مستقبل العلاقات السودانية المصرية بمقر الحزب العربي الديمقراطي الناصري بالقاهرة (٢)
بقلم: الصادق علي حسن
في ندوة مستقبل العلاقات السودانية المصرية بمقر الحزب العربي الديمقراطي الناصري بوسط البلد، قلت في حديثي أن العلاقات الراسخة بين الدولتين (السودان ومصر) تتطلب وجود أجهزة مستقرة بالدولة السودانية والآن لا توجد أجهزة مستقرة بالسودان كما ويشهد السودان حالة اللادولة ، وفي ظل هكذا أوضاع غير مستقرة لا يمكن تأسيس أو قيام مشروعات مبنية على دراسات وخطط حول مستقبل علاقات راسخة بين البلدين وقد شاعت ثقافة الفوضى وتعددت مراكز إدارة الدولة وتمددت الصراعات بكل أنحاء البلاد وقد صار الجيش الضامن لوحدة وأمن البلاد طرفا من أطراف الحرب الدائرة كالمجموعات والحركات والمليشيات المسلحة وكثرت الأطراف الداخلية المتحاربة والأجندات الخارجية ، ولا تمتلك الوساطة الدولية أي رؤى أوخطط كما ومجلس الأمن الدولي يتأثر بموازنات المصالح داخله وللدول الخمس دائمة العضوية مصالح قد تتعارض أو تتوافق فيما بينها،لذلك لايجد الوضع الحالي في السودان الإهتمام المناسب في الأمم المتحدة وأجهزتها خاصة وأن السودان ليس له أي قدر من التأثير السياسي الدولي المعتبر ومثقلا بالإلتزامات ومركزا لتقاطعات المصالح الدولية كما واستشهدت بتقرير فريق لجنة الخبراء المشكلة بموجب القرار ١٥٩٣ والتي توصلت لأدلة ذات موثوقية بدعم دولة الإمارات لقوات الدعم السريع بالسلاح والعتاد الحربي في مخالفة وأضحة لقرارات المجلس المذكور ، ولكن لم يتخذ المجلس أي تدابير بموجب التقرير الذي قدم له وقد وضع في المنضدة كتقارير عديدة ترد للمجلس بصورة دورية راتبة وتم تمديد فترة عمل فريق لجنة الخبراء لعام من دون التقرير بشأن ما ثبت من مسلك مخالف لقرارات مجلس الأمن الدولي، الضحايا مجرد أرقام ومساهمات الأمين العام للأمم المتحدة الراتبة الشجب والتنديد . ذكرت في حديثي أن قيادات القوى الحزبية والسياسية السودانية لم تعد مؤثرة مثل قيادات الأمس وظهرت قيادات وسط الأجيال الجديدة وذكرت الإمام الصادق المهدي كمثال ودوره ، إن تقرير فريق لجنة الخبراء المذكور لم تحض قيادات القوى الحزبية والسياسية السودانية لتنظر بدوافع المسؤولية الوطنية في التقرير وقد قدمت أدلة ذات موثوقية بمجلس الأمن الدولي بشأن دولة تدعم الحرب بالسودان وبعض هذه القيادات تغض الطرف وهي تقيم بالدولة المعنية وتحصل على مزايا من حكومتها ففي ظل هكذا أوضاع لن تتأسس علاقات مستقرة،وقد صارت الأجيال الجديدة بالسودان تعبر بوسائل أخرى وبدأ دور الأحزاب يتضاءل تدريجيا كما والراجح في المستقبل بروز تكوينات سياسية جديدة بقيادات جديدة تشغل مساحات الفراغ العريض وتتصدر المشهد السياسي، والمؤسف حقا أن العمل السياسي والحزبي في المستقبل بالسودان لن يمارس في غالبه إنطلاقا من البرامج والأهداف والولاءات السياسية والحزبية ولكن سيقوم على التحالفات القبلية والجهوية مما قد يساهم في اضعاف ركائز الدولة المدنية السودانية الهشة، وستكون أي ممارسة ديمقراطية قادمة شائهة فالتنافس يقوم على التحالف المستتر بين القبيلة والقبائل المتحالفة معها في ومواجهة الخصوم في الدائرة الإنتخابية تحت غطاء مرشح حزبي أو مرشح مستقل أو برعاية ودعم الكيانات أو المجموعات المسلحة أوالتنظيمات التي ستلج مضمار سباق العملية الانتخابية بحثا عن التمثيل النيابي والدور السياسي والنفوذ والسلطة حيثما صارت الانتخابات العامة معيار التنافس على السلطة.
قحت وتقدم لا تقبلان النقد.
العديد من أنصار قحت وتقدم وقد يكون فيهم من لم يحضر الندوة أو يستمع إليها أو سمعوا بالندوة وحديثي عن ضعف دور الأحزاب وأن الحرب الدائرة من نتائج الوثيقة الدستورية المعيبة التي قننت لأول مرة مشاركة الجيش في السلطة التنفيذية والسياسية بموجب أحكام الوثيقة المذكورة فخرجت منهم آراء ترى أن الشراكة ما بين المكون المدني والعسكري كان لا بد منها وهنالك استحالة لإبعاد الجيش عن المشاركة في السلطة وأن التغيير لم يكن ليحدث فعليا إلا بانحياز الجيش، من الأخطاء المتراكمة أن يُصور السياسي للسوداني العادي أن قيادة الجيش هي مؤسسة الجيش فالجيش بموجب أحكام قانون قوات الشعب المسلحة السودانية هو مؤسسة خدمة عسكرية عامة وظيفتها حماية البلاد ومقار عملها وأنشطتها تطلق عليها الثكنات ويخضع الجيش بالقانون للسلطة السياسية التي تمثل الدولة بموجب مرجعية الدستور الصحيح فقيام الجيش بمهامه لا يمنح بعض أفراد من قيادته الحق في استغلال المؤسسة العسكرية والتخلي عن مهام الجيش والدخول في التفاوض بإسم الجيش مع المدنيين ليمارس الجيش العمل التنفيذي والسياسي الذي أضر بالجيش والبلاد.
لقد قلت في الندوة المذكورة بأن الحق في ممارسة العمل السياسي والمدني والتنظيم وحرية الفكر والإعتقاد من حقوق الإنسان الأساسية وعزل المؤتمر الوطني وحركة الإسلام السياسي بصورة سليمة يكون من خلال ثلاث حالات وهي القانون أو الشرعية الثورية أو البندقية والعمل المسلح ، وبالنسبة لحالة العزل بالقانون فقد فرطت منظومة قحت في استعادة الحياة الدستورية للبلاد عقب نجاح ثورة ديسمبر المجيدة وقد كان يمكنها تحقيق نتائج الثورة في إستعادة الوضع الدستوري السليم ، ولو فعلت ذلك لكشفت الاستعادة تلقائيا عن بطلان كل المؤسسات التي قامت في ظل إنقلاب النظام البائد ولأصبح حزب المؤتمر الوطني بحكم القانون من الأجسام التي نشأت باطلة كذلك الدعم السريع واللجوء إلى المحاكم فقط لتحديد درجة ونوعية المسؤولية الجنائية والعقوبات المقررة وفقا للقانون على الأجسام والأفراد ،كما ومراعاة للظروف والأوضاع الأمنية وإذا كان لا بد من دور للجيش حفاظا على الاستقرار الأوضاع الأمنية فقد كان يمكن أن يشكل مجلسا من كبار الضباط على أساس أقدمية الرتب على غرار المجلس العسكري الانتقالي برئاسة المشير سوار الدهب ليمارس المجلس شؤون السيادة التشريفية وسد الفراغ ويخضع الجيش بالقانون كجهاز إداري للسلطة السياسية على أن يباشر المدنيين كامل السلطة التنفيذية والسياسية مثل الحكومة التنفيذية برئاسة د الجزولي، دفع الله عقب ثورة أبريل ١٩٨٥م، إن شراكة الوثيقة الدستورية بمثلما قننت للأوضاع الدستورية التي نشأت باطلة في ظل النظام البائد فأنها عطلت تحقيق أهداف الثورة وإزالة النظام البائد وأثاره بوسائل وأدوات الثورة أما بالنسبة للبندقية والعمل المسلح فقد قلت أن قحت وتقدم لا تمتلكان البندقية ولا تستخدمان السلاح لعزل المؤتمر الوطني بالبندقية وطالما تعتمدان على الوسائل المدنية فإن مطالبتهما للوساطة الخارجية لاستثناء وعزل المؤتمر الوطني لا يكون له أي أساس منطقي، فالحقوق السياسية والمدنية في مصاف الحق في الحياة وهي الحقوق الواردة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والموصوفة بحقوق الإنسان المتأصلة فيه وتتعهد الدول باحترامها وصونها ورعايتها ولا تمنحها .