مستقبل العلاقات السودانية المصرية بمقر الحزب العربي الديمقراطي الناصري (٤)
بقلم: الصادق علي حسن
اللجوء القسري لآلاف السودانيين الفارين من جحيم الحرب إلى مصر وقد صار العدد مليونيا أكسب العلاقات بين البلدين بعدا شعبيا حقيقيا، فالمصري العادي الذي يعاني من صعوبة الحياة المعيشية قاسم السوداني القادم إليه بفعل الحرب أسباب الحياة ومعاناة ارتفاع الأسعار وذلك ما لم يجده السوداني الفار من جحيم الحرب في أي دولة أخرى فالعلاقات الشعبية ترسخ بين الشعوب في ظل ويلات الظروف الاستثنائية كحالات الحروب والكوارث الإنسانية .
السودان الآن دولة فاشلة وأرقام القتل والدمار تمثل إنجازات الطرفين المتحاربين ومستقبل السودان في وقف الحرب ومن دون وقف هذه الحرب تظل كل الأبواب المفضية لكل الخيارات مشرعة بما ذلك مشروعات التجزئة والتقسيم ،لذلك بالضرورة أن تخاطب مصر مستقبل العلاقات السودانية المصرية من خلال مداخل ترسيخ المصالح الشعبية المشتركة التي تؤدي إلى تمتينها فالأنظمة ومواقفها لن تستقر في ظل الأوضاع الاستثنائية والحروب المستعرة .
هل يمكن تقسيم السودان إلى عدة دول :
مؤسسات غربية بدأت تبحث من خلال ورش العمل حول مآلات إقليم دارفور إذا إنفصل ومستقبل التعايش بين مكوناته الإجتماعية في حال حدوث إنفصال الإقليم وحدوده الجغرافية والقبائل الحدودية وقضاياها ومشاكلها ،إن بحث مشروعات التقسيم نظريا من خلال تنظيم الورش بغض النظر عن النتائج النظرية فإن البحث في حد ذاته يمثل مرحلة جديدة من مراحل التعاطي مع الأزمة السودانية لدى المؤسسات الخارجية وقد وصلت الهشاشة في البلاد إلى شيوع ظاهرة الاستنفار الشعبي والأهلي وإنتشار الحركات المسلحة وقد تفرعت من القبيلة الواحدة عدة حركات مسلحة ولم تعد هنالك أي خطوط حمراء بل صارت قضايا البلاد معروضة للتقرير بشأنها بين الأطراف الخارجية ولم تظهر قيادة وطنية تخاطب قضايا البلاد بصورة مؤثرة
الدور المصري :
سيكون الدور المصري مؤثرا في تجنيب السودان المزيد من توسعة نطاق الحرب بالبلاد والمساهمة في تسهيل قبول الطرفين المتحاربين والأطراف الأخرى بخيارات التفاوض والحوار السلمي وقد تحولت شعارات الحرب إلى قضايا العرق والهوية ذلك أن خيار الحرب يفتح الأبواب لتشظي السودان وتفتيت وحدته الهشة كما وبالضرورة النظر للسودان وقضاياه من خلال الطرف الغائب صاحب المصلحة الحقيقية وهو الشعب السوداني وليس من خلال مواقف قيادات الأطراف المتحاربة الحالية .
القصور في توصيف الأزمة :
كتبت باحثة إماراتية تسمى أمينة العريمي عن توافق دولي للتخلص من الدعم السريع وذكرت في مقالها المذكور (التخلص من الدعم السريع لم تعد مسألة خلاف بين الأطراف الدولية الفاعلة في الساحة السودانية والتي كانت حتى عهد قريب تحاول ستر أجندتها بأدوات لم تحقق لها مرمى رؤيتها في سودان ما بعد البشير )، انا لم أسمع بالدكتورة أمينة العريمي إلا من خلال مقالها المذكور والمنشور على الوسائط وبالرجوع إلى الجوجل في تعريفها أنها خبيرة بالشأن الأفريقي، إن منظومة أفريقيا تتكون من عدة دول ولكل دولة من دولها قضايا شائكة ومعقدة وليس بمقدور أي شخص أن يكتسب خبرات بشؤون كل دول القارة الأفريقية ،والذى لم تدركه الباحثة د أمينة العريمي أن قائد قوات الدعم السريع حميدتي، بغض النظر عن انتهاكات قواته المرتكبة على نطاق واسع في المناطق المتأثرة بالحرب ،قد صار مصدر إلهام لقواته ولم يظهر في تاريخ السودان منذ الثورة المهدية من أثر على مجموعات إجتماعية وقبلية وجهوية بالأراضي السودانية التي كانت خاضعة للإمبراطورية العثمانية فالحكم الثنائي مثل حميدتي ،كذلك حتى ولو رغبت دولة الإمارات التي تمثل الآن مركزا لإدارة حميدتي على إبعاد قواته من الساحة العامة السودانية فلن تستطيع وقد تتمكن الإمارات ورئيسها محمد بن زايد من إضعاف دور حميدتي ودور قواته أو حمله لطاولة المفاوضات وقد لا يكون لقائد الدعم السريع الدور المؤثر في المستقبل كالسابق لا على مستوى دارفور ولا على المستوى القومي السوداني فالإنتهاكات التي ارتكبتها عناصر الدعم السريع لن تجعل منها قوة مؤهلة للمشاركة في إدارة السودان كالسابق ولكن مع ذلك تظل حقيقة أن الدعم السريع تحولت إلى تحالفات قبلية واجتماعية وجهوية مؤثرة في تحديد مستقبل الدولة السودانية وإن هذا المستقبل يقوم بتحديده السودانيون أنفسهم ومن ضمنهم المكونات الإجتماعية للدعم السريع وليس الأمين العام للأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي .
تجربة الأمم المتحدة في الصومال وليبيا.
لا تزال شواهد فشل الأمم المتحدة بدولتي الصومال وليبيا ماثلة والآن تتكرر التجربة السودانية وعلى رأس الأمانة العامة للأمم المتحدة أمينا عاما لم يبرز أي قدر يتناسب مع مسؤوليته الإنسانية تجاه وقف الإنتهاكات المرتكبة على المدنيين من قبل أطراف الحرب بمثل مجازر ود النورة والهلالية ومناطق شرق الجزيرة وسنار ومجازر القصف الجوي المتكرر ولو بإصدار بيانات الشجب والإدانة التي تمثل أداة الأمين العام للأمم المتحدة في التعامل مع الأزمات الإنسانية، إن كل الشواهد تؤكد بأن ظاهرة الحالة السودانية ستخرج عن دائرة سيطرة جميع الأطراف وستسود مراكز القوى المحلية الجديدة وستتلاشى تلقائيا أدوار النخب ،ستفقد الأحزاب تأثيراتها على جماهير المناطق والقبائل وفي أي منطقة من مناطق السودان سيظهر تأثير القبيلة والقبائل المتحالفة معها بديلا للولاء الحزبي والتنظيم السياسي .