مستقبل العلاقات السودانية المصرية بمقر الحزب العربي الديمقراطي الناصري بالقاهرة (٣)
بقلم: الصادق علي حسن
السودان في ظل أوضاع استثنائية وظروف متغايرة وقد طال التغيير كل الأشياء والحياة العامة والخاصة وحتى السلوك والمفاهيم حول ماهية الدولة والمواطنة ونشأت مراكز جديدة سياسية واقتصادية واجتماعية وفي خضم التغييرات الشاملة لم تستفد التنظيمات الحزبية والسياسية من الدروس ولا تزال تتشظى وتنقسم إلى لافتات حزبية صغيرة وجديدة والحركات المسلحة تكوينها صار أسهل من تكوين الجمعيات وروابط الأحياء، وفي ظل هكذا ظروف وأحوال لا يمكن لمصر أو غيرها من الدول أن تؤسس لمستقبل علاقات راسخة مع الدولة السودانية ما لم تستعد الدولة أولا بواسطة أبنائها ولكن بالضرورة لمصر والتي تجمعها بالسودان علاقات ازلية وعلى رأسها المياه مورد حياة الإنسان أن تراعي المتغيرات المستجدة بالدولة السودانية لتبني عليها في تعزيز مستقبل العلاقات والمصالح المشتركة لاستدامتها ففي السودان تحولت قوات الدعم السريع إلى ظاهرة وهذه الظاهرة لم تعد ترتبط بعشيرة أو قبيلة أو جهة وقد استقطبت الأنصار والحلفاء من كل أنحاء البلاد وإن كانت الغالبية من القبائل العربية بمناطق دارفور و كردفان والبدو الرحل الذين صار لهم الدور الأساسي في الحرب والصراع الدائر ،إن الدور الإيجابي المؤثر لأي دولة مثل مصر بالضرورة يتحقق من خلال التواصل مع كل الأطراف حتى ولو ساءت العلاقات وتعثرت ووصلت إلى النفق المسدود مع إحداها يظل المطلوب هو البحث عن المخرج بأي وسيلة من وسائل الحوار فالحرب الدائرة صارت مفتوحة وستتمدد إلى كل دول الجوار والحزام الغرب الأفريقي.
الدعم السريع ومصر :
منذ عهد النظام البائد تمردت قيادة الجيش على مهام الجيش المنصوص عليها في قانون القوات المسلحة من خلال الإنقلابات العسكرية والإلتفاف على قانون قوات الشعب المسلحة وضوابط وشروط الخدمة العسكرية وقامت بتجييش وعسكرة القبائل والعشائر كما تم تأسيس الدعم السريع لإستخدام القبائل والعشائر في الحرب بالوكالة عن الجيش لمحاربة الحركات المسلحة التي اندلعت في دارفور وضمت تحالفات مسلحة تتحدر غالبيتها من قبائل تتحدر من جذور غير عربية وقامت قيادة الجيش بإستجلاب مقاتلين من العرب البدو من خارج الحدود وبررت السيدة سناء حمد في تسجيلات فيديو بأن قبيلة الزغاوة في تشاد تعدادها حوالي ٤% وعندما وصلت إلى السلطة بدولة تشاد أرتفع تعدادها إلى حوالي ٦% وصارت قوة نافذة وتحدثت عن ضرورة استجلاب العرب من مضاربهم المختلفة لزيادة النسبة السكانية وحفظ المعادلة بين المجموعات الأفريقية الأخرى ،سناء حمد تمثل عقلية نخب تنظر للدولة من خلال مراكز السلطة والهيمنة عليها وهي لا تدرك بأن الدولة السودانية ليست كدولة تشاد فقد تأسست الدولة السودانية على قواعد الدولة المدنية الحديثة ويختلف تأسيسها عن تأسيس غالبية الدول الأفريقية ودول الحزام الغرب الأفريقي وأن الأخطاء المتراكمة الناتجة عن الممارسة في إدارة الدولة وليس التأسيس فقواعد التأسيس نصت على قيام دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية منتخبة من كل أقاليم السودان .
هشاشة الدولة السودانية ومفاهيم النخب :
دول أفريقيا خاصة دول الغرب الأفريقي دول هشة التكوين يتغلب على تكوينها السياسي دور القبيلة لذلك ظلت الأنظمة السياسية ضعيفة وغير مستقرة ويتأثر الاستقرار بالتحالفات القبلية الحاكمة ومدى قدرتها على إخضاع القبائل الأخرى المتنافسة على السلطة ومن وسائل الوصول إلى السلطة الإنقلابات العسكرية أو حمل القبائل للسلاح واجتياح عاصمة الدولة والإستيلاء على السلطة وفرض نفوذها، وقد كان هذا النهج سائدا في دولة تشاد وتمكن الرئيس التشادي السابق إدريس دبي من فرض حالة من الإستقرار السياسي والإقتصادي النسبي لحوالي ثلاثة عقود حتى تم اغتياله وآل الحكم لإبنه محمد إدريس يعاونه مجلس عسكري يجمع تحالفات من عدة قبائل، إن الأوضاع في تشاد وفي دول الجوار الأخرى مثل أفريقيا الوسطى تشهد صراعات القبائل على السلطة وهكذا أوضاع مماثلة في دول النيجر ومالي وبوركينافاسو قد لا تستمر لفترات طويلة وظل السودان بالرغم من سيطرة نخب المركز على إدارته إلا أن الدولة المدنية الموروثة من الإستعمار كانت تمثل عنوان الدولة وتطورها السياسي حتى أستولى النظام البائد على السلطة وقام بهد أسس الدولة المدنية واستبدالها بدولة الحزب التي ترتكز على توظيف القبيلة والمحصاصات في الوظائف القيادية بالدولة .
نموذج الغرب الأفريقي في السودان :
الحرب الدائرة في السودان والتي تحولت إلى حرب أهلية وحرب هوية أسبابها الحقيقة ودوافعها المحضة الهيمنة على السلطة، لقد أستطاع نظام حزب المؤتمر الوطني وحركته الإسلامية تحويل الدولة إلى دولة الحزب وقام بإضعاف الأحزاب واستخدم رمزية العشيرة والقبيلة والجهة على غرار ما يحدث بدول الحزام الغرب الأفريقي فالذي تحدثت عنه سناء حمد عن دور الزغاوة في تشاد هو الذي يشكل عقلية إدارة الصراعات بين القبائل داخل حزب المؤتمر الوطني وحركة الإسلام السياسي وبعد انقسامات الحزب المذكور المتعددة وتخليه عن مشروعه السياسي الذي قُبر مع زعيمه حسن الترابي تحول المؤتمر الوطني إلى مجموعات ومراكز قوى تتنازع مكوناته على الهيمنة على المفاصل والنفوذ بالدولة ويمثل المؤتمر الوطني الآن بؤرة صناعة الأزمات بالبلاد واستخدام القبيلة والعرق في الصراع على السلطة بالدولة.
حرب الهوية :
الحرب الدائرة حاليا في السودان أسوأ الحروب والأكثر فداحة في العالم ، وقد تراكمت أسبابها ودوافعها التي بدأت بشعارات الدين والمشروع العقائدي لحركة الإسلام السياسي فحرب العنصر في مواجهة الحركات المسلحة واستخدام الدعم السريع ، فالحرب الأهلية وحرب الهوية بين الجيش وصنيعته الدعم السريع وهكذا حروب لن تتوقف بعقد المؤتمرات وورش العمل والوساطات الخارجية وقد وصلت إلى مرحلة الحروب المجتمعية بين مكونات الدولة السودانية ومساندات لهذا الطرف أو ذاك من الخارج.