مآلات الوضع الراهن بالسودان والسقوط الوشيك للإنقلاب
عبد الحميد عبد الله ( باقا )
من الملاحظ أن الفعل الثوري ظل في وتيرة متنامية ، وقد إتسعت رقعته حتى شمل المدن والقرى التي لم تكن جزءًا من الحراك ، بل الأشخاص الذين كانوا في منطقة الحياد أصبحوا اليوم ضمن مناهضي الإنقلاب.
رغم إيماني القاطع بأن الحياد في وقت الظلم لا يعني سوي الجبن والخيانة ، ولكن أن تأتي متأخرً خيرٌ من لا تأتي ، وبهذا أصبح هؤلاء جزءا من الثورة المجيدة!.
في تقديري أن انقلاب البرهان قد خلق وحدة وطنية وجعل من الذين كانوا ضد الثورة ، ينضمون إليها.
ظل الشعب السوداني ومنذ عقود متطلعاً إلي بناء وطن ديمقراطي حر ومرحباً به في المحافل الدولية ، ومؤسسات رشيدة.
إن الحرية والسلام والعدالة هي شعارات الثورة ومبادئها ، قد أضحت قناعات الشباب الثائر ، ويعود الفضل إلى ثورات الكفاح المسلح التي انطلقت منذ عشرات السنوات، من أجل مناهضة الظلم والإستبداد وتحقيق هذه القيم الإنسانية النبيلة ، وبناء دولة المواطنة المتساوية.
وساهمت هذه الحركات الثورية بالقدح المعلي في تحرير عقول الشعب السوداني ، وغرس مبادئ الثورة في قلوب وأذهان الكثيرين ،
فضلاً عن مساهمتها الكبيرة في تآكل حكومة الإسلاميين ، مما مهد الطريق إلى قيام ثورة ديسمبر المجيدة ، التي لم تحقق كامل أهدافها بسبب تهافت الأحزاب وإبرامها صفقة، وبالتالي حرفوا قطار الثورة عن مساره، العسكر ، وإنتهى بهم المطاف إلى إنقلاب عسكري مشؤوم ، ولكن الشعب السوداني وبجسارته المعروفة لم يستسلم للإنقلاب، بل هنالك توافق جمعي وإرادة قاطعة لإستكمال الرحلة الثورية وهزيمة الديكتاتور الجديد ، رغم العنف المفرط والإستهداف الممنهج للثوار ، وبمخالفة تامة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وكذلك المبادئ السامية لحقوق الإنسان ، وإنتهاك صارخ للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، بل أن الإنقلابيون لم يحترموا حتي وثيقتهم الدستورية التي وقعوها مع حلفاء الأمس!.
إن الإعتقالات والملاحقات والبلاغات الكيدية للمعارضين وشباب لجان المقاومة ، لم تكسر إرادة الثوار بل أعطتهم دافع أكبر لإسقاط الإنقلاب.
إن معظم البلاغات الكيدية بحق الثوار إنتهي بها المطاف إلي الشطب لعدم كفاية الأدلة أو بغياب الشاكي، لجهة أنها لم تؤسس علي أرضية قانونية صلبة ووقائع جنائية تقف ساقين.
إن مؤشرات هزيمة الإنقلاب قد أصبح واضحة للعيان ، وقد لوّح بها قائد الإنقلاب “البرهان” أثناء حواره في “تلفزيون السودان” مع الإذاعي “لقمان أحمد” ، كما أن مواكب ٢٤ فبراير قد أوضحت روح التحدي لدى الثوار وطردهم لعسس الإنقلاب رغم الآلة القمعية والإنتشار الأمني الكثيف.
خلاصة الأمر ، أرى النهاية المأساوية لإنقلاب ٢٥ أكتوبر ، مع إزياد الوعي الثوري الرفيع ، والتفكك الداخلي للإنقلاب وعدم الثقة بين مكوناته ومحاولات بعضهم القفز من المركب الغارقة.
وكذلك الإنهيار الإقتصادي وتردي الأمن والخدمات ، سوف تكون عوامل حاسمة في سقوط الإنقلاب ، ومن ثم سوف تكون الفرصة مناسبة للسودانيين كي يجلسوا في حوار سوداني سوداني لمخاطبة جذور أزمات بلادهم التاريخية، والتوافق على حكومة مدنية بالكامل تقود الفترة الإنتقالية وفق مشروع وبرنامج وطني ، عنوانه تصفية النظام البائد ومؤسساته ومحاكمة رموزه ، وإعادة هيكلة جميع مؤسسات الدولة وفق أسس قومية جديدة ، وتحقيق سلام عادل وشامل ومستدام.
25 فبراير 2022م