مقالات الرأي

الجذور التأريخية لأزمة العنصرية في السودان: “اللون الأسود نموذجاً” (1)

بقلم الأستاذ : نزار أحمد بريمة

إن أكثر المفاهيم والسلوكيات العنصرية السلبية تجذراً وأصالة وكثافة في العالم توجد في السودان.

العنصرية كمفهوم وممارسة هي (التمييز على أساس العرق واللون والدين) وهي موجودة في كل أنحاء العالم ويحظي السودان بالقسط الأوفر لأسباب معلومة وأخرى نفسية؛ لكن السودان حالة كونية خاصة وشديدة الكثافة العنصرية فوق كوكب الأرض، لا مثيل لها في تاريخ البشرية قاطبة بكل شروره العنصرية.

وهي في الفهم العام تعني التمييز السلبي على أساس العرق “الدم” ولون البشرة والملامح الجسدية ( الشكل).

وتمارس العنصرية في السودان بدرجات مختلفة تجاه أعراق وألوان مختلفة بين الأسود الغامق والأبيض الناصع.

ولكن ينال منها اللون الأسود الحصة الكبرى بعد تراجع وإنهيار الحضارة الكوشية في القرن الرابع الميلادي “350م” إنهيار آخر الحضارات الكبيرة ذات اللون الأسود “مروي”.

تم تحريم الرق في السودان بواسطة الإنجليز في النصف الأول من القرن العشرين ولقى القرار مقاومة قوية علنية وواضحة من رموز سياسية رأت القرار مسبباً لخسائر فادحة للقطاع الإقتصادي التقليدي في البلاد وهي نفس الحقبة النيلية التي شكلت التيارات السياسية في السودان ولا زالت تمارس تلك العنصرية.

ثبت أخيراً أن التحرير لم يكن بذاك السوء الذي ظنه الناس في بداية الأمر، إذ كانت حجج الناس قوية بدرجة جعلت أهم رموز المجتمع والسياسة في السودان يقفون ضد القرار الإنجليزي لكن بلا جدوى كبيرة.

لقد حدث التحرير في النهاية ولو بشكل تدريجي وأكتمل في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي.

أدى تحرير الرقيق إلى فورة إقتصادية كبيرة لصالح الدولة والمجتمع ؛ إذ إنخرط الأحرار الجدد بهمة عظيمة في شتى مناشط إقتصاد الدولة وخاصة في قطاعات الزراعة والصناعة والثروة الحيوانية والخدمات.

إن بداية تاريخ أزمة اللون الأسود كانت بعد إنهيار مملكة مروى التي مثلت نقطة تحول كبرى بإنهيار آخر ممالك اللون الأسود العظيمة “مروي 350م”. لكن نشأت على أنقاض مروي حضارة جديدة بدورها كبيرة ومستقرة إستمرت في الوجود حوالي ألف عام (500م-1503م) وهي الحضارة النوبية المسيحية في شمال ووسط السودان.

نتج عن الحرب والتنافر الحضاري إلى صراع حضارات، عرق في مواجهة عرق ودين في مواجهة دين. حتى أن لون بشرة العرب الأصلاء لم تكن بيضاء كما هو حال القحطانيين حتى تاريخ اليوم، بل أسمر أو أصفر. إلا أن كثيراً من الآيديولوجيات العربية تبنت اللون الأبيض كمحدد عرقي وأحتفت به كرمز جمالي.

هنا من جديد تتعمق أزمة اللون الأسود في المخيلة الشعبية، وعليه تمارس العنصرية داخل العرق نفسه، عربي كان أم غيره ما دامت درجة اللون تميل إلى السمرة.

16 أبريل 2022م

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
ناصر
ناصر
2 سنوات

تحيا المعرفة 👍👍

زر الذهاب إلى الأعلى
1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x