مقالات الرأي

ذكورية العمل السياسي في السودان

بقلم: سلمى سليمان

إن التطور البشري للمجتمعات منذ القدم  تسوده قيم الحرية ,العدالة والمساواة بين الجميع دون تمييز علي أساس عرقي, نوعي ,ديني, اثني ,جغرافي وثقافي كما هي الفطرة الإنسانية  ، وهذا لا يتحقق ما لم يتم تطبيق مبدأ دولة المواطنة المتساوية التي أساسها الحقوق والحريات.

  في هذا المقال لابد أن أتحدث بجراءة عن التحليل النقدي للساحة السياسية وسطوة “الذكور” المستمرة علي المشهد السياسي وإرهاب النساء من خوض العملية السياسية، وهشاشة بنية الأحزاب والتنظيمات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وغياب الديمقراطية المتمثلة في المشاركة المتساوية للكوادر النسوية داخلها، وأعزي كل هذه المشكلات لأسباب محددة لها إرتباط عميق بترسبات تاريخية إجتماعية وثقافية .وكذلك تورط النساء بهروبهن من تحمل المسؤوليات التي لها علاقة بقرارات مؤثرة في تشكيل الدولة السودانية.
إن تجربتنا كنساء سودانيات مرتبطة بتجارب نساء أخريات في أماكن متفرقة من العالم ,وأن نضالنا الحالي مع إختلاف سياقات المشكلات التي تحُف بنا إلا اننا لدينا إسهامات واضحة جداً في الثورات التحررية المتراكمة ,والتي قامت علي أكتاف النساء اللائي حاربن بشدة بجانب الرجال من أجل التغيير والتحرير وإعادة صياغة التاريخ الإنساني من جديد بشكل فلسفي ,علمي وأن النساء هنّ أعمدة الحضارات.

إن المشكلة متجذرة وتكمن في مجموعة من القوانين العرفية والنظرة المجتمعية للمرأة السياسية، وذلك يعيق من دخولها للمجال السياسي , فالساحة السياسية في السودان تشوبها سلوكيات تسيطر عليها العقلية الذكورية، وهذه العقلية لها أبعادها الثقافية والاجتماعية الضاربة في جذور التاريخ , وهذا يبرهن أننا نعيش تحت وطأة نظام أبوي (بطريركي) بإمتياز، والذي يرجع للخلفية الثقافية (الأيدلوجيا) والإجتماعية للمجتمع السوداني.
لا يزال أمام النساء السياسيات داخل الاحزاب السياسية السودانية وخارجها الكثير من المحطات النضالية والعثرات التي يجب أن يتجاوزنها بخطاب نسوي شديد اللهجة، يخاطب الأجندة النسوية ويعمل علي جندرة القضايا ,من أجل حقوقهن السياسية وتبؤ مراكز إتخاذ القرار وليس لعب دور الواجهة والتمثيل الصوري أو إستكمال النصاب، ولكن للمشاركة الفعلية في صنع القرار السياسي وإبراز قدراتها علي التسيير والقيادة.
إن الإقصاء الممنهج الذي عانت منه النساء السودانيات في المجال السياسي علي مر الأنظمة المتعاقبة علي حكم السودان، يوضح مستوي التفكير الأيدلوجي للنخبة السياسية ويؤكد غياب الأرادة لإشراكهن في تدبير شؤون الدولة، وهذا إنحراف صريح عن مسار التحول الديمقراطي والتغيير الجذري الشامل.
يعتبر التغييب المتعمد للنساء من المشهد السياسي عنفاً مهما كان شكله، وإنتكاسة حقوقية وغياب للوعي بالحقوق والحريات، وعدم تبني الدولة وجهازها العدلي للمعايير الدولية لحقوق الإنسان حول المساواة ووقف جميع أشكال التمييز علي أساس النوع الإجتماعي،   فلابد من مواجهة الإدعاء الكاذب والمخل بأن الذكور هم وحدهم من يستطيعون ممارسة العمل السياسي بجدارة بعكس النساء , فالنساء لهن الحق في الاقتراع والانتخاب والترشح وقيادة مناصب سيادية مثلهن مثل الرجال.
لن يتحقق مبدأ المساواة ما لم يتم تفعيل الإجراءات القانونية والمؤسساتية بتكريس تفعيل دور الدستور علي أرض الواقع، والذي يفترض أن ينص علي تمثيل الرجل والمرأة علي قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والأجتماعية والثقافية والبيئية.
إن المدخل الحقيقي لحل مشكلة المشاركة المتساوية للمرأة يتطلب مواجهة التخلف الإجتماعي , وأن التنمية المتوازنة لا تتم بإقصاء موارد بشرية تشكل نصف المجتمع (أو كله) وهي جزء من الموارد المفقودة . ولابد من المحاربة بضراوة لتلك الدساتير التي لا تراعي الخصائص الوجودية للمرأة، وعندها يرتبط الإنسان مبدئياً بقضايا العدالة والمساواة.
لذلك لابد من بذل المزيد من الدعم لحقوق النساء والعمل علي مساواتهنّ، وتعديل الحقوق المتساوية وضمان تحقيق مبدأ المساواة  بموجب القوانين الديمقراطية التي تؤثر علي مجالات هامة في حياة المرأة , ووضع حد لقسوة المجتمع علي النساء وعلي حرية والوصول إلى الفرص لاكتمال كياناتهن، ولا يحق لأي حكومة أو عرف علي  إقصاء النساء من المشاركة السياسية أو سلب حرياتهن الشخصية , ويجب علي المرأة السودانية أن تدرج فلسفاتها النسوية في القانون والحقوق السياسية لعمل تغيير  شامل  يحد من التمييز والإقصاء علي أساس النوع الإجتماعي.

11 أبريل 2022م
جوبا
 
 
 

مقالات ذات صلة

3.5 2 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x