من الذي يقف وراء إعادة تشكيل الدولة السودانية؟ماذا يريد محمد بن زايد؟ (٢)

بقلم: الصادق علي حسن
(٢٦) شهرا بلا محكمة دستورية أو أي إجراءات جادة لعملية إنتخابية:
بعض قراء مقالي السابق (المقال ١) استبق التعليق ، ولم يدرك ما قصدته مما قلته لرئيس مجلس الوزراء د عبد الله حمدوك بأن من الأفضل له الخروج من السلطة في أقرب وقت وقبل فوات الأوان وبأقل خسارة ممكنة قبل صدور قرارات ٢٥/ أكتوبر/ ٢٠٢١م، وهنالك من فهم بان في ذلك دعوة للهروب من المسؤولية وذلك ما لم أقصده على الإطلاق، بل قصدت ان يمارس أدب الإستقالة حين العجز ، ولم يتمهل بعض أولئك القراء بالنظر لحجم فداحة المآلات والنتائج الراجحة وقتذاك ورئيس مجلس الوزراء د حمدوك نفسه ظل يجأر بالشكوى للرأي العام عبر وسائل الإعلام بأن قوى الحرية والتغيير لم تسلمه أي برنامج وانه ملزما بإنفاذ برنامج قوى الحرية والتغيير بموجب أحكام الوثيقة الدستورية الفصل الخامس المادة (١٦/ ١) حول اختصاصات وسلطات مجلس الوزراء (تنفيذ مهام الفترة الانتقالية وفق برنامج إعلان الحرية والتغيير الوارد في هذه الوثيقة) ،ونسى بعض أولئك القراء الأوضاع القائمة بالبلاد والمسيرات اليومية إلى مجلس الوزراء واغلاق الشوارع وتعطيل الأعمال والأنشطة الخاصة والعامة ومهام رئيس الوزراء محددة بتنفيذ برنامج الحرية والتغيير وقد أدي اليمين الدستورية في يوم ٢١/ أغسطس /٢٠١٩م وحتى يوم ٢٥/ أكتوبر/ ٢٠١٢م لم يتسلم برنامج مهامه من قوى الحرية والتغيير، كما لم يباشر مجلس الوزراء الصلاحيات المنصوص عليها في الفصل الثاني عشر المادة (٣٩ /٣) : يعين مجلس الوزراء رئيس رئيس وأعضاء المفوضيات الآتية :-
(أ) . مفوضية الإصلاح القانوني.
(ب). مفوضية مكافحة الفساد واسترداد الأموال العامة.
(ج). مفوضية حقوق الإنسان.
(د). مفوضية إصلاح الخدمة المدنية.
(ه). مفوضية الأراضي.
(و). مفوضية العدالة الانتقالية.
(ز). مفوضية المرأة والعدالة النوعية.
(ط). أي مفوضيات أخرى يرى مجلس الوزراء ضرورة لإنشائها. وبموجب أحكام الفصل الثاني المادة (١) من الوثيقة الدستورية فإن الفترة الإنتقالية مدتها بالنص تسعة وثلاثون شهرا ميلاديا (تكون مدة الفترة الانتقالية تسعة وثلاثون شهرا ميلاديا تسري من تاريخ التوقيع على هذه الوثيقة الدستورية) ، وقد تم التوقيع على الوثيقة الدستورية في ١٧/ أغسطس/ ٢٠١٩م . وأحكام المادة المذكورة وجوبية ولم يتبق من مدة الفترة الانتقالية سوى ثلاثة عشر شهرا فقط، ولم يقم رئيس الوزراء د عبد الله حمدوك بتعيين رؤساء المفوضيات المستقلة فما الذي كان ان يطلب منه سوى ممارسة أدب الاستقالة.
هنالك ثلاثة تجارب للانتقال الديمقراطي في السودان ،ففي التجربتين الأولى(عقب ثورة أكتوبر ١٩٦٤م المجيدة) والثانية(عقب ثورة رجب/أبريل ١٩٨٥م) تأسست عملية الانتقال الديمقراطي على استعادة الحياة الدستورية للبلاد (أي استعادة الشرعية المنقلب عليها) ، ولكن في التجربة الثالثة (عقب ثورة ديسمبر المجيدة ٢٠١٨) تم تجاوز عملية الاستعادة الصحيحة للوضع المُنقلب عليه، وتم التأسيس لعملية انتقالية بل مرجعية ، وهذه لم تكن مشكلة د حمدوك بل مشكلة قوى الحرية والتغيير والمُشرع الدستوري لهذه القوى المذكورة، في التجربتين السابقتين (الأولى والثانية) انحصرت مهام عملية الإنتقال في التأسيس للشرعية الإنتخابية وتدابير الانتقال الأخرى الضرورية ولكن بموجب الوثيقة الدستورية صار من مهام الانتقال إنشاء المفوضيات المستقلة للقيام بكل شؤون وصلاحيات واختصاصات السلطة المنتخبة بما في ذلك صناعة الدستور وفقا لأحكام الفصل الثاني عشر المادة (٣٩/ ٣) يعين مجلس السيادة رئيس وأعضاء المفوضيات الآتية بالتشاور مع مجلس الوزراء :
(أ). مفوضية السلام.
(ب). مفوضية الحدود.
(ج). مفوضية صناعة الدستور والمؤتمر الدستوري.
(د). مفوضية الإنتخابات.
كل مهام السلطة المدنية المنتخبة تم تخويلها للسلطة التي يفترض ان تكون مهامها محدودة بالعملية الإنتخابية ونقل السلطة لممثلي الشعب المختارين بالتفويض الإنتخابي، وكانت عملية الانتقال نفسها لا تقوم على ساقين لذلك كانت رؤيتي المتواضعة للدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء بان (يتخلى عنها قبل ان تتخلى عنه) خاصة وقد ظل يتمسك بان البرنامج هو من مسؤولية قوى الحرية والتغيير ، وان القوى المذكورة لم تقدم له أي برنامج فكيف له وبإقراره بانه بلا برنامج ان يقود البلاد إلى العملية السياسية السليمة التي كان ينتظرها الشعب الذي كان يهتف له شكرا حمدوك ثم تحول الهتاف إلى عبارات قاسية (حمدوك…. الشارع حي) .
صراع المصالح :
عالم اليوم يحكمه المصالح والتقاطعات الدولية، والحديث عن نظرية المؤامرة يقوم على الخمول النظري وعدم الإدراك، ما يجمع في عالم اليوم بين الدول والشعوب اعتبارات المصالح وفي البحث عن المصالح كل الأمور والوسائل المستخدمة وأردة الخبيثة وغيرها والقيادة المدركة تعي مصالح شعبها في كل الأحوال ولكن الدولة السودانية لم تمر عليها قيادات قدراتها على قدر مستوى التحديات التي تواجهها ، لذلك ظل شعبها يعاني ويعاني منذ إعلان الاستقلال حتى صار إنهاء قواعد تأسيس الدولة نفسها مطلبا لدى من لا يعي ماذا يعني إنهاء قواعد التأسيس ونتائجه .
في المقال القادم ساتناول وقائع قيام دولة الإمارات بنقل مئات الشباب السودانيين من الخرطوم إلى دولة الإمارات تحت غطاء العمل في وظائف تأمين المنشئات الخاصة ثم تدريبهم على الأسلحة المتطورة وترحيلهم من دون علمهم إلي منطقة رأس لانوف بليبيا لحماية آبار النفط التي تسمى بآبار زايد، هذه القصة مشهورة وقد حاول الشباب السودانيين الذين عادوا إلى بلادهم من رأس لانوف ورفضوا العمل إقامة دعاوى في مواجهة شركة السياحة السودانية والتي يملكها أحد الضباط من منسوبي جهاز الأمن ودولة الإمارات داخل السودان وبدأت الإجراءات في ظل عهد البشير واستمرت في حكومة حمدوك ولكن فشل أولئك الشباب في إقامة الدعاوى لدى الجهات المختصة ببلادهم حتى في ظل حكومة ثورة ديسمبر المجيدة وقد تمكنت أصابع المكون العسكري من تعطيل سير الإجراءات. لقد التزمت للعديد من هؤلاء الشباب بمباشرة العون القانوني وقد طرقوا كل الأبواب التي أوصدت أمامهم ولم ييأسوا حتى الآن . نواصل.