مقالات الرأي

من الذي يقف وراء إعادة تشكيل الدولة السودانية؟ .وماذا يريد محمد بن زايد؟ (١)


بقلم: الصادق علي حسن

من سنوات قلائل مضت كتبت في عدد من الصحف السودانية عن مشروعات إعادة تشكيل الدولة السودانية (المحتملة) وما قد تسبقها من فوضى ستمتد حتى الحزام الشمالي الغربي الأفريقي قبالة المحيط الأطلسي ما لم تتم دراسة أسبابها المتجذرة بواسطة قيادات مدركة و العمل من أجل معالجتها بصورة سليمة وناجزة قبل فوات الأوان. وحينما عادت حركة طالبان إلى السلطة في عام ٢٠٢١م وكان وقتذاك د عبد الله حمدوك متربعا على سلطة قوى الحرية والتغيير كتبت بصحيفة الديمقراطي عن رجحان تكرار نموذج عودة تجربة طالبان بافغانستان في السودان ومصير القيادات المدنية الفارة إلى دول الغرب وهي داخل الطائرات وغيرها تتدافع ومئات الأشخاص يحيطون بالطائرات المغادرة ومنهم من تمسكوا بأجنحة الطائرات وكانوا يلتمسون لأنفسهم الأمان وسبل النجاة من بطش جحافلة طالبان، مما أثار غضب بعض من قيادات قوى الحرية والتغيير، ولم أكتف بالكتابة بل قدمت النصح إلى الدكتور عبد الله حمدوك نفسه مباشرة في أول إجتماع للجنة مصغرة كونها وأسماها باللجنة الإستشارية لرفده بالرأي وقد تكونت اللجنة المذكورة بحسب حضور الإجتماع الأول والذي انعقد بمكتب مديرة جامعة الخرطوم د فدوى عبد الرحمن علي طه (لم تحضر الإجتماع لظرف طارئ)، د حيدر إبراهيم ، المرحوم كمال الجزولي ، د صديق أمبدة ، أسماء محمود محمد طه، رشا عوض ، خالد التجاني ،د محمد محجوب هرون، الصادق علي حسن ووزيره لشؤون الرئاسة خالد عمر يوسف ،كما كان من حضور الإجتماع الأول وزير المعادن أبو نمو ولم يحضر ابو نمو الإجتماع الثاني الذي انعقد بمنزل د حمدوك بكافوري ، واعتذر عن عضوية اللجنة المذكورة الحاج وراق، (اعتذر الحاج وراق وطلب مني عدم الاعتذار وكانت له أسبابه الوجيهة التي ذكرها لي)، في الإجتماع الأول طلب دكتور حمدوك الرأي والنصح الواضح ، وقلت له (وقد طلبت النصح من الأفضل لك ان تخرج منها في أقرب وقت وبأقل خسارة ممكنة فالأوضاع ليست بهكذا بساطة) ، ولم يقبل السيد رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك النصح الذي طلبه بلا مُواربة وفي رده لي قال (أتيت بأمر الشعب وساغادر بأمر الشعب إذا طلب مني المغادرة ولست حريصا او متشبثا بالسلطة)، في الأستراحة قلت لدكتور حمدوك مما أقصده أيضا ان التأييد الكبير الذي نلته من الشارع السوداني ولم يحصل عليه غيرك منذ إعلان السودان سيتناقص حتما، وستخرج منها يوما ما والسلطة لا تدوم لأحد ، ولكنه لم يدرك ذلك القول .
لقد أوجد نظام الإنقاذ دولة داخل الدولة السودانية، ولم تكن قيادات قوى الحرية والتغيير تمتلك القدرات المناسبة وأعتقدت انه بمجرد تغيير الأشخاص بتغيير البشير وقيادات الصف الأول من المؤتمر الوطني من الواجهة واستبدالها بالمكون العسكري كشريك في السلطة بموجب الوثيقة الدستورية والتربع على السلطة هكذا التحول المدني الديمقراطي، كما اعتبر المكون المدني لقوى الحرية والتغيير ان الديمقراطية تعنى الاستحواذ على المناصب بغطاء ثورة ديسمبر المجيدة وتسوية المصالح مع المكون العسكري، وأنشغلت بتأسيس مراكز القوى لنفسها وتركت الأوضاع كما هي من دون أي تغيير أو تدابير لصالح التغيير ، وظل المكون العسكري يسوق لحليفه المدني الضعيف عبارات هلامية مثل (باستثناء مشاركة المؤتمر الوطني) حتى انطلى على الرأي العام بأن المكون العسكري وهم عناصر اللجنة الأمنية للبشير مجموعة عسكرية منضبطة لا علاقة لها بالسياسة ونظام البشير، وان الضابط عبد الفتاح البرهان ليس هو نفسه رئيس المؤتمر الوطني بمحلية نيرتتي بولاية وسط دارفور الذي ينسب إليه الإنتهاكات الجسيمة الممارسة بوسط دارفور حينما أندلعت أزمة دارفور في عام ٢٠٠٢م وانه تدرج حتى وصل إلى وظيفة الفريق أول والمفتش العام لقوات الشعب المسلحة، كما وحينما أعلن الفريق أول عوض إبن عوف عزل البشير وتنصيب نفسه رئيسا وقد برزت أصواتا تهتف بإسم (البرهان البرهان) لم يسأل أحد من قيادات قوى الحرية والتغيير عمن يقفون خلف تلك الأصوات ، كما وان الفريق أول محمد حمدان دقلو هو ذلك القائد لجيش خاص يقوده وينوب عنه في قيادته شقيقه بموجب قانون خاص أصدره برلمان البشير نفسه في عام ٢٠١٧م ،فماذا كان يعني شعار (باستثناء المؤتمر الوطني) والمؤتمر الوطني كان هو الشريك الخفي الأقوى في حكومة حمدوك من خلال زراع المكون العسكري .
إن الأوضاع الحالية في السودان تجاوزت الأطراف الداخلية وصارت أطرافها الخارجية الأكثر تأثيرا في تشكيل مستقبل الدولة السودانية، ومن أهم اللاعبين الأساسيين رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد ودولة فرنسا. بالنسبة لدولة فرنسا فإن علاقتها بالأزمة السودانية انها تمثل امتدادا لتأمين مصالحها بدول حزام الغرب الأفريقي الممتد من قبالة دول المحيط الأطلسي، والخروج القسري لدولة فرنسا من هذا الحزام الأفريقي حاول ان يبدأه الرئيس التشادي السابق إدريس دبي بإعلان غير مدروس، ثم بدأ الإخراج بصورة جريئة في دولة النيجر عقب الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد بازوم ووجد الإخراج القسري لدولة فرنسا من النيجر المساندة من دولتي بوركينا فاسو ومالي ، كما وجد الإخراج القسري التأييد من شعوب العديد من دول الحزام الغرب الأفريقي وصار هذا الخروج أو الإخراج القسري لدولة فرنسا من دول الحزام الأفريقي مسألة وقت، ولن تجدي محاولات دولة فرنسا من خلال استخدام أدوات المجتمع المدني مثل الورش والمؤتمرات وجوائز حقوق الإنسان للمدافعين الحقوقيين بتلك البلدان،وما تحتاجها فرنسا الآن ابتكار أدوات ووسائل مغايرة تتماشى مع التأسيس لمصالح مشتركة مع مستعمراتها السابقة،وليس من خلال ممارسات الإستغلال والإستغفال للحصول على الثروات برعاية أنظمة لا تعبر عن مصالح الشعوب المعنية بحزام الغرب الأفريقي بحراسة حاميات عسكرية فرنسية .
لقد بدأ نهب الذهب والمعادن من ولايات دارفور في السنوات الأخيرة من عهد البشير وبعلمه ورعايته وذلك بواسطة شركات فاغنر الروسية المسجلة داخل السودان،ثم تطورت عمليات النهب المنظمة في عهد حكومة الحرية والتغيير بواسطة المكون العسكري، وصارت للبرهان وحميدتي شراكة منظومةأعمال إستثمارية خارجية خاصة بهما مع دولة الإمارات ودول أخرى وصارت الدولة نفسها أقرب للشركة الإستثمارية التي تدار بواسطة قيادة المكون العسكري. نواصل.

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x