذية أو الحكومة المركزية والآن الطرفين هم الحكومة المركزية نفسها لذا ظهرت انتهاكات طرف أكبر من انتهاكات الطرف الآخر وذلك يعود في اعتقادي لأن الطرفين هم المركز ليس المركز الجغرافي وإنما مركز السلطة الذي توسع بسببه الهامش و دخلت فيه مناطق لم تشهد الحرب في المراحل الأولى لحرب السودان..الجغرافية هي الفرق الوحيد بين الدورة الحالية والدورات السابقة مع الوضع في الاعتبار أن مساحة الحرب كانت باستمرار تتسع فجغرافيا الدورة الأولى ليست هي هي جغرافيا الثانية وهكذا).
لقد أوضح د قيس في تعليقه الذي اتسم بالمنطق والموضوعية بان المركز هو مركز السلطة الذي تكٌون بالخرطوم ثم توسع بسببه الهامش ودخلت فيه مناطق أخرى لم تشهد الحرب في المراحل الأولى لحرب السودان. وهذا الرأي الذي تناوله د قيس هو ذلك الفهم الصحيح لمصطلحي المركز والهامش في سياق الحالة السودانية ، كما والباحث يجد بان وصف نخب المركز في نفس السياق ينطبق تماما على حميدتي وكذلك على د جبريل ابراهيم ومني أركو مناوي والذين كانوا بمجلس السيادة وابعدوا منها عقب التنازع على السلطة من عسكريين ومدنيين ومن تبقوا بالسلطة وعلى رأسهم مالك عقار الذي صار من نخب المركز ولا يزال يتدثر بغطاء الهامش ، فالمركز والهامش هما عبارة عن نهج وسلوك وتوضيحات د قيس كافية. إن الواقع الحالي بالبلاد قد تجاوز شعارات المزايدة بشعارات المركز والهامش ومن ثمار الحرب سيصل رجل الشارع العادي بنفسه لهذه الحقيقة بعد حصاد السراب . لقد انتجت كوارث الحرب العبثية أسباب الوعي الجمعي للأجيال الحاضرة والقادمة، لذلك المرحلة الحالية هي مرحلة بلورة الوعي النامي لإنتاج المواقف لصالح بناء دولة المستقبل ولأجيال المستقبل بأسس سليمة، وقد صارت دائرة الوعي تتوسع يوميا في الشارع العام . إن حرب الجنوب والحرب في دارفور بالرغم من فظاعاتها فمن ثمارهما الوعي وفضح شعارات حركة الإسلام السياسي. اما الحرب العبثية الدائرة حاليا بين عناصر اللجنة الأمنية للنظام البائد وشركاؤهم المدنيين على السلطة فهي مرحلة مفصلية بين حقبة ما بعد الاستقلال وحقبة الوعي واستدراك الحقائق للحاق بركب العصر، وما يحدث بفعل الحرب العبثية الدائرة من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان فهي بمثابة التمارين القسرية لأجيال المستقبل للتلمذة على وسائل بناء حياة أفضل قوامها المساواة بين كل مكونات الدولة السودانية واحترام التنوع والتعدد وحقوق الإنسان رغم كلفة فاتورتها الباهظة .
الفلول يقتلعون الفلول .
الحرب العبثية الدائرة حاليا هي حرب الفلول على الفلول وبالفعل الآن الفلول يقومون باقتلاع الفلول، ومن الأفضل للشارع ان يعمل على تجميع صفوفه ورصها والإستفادة من دروس تجربة ثورة ديسمبر المجيدة ، وان لا يشغل نفسه بحملة الشعارات كما وان يركز كل جهوده في العمل المشترك بأسس ووسائل جديدة تضمن انتاج الحلول القاعدية. إن وعي الشارع المتنامي يجعله يدرك بنفسه أهمية عدم تكرار نفس تجارب الأخطاء المريرة السابقة ومرحلة د.حمدوك وقوى الحرية والتغيير والشعارات البراقة الخاوية .
- ظاهرة حركة الإسلام السياسي بالسودان هي أشبه ما تكون بظاهرة الصهيونية في اسرائيل فالحركتان تستخدمان الحمية العرقية والغطاء الديني في تبرير استهدافهما للسلطة والثروة كما ويستثمران في خطاب الكراهية، والاختلاف بين الظاهرتين ان ظاهرة حركة الإسلام السياسي بعد مفاصلة زعيمها الترابي مع تلاميذه فقدت البوصلة تماما وبفقدها لمرشدها نشأت عدة مسارات بذات الأهداف الصدئة، على عثمان محمد طه بعد أفول مرحلة سطوة السلطة وفصل الجنوب والحرب العرقية في دارفور لا يزال يدعو من كسلا الأهالي البسطاء لإراقة المزيد من الدماء من أجل نزواته السلطوية وهو نفسه وأسرته في مأمن ، ولا يدرك هذا الرجل بان أداة الأمس حميدتي لممارسة القتل الجزافي وتشريد الآمنين تحت غطاء الدين لم يعد هو نفسه حميدتي كما ان الدعم السريع لم تعد كذلك . الأستاذ محمود محمد طه يكاد يكون هو الوحيد الذي خبر ظاهرة حركة الإسلام السياسي وقد كتب عنها بعمق صاحب البصيرة النافذة، ومن ضمن ما كتب عن هذه الظاهرة والجماعة المهووسة بالسلطة وحب الدنيا و المتدثرة بغطاء ولبوس الدين الآتي (من الأفضل للشعب السوداني ان يمر بتجربة صناعة الهوس الديني، وسوف تكون تجربة مفيدة للغاية ، إذا انها بلا شك ستبين لأبناء هذا الشعب مدى زيف شعارات هذه الجماعة، وسوف يذيقون الشعب الأمرين، وسوف يدخلون البلاد في فتنة تحيل نهارها إلى ليل، وسوف تنتهى فيما بينهم، وسوف يقتلعون من أرض السودان إقتلاعا).
لقد أستغل د الترابي وتلاميذه فطرة تدين الإنسان السوداني لتحقيق مشروعه السياسي الذي أطلق عليه المشروع الحضاري ، وهو قد انتقل إلى الملكوت يلاحقه في الدنيا الشكوك في مدى ايمانه بالدين كما كتب في ذلك قبل وفاته الدكتور عبد الله بُرات، وكان الترابي نفسه في قمة سطوته على عقول تلاميذه كتب في منشور له بعنوان الدعوة التجديدية بان تدين السوداني فطري وسطحي وذلك نغمة ونعمة في ذات الوقت ، وعن النغمة قال انه تدين بلا معرفة اما عن النعمة فقال بان ذلك تربة خصبة لإعادة صياغة الإنسان السوداني. لم يقل الترابي ان من النعمة تعليم السوداني بالدين الصحيح ولكن قال ان في النعمة سهولة صياغة الإنسان السوداني بمفاهيمه التي أطلق عليها المشروع الحضاري.
عقب كل هذا الخراب والدمار بشعار تحقيق الديمقراطية ومحاربة الفلول، من تم تعينه لإدارة مدينة نيالا بعد نزوح سكانها هو رئيس حزب المؤتمر الوطني بنيالا كما هو نفس الحال في مدن ولايات دارفور الأخرى. حسبو عبد الرحمن ضابط الأمن السابق ومفوض العون الإنساني ونائب المخلوع البشير والذي تربي في كنف حركة الإسلام السياسي هو الآن يحارب الفلول من أجل الديمقراطية ، سليمان صندل حقار الذي عرف السياسة من خلال منشورات الترابي وكان يستخدم العصى والسيخ بالجامعات ضد زملائه من خصوم الرأي السياسي كما ويرفض لغة الحوار وهو طالبا ثم ضابطا مسؤولا عن الشرطة الشعبية وأجهة الأمن الشعبي بجنوب دارفور وعلى يديه تمت الملاحقات والاعتقالات التعسفية لمنسوبي أحزاب القوى المعارضة يعلن معارضته لدكتور جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة بحجة ارتماء الأخير في أحضان الفلول ويؤسس لنفسه حركة مماثلة وهو الآن برفقة د حمدوك يلتقى بحميدتي في أديس أبابا من أجل تحقيق الديمقراطية وهي مسجى بالدماء بمدن البلاد النازفة .
في ظل حرب الفلول على الفلول يجب ان تكون الرسالة السامية نشر الوعي لإيقاف الحرب ، وبمثل مناهضة الحرب والمطالبة بإيقافها ايضا بالضرورة مكافحة المتاجرة بالشعارات . المحك في الأفعال وليس الأقوال ، وقد صار التبرير للحرب برفع شعار تحقيق الديمقراطية مثل رفع قميص سيدنا عثمان في معركة الجمل الشهيرة.