مقالات الرأي

متي تتعلم العقلية الصفوية التي تقود الجيش السوداني والدولة من خطايا وموبقات حروب العِقاب الجماعي؟!!

بقلم: محمد عبد الرحمن الناير (بوتشر)

●ظلت العقلية الصفوية التي تقود السودان والجيش ترتكب خطايا جسيمة بحق الوطن والمواطن ، عبر إنتهاج سياسات وممارسات مدمرة للوجدان الوطني المشترك، وكانت النتيجة حروب مستمرة، فشل سياسي ، إحتقان إجتماعي ، تدهور إقتصادي، وإنفصال ثلث البلاد واستمرار إشتعال الحريق فيما تبقي منها.

●إن سلوك وممارسات هذه الفئة الصفوية التي تريد أن تحكم السودان بالحديد والنار ، على جماجم وأشلاء ودماء الضحايا ، غير آبهة بوحدة البلاد وسلامة مجتمعاتها، فقد أقدمت على إرتكاب كافة الموبقات في سبيل البقاء على سدة الحكم، وبددت موارد السودان في حروب لا طائل منها ، وحولت نعمة التنوع والتعدد إلى نقمة…!!.

●عندما تمرد بعض السودانيين من جنوب السودان ‘أنانيا 1، أنانيا 2″ وبعدهما الحركة الشعبية لتحرير السودان في 16 مايو 1983، لم تحارب القوات الحكومية تلك المجموعات المتمردة وحسب بل إعتبرت كل مواطني جنوب السودان متمردون؛ فأطلقت يد الجيش والمليشيات القبلية التي أنشأتها الإستخبارات العسكرية لقتل المواطنين العزل بناءًا على الهوية العرقية والجهوية، فأزهقوا أرواح أكثر من مليوني ونصف مواطن بريء من جنوب السودان خلال الفترة من 1955 إلي 2005م..!!.

●نفس سيناريو سياسة الأرض المحروقة في جنوب السودان تم تطبيقه في جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق ، وقد صدرت فتاوى من آئمة الضلال تُكّفِر قبائل النوبة وأحلت دماءهم وسبي نساءهم وقتل أطفالهم دون وأزع من ضمير أو أخلاق أو أي مسوغ أرضي أو سماوي سليم ، ويقف “خور العفن” بالقرب من مدينة كُدُقلِي حاضرة ولاية جنوب كردفان شاهداً على تلك الجرائم والفظائع التي أُرتكبت بحق مواطنين أبرياء عزل في تسعينيات القرن الماضي؛ فلا توجد أدني علاقة بين هؤلاء الضحايا والحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان ، فقد كانت آنذاك تهمة “الطابور الخامس” تُطلق على أي نوباوي أو نوباوية لا سيما المثقفين والمتعلمين والطلاب والموظفين والتجار ورموز المجتمع.

●بعد إندلاع ثورة الكفاح المسلح في دارفور 2002م وبعد الهزائم المتلاحقة التي لحقت بالجيش الحكومي ودخول الثوار إلى مدينة الفاشر عاصمة الإقليم وحرق مطارها وما فيه من طائرات حربية وأسر قائد القوات الجوية ، عمدت الإستخبارات العسكرية إلى تشكيل مليشيات قبلية ذات طابع عرقي عرفت بالجنجويد يقودها الشيخ موسى هلال، لضرب النسيج الإجتماعي لدارفور بإستغلال التباينات العرقية وتسييس المشاكل والخلافات الطبيعية التي كانت تحدث بين الرعاة والمزارعين حول المرعي وموارد المياه، فتم تصوير الصراع بأنه صراعاً بين “العرب والزرقة” وليس صراعاً بين الحكومة التي جاءت عبر إنقلاب عسكري وثوار يطالبون بالحرية والعدالة والسلام والديمقراطية ودولة مواطنة متساوية بين جميع السودانيين.

تجهل الصفوة أن هذه المجتمعات “زرقة، عرب” قد عاشوا سوياً دون حروبات تذكر منذ مئات السنين تحت سلطنات دارفور ، ولكل قبيلة ديارها وحاكورتها المعلومة وفق القوانين والأعراف المستمدة من تاريخهم وإرثهم الثقافي المشترك.

●بدلاً أن يواجه الجيش الحكومي قوات الثوار المتمردون قام بقصف القرى بالطائرات من الجو والمدفعية من الأرض، وزحف المليشيات على ظهور الخيول والجمال للقضاء على من بقى من المواطنين على قيد الحياة، ولم يسلم الحرث والنسل من هجمات المغول الجدد ، وأضحت آلاف القري والمناطق أثراً بعد عين ، وإحيلت إلى رماد ، في ظل صمت داخلي وإقليمي ودولي ، سوي بعض بيانات التنديد الخجولة هنا وهناك…!!.

●استمرت القوات الحكومية ومليشياتها في إرتكاب جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بحق مكونات عرقية بعينها “الزغاوة والفور والمساليت”، عبر عقاب وإفناء جماعي مارسته حكومة البشير وجيشها وجنجويدها بحق بنات وأبناء وشيوخ وأطفال هذه المجموعات العرقية، في أبشع جرائم العصر الحديث ، وقد تم استخدام الإغتصاب كسلاح لإذلال وكسر إرادة الضحايا ، وممارسة سياسة التهجير القسري والتغيير الديمغرافي وجلب مقاتلين مرتزقة من خارج حدود السودان، أصبحوا مستوطنين بقوة السلاح في أرض وحواكير الشعوب الأصلية التي تم قتلها وتشريدها إلى المعسكرات داخل وخارج السودان.

● إن القتل والتشريد والعقاب الجماعي الذي مارسته الدولة السودانية عبر جيشها ومليشياتها ضد عموم الفور والمساليت والزغاوة، مبرره الوحيد أن بعضاً من أبنائهم قد تمردوا على الحكومة، ولكن الحقيقة أن هنالك سياسة رسمية للدولة للتغيير الديمغرافي لخدمة أهداف يعلمها القاصي والداني، فتم قتل أكثر من ستمائة ألف مواطن بريء وتشريد ما يربو عن ستة ملايين داخل وخارج السودان، ونهبت أموالهم وثرواتهم..!!.

●لقد تدخل المجتمع الدولي ممثلاً في مجلس الأمن الدولي بعد تردد وتماطل ، ورفع الأمر إلى المحكمة الجنائية الدولية التي باشرت تحقيقاتها وتواصلت مع بعض الناجين من ضحايا المحرقة كشهود على هذه الجرائم والإنتهاكات، فصدرت مذكرة إتهام بحق بعض مرتكبو هذه الفظائع وبات جل قادة النظام “مدنيون، عسكريون، وأمنيون” مطلوبين لدي المحكمة الجنائية الدولية، وعلى رأسهم عمر البشير وأحمد محمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين وعلي كوشيب وآخرين من جملة 51 شخص لم يعلن أسماءهم حتي الآن.

●إن الممارسات الحكومية وسياسة “فرق تسد” التي قسمت بموجبها مواطني دارفور على أساس عرقي بغيض “عرب، زرقة”، قد أحدثت شرخاً هائلاً في مجتمع دارفور لن يندمل قريباً ، وقد ألقي بظلال سالبة على وحدة الوجدان الوطني وتماسك المجتمع، ومعالجة مضاعفاته يتطلب جهوداً جبارة ووطنية وشجاعة وعزيمة وإرادة صلبة وليس وعود جواء وتطمينات تطلق على الهواء الطلق ، وأهم الخطوات الجادة التي يجب إبتدارها هو وقف القتل الجزافي وإنصاف الضحايا وتعويضهم مادياً ومعنوياً، فردياً وجماعياً ، ومحاكمة جميع المجرمين المتورطين في إرتكاب الجرائم منذ 2002 حتي تاريخه، والتسليم الفوري لكافة المطلوبين إلى المحكمة الجنائية الدولية، وإعتراف الدولة بإرتكاب جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بحق هؤلاء الضحايا، ورد الإعتبار للشهداء وذويهم وتضميد الجراح.

●بعد إندلاع حرب 15 أبريل 2023م بين الجيش وقوات الدعم السريع ، وبغض النظر عن سؤال: من هو الطرف الذي بدأ الحرب، لجهة أن راعي الضأن في الخلاء يعرف من كانوا يهددون ويتوعدون بحرق السودان وإعادة قطار ثورة ديسمبر إلى المحطة صفر…!!.

●لم تستفد العقلية الصفوية التي تقود الجيش والدولة من الحماقات والخطايا السابقة التي لازمت الحروب العبثية في جنوب السودان وجبال النوبة ودارفور ، التي كانت تستند على استهداف المواطنين العزل على اسس عرقية ومناطقية وجهوية ، وممارسة سياسة العقاب الجماعى للمدنيين.

●قد صنّف قادة الجيش وإعلام الفلول قوات الدعم السريع على أساس العرق الذي ينحدر منه بعض قادتها وجنودها ، وليس “قوات نظامية خرجت من رحم القوات المسلحة” كما ظل يردد البرهان وجنرالات جيشه في كل خطاباتهم وخطرفاتهم…!!.

●حين سكرةٍ أو سطلةٍ وبجرة قلم تم تصنيف البقارة والأبالة (الجنيديون) بأنهم يتبعون لقوات الدعم السريع، وتمت ممارسة استهداف عرقي بحق مئات المواطنين الأبرياء الذين ينحدرون من قبائل: المسيرية والرزيقات والحوازمة والفلاتة والبني هلبة والتعايشة والهبانية والسلامات وخلافهم من مكونات عيال جنيد ، فقُتل العشرات بغياً وجوراً في إرتكازات الجيش في الخرطوم والولايات الأخري دون جرم أو محاكمات سوي إنهم ينحدرون من هذه القبائل المغضوب عليها “برهانياً وفلولياً” ومن يدورون في فلكهم…!!.

●حتي هذه اللحظة هنالك المئات من المعتقلين والمفقودين من أبناء هذه الكيانات في الخرطوم والأبيض ومدني والفاشر بورتسودان وشندي وعطبرة والدامر والدمازين وسنار وكوستي وربك ودنقلا وغيرها من المدن والمناطق التى تقع تحت سيطرة الجيش، بل وصل الأمر لإعتقال أي مواطن ينحدر من غرب السودان بغض النظر عن قبيلته أو منطقته أو علاقته بالدعم السريع أو قبائل جنيد، وقد أصبحت فرية ” عميل إستخبارات الدعم السريع” تهمة تطال كل شخص ينحدر من غرب السودان، بل حتي ستات الشاي وعمال التنقيب عن الذهب والتجار والطلاب وسائقي العربات لم يسلموا من ” الدعموفوبيا” وإن شئت سمها “الجغمفوبيا”…!!.

●هنالك أصوات نشاذ من العنصريين المحسوبين على بعض القوي السياسية والمجتمع المدني، تحرض وتحض على هذه العنصرية وخطاب الكراهية العرقية والمناطقية، التي بلا شك سوف تحرق السودان ومن فيه إذا سارت الأمور على هذا المنوال المعطوب، ويجب على كل شرفاء السودان التصدي لهذه الخطابات التي تزكي خطاب التقسيم والتفتيت للوحدة الوطنية.

●إن الحروب الإنتقامية واستهداف القبائل والأعراق على أساس عنصري لا يولد سوي الأحقاد والغبائن في النفوس، فالدول تبني بالعدالة والمساواة لا بالتفرقة العنصرية والعرقية والدينية والثقافية، فليس من مصلحة السودان واستقراره أن تتحول حرب الجيش والدعم السريع إلى حرب أهلية شاملة، يحركها العرق أو الجهة.

●إذا كانت لدي العقلية التي تقود الجيش وترسم خططه وقراره، ذرة من عقل ووطنية، لما أوعزت لجنودها باستهداف مواطنين سودانيين عزل على أساس قبائلهم وأعراقهم، فإن سياسة الإغتيالات والإعتقالات والإخفاء القسري لمدنيين أبرياء ليسوا طرفاً في هذه الحرب عمل جبان ومدان ومهدد خطير لوحدة السودان.

●هنالك معلومات متواترة تؤكد أن ضباطاً في الجيش والأمن والشرطة من هذه القبائل ” الجنيديون” قد تم تصفيتهم رمياً بالرصاص بتهمة الخيانة العظمي دون محاكمات ، وآخرين تم حبسهم وإيداعهم في السجون بتهم مخالفة الأوامر ، وأضحي كل ضابط أو ضابط صف ينتمي لهذه القبائل داخل الجيش ومؤسسات الدولة تحوم حوله الشبهات والشكوك، ومطلوب منه تبرئة ساحته من تهمة (الجنجودة) الجديدة…!!.

●بكل تأكيد إن العقلية الصفوية التي تقود الدولة والجيش تجهل طبيعة وطبائع وثقافة هذه المجتمعات والقبائل التي تستفزها وتستهدفها بهذه السلوكيات والممارسات العنصرية المقيتة، فإذا كان “جيش الدولة” المؤهل والمدرب وبكل ما يمتلكه من ترسانة أسلحة وطائرات وصواريخ ومدافع موجهة ودبابات ومسيرات قد فشل ولمدة ستة شهور متتالية، من سحق بضع مئات من قوات الدعم السريع، وتحرير عاصمة البلاد منهم، وفر قائد الجيش على جنح الظلام إلى عاصمته الجديدة “بورتسودان” ، فبأي منطق عقلاني أو سياسي أو خطة عسكرية أو مصلحة وطنية أو دراسة إستراتيجية، تجعلهم يفتحون خط مواجهة مع مكون عرقي عريض يقدر تعداده بأكثر من خمسة ملايين نسمة وله إمتدادات في دول الجوار الإقليمي “تشاد ،النيجر ،أفريقيا الوسطى، مالي، وحتي الكنغو”…؟!!.

●هل يعلم هؤلاء الصفوة الذين يقودون الجيش وينفذون هذه الخطط العرجاء أن الحدود السياسية “الإستعمارية” للدول لا تعني هؤلاء في شيء ولن تقف حائلاً أمامهم إذا دعا داعي الحرب والإستنفار للدفاع عن وجود كيانهم أو الرضوخ للفناء؟!.

●لمصلحة من تعمل هذه العقلية الصفوية التي تقود الجيش؟! ، ولماذا تريد إشعال حرب أهلية شاملة في السودان على أسس عرقية وجهوية؟!!.

●أخرجوا القبائل والأعراق والمناطق من حربكم العبثية ، وأوقفوا استهداف المدنيين العزل والمكونات الإجتماعية والعرقية قبل فوات الأوان، فلا حسم عسكري يلوح في الأفق القريب أو البعيد….!!.

●إن أقصر الطرق وأكثرها أماناً وصوناً لوحدة السودان واستقراره، هو الذهاب إلى جدة وتوقيع إتفاق وقف شامل لإطلاق النار ومن ثم الدخول في حوار سوداني سوداني شامل لا يستثني أحداً سوي نظام المؤتمر الوطني وواجهاته، لمخاطبة جذور الأزمة التأريخية ، كي نخرج ببلادنا إلى رحاب المستقبل والحرية والكرامة والإنتقال المدني الديمقراطي ودولة المؤسسات والقانون والمواطنة المتساوية.

●كفاية تجريب المجرب والحلول الأمنية والعسكرية التي قسمت السودان وأشعلت الحروب في أطرافه، حتي وصل لهيب نيرانها إلى قصر غردون “وكر البلابسة”…!!.

وسلام عليك يا وطني..!!

2 إكتوبر 2023م

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x