من الذي يقف وراء إعادة تشكيل الدولة السودانية؟وماذا يريد محمد بن زايد؟ (٣)

بقلم: الصادق علي حسن
إدارة الدولة بشعارات شكرا حمدوك :
مجموعة د. عبد الله حمدوك من عناصر قوى الحرية والتغيير (قحت) كانت تدير الدولة السودانية بعقلية رفع الشعارات ودغدغة المشاعر ، ولم تقم بأي أعمال أو أنشطة معتبرة في سبيل تحقيق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة .كما خالفت الوثيقة الدستورية الإستعادة الصحيحة للحياة الدستورية للبلاد ، ولأول مرة في تجارب الدساتير في السودان، وقد يكون ذلك أيضا في تجارب الدول الأخرى ، يتم النص في أحكام دستور على تأسيس الشرعية والحقوق الدستورية على برنامج لتنظيمات سياسية ، وبموجب الوثيقة الدستورية أصبحت الحقوق الدستورية المنشأة بموجب أحكامها مستمدة من برنامج(قحت) ، والأكثر غرابة،لم يكن ذلك البرنامج مجازا أو موجودا بالفعل بل كان في رحم الغيب، كما وظل كذلك في رحم الغيب حتى الانقلاب على المكون المدني في شراكته مع المكون العسكري. ولا يزال هنالك من بين نشطاء المجتمع المدني والسياسي من يسعى لتغييب العقول وحجبها عن الحقائق والوقائع التي تكشف عدم سلامة الممارسة السياسية في ظل عهد حكومة ثورة ديسمبر المجيدة وإيهام الرأي العام بأن حكومة د عبد الله حمدوك قامت بانجازات غير مسبوقة، مع انه وحتى إنقلاب الشريك العسكري على شريكه المدني وحكومته برئاسة د حمدوك كان الدكتور حمدوك (المؤسس) نفسه يردد علنا بانه لم يستلم برنامج حكومته من (قحت).
*رفع العقوبات وإسم السودان من لائحة مكافحة الأرهاب الأمريكية :
صحيح إن رفع العقوبات الأمريكية من السودان ورفع إسم السودان من لائحة مكافحة الدول الراعية للإرهاب الأمريكية تم إنجازهما في عهد حكومة د حمدوك وبواسطته ، والرفعان مهدا لتجسير علاقات السودان السياسية والاقتصادية مع دول الغرب والمؤسسات المالية العالمية وتلقي الاعانات والقروض ، ولكن الصحيح أيضا ان تلك النتائج هي من مكاسب ثورة ديسمبر المجيدة ، فالعقوبات المذكورة قررتها الولايات المتحدة على السودان في مواجهة النظام البائد كذلك وضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب ، وبمجرد ذهاب النظام البائد زالت الأسباب وقد شرع صناع القرار في الولايات الأمريكية في بحث تسريع رفع العقوبات الأمريكية ورفع إسم السودان من لائحة مكافحة الإرهاب والذي كان يتطلب إجراءات قانونية يتخذها الكونغرس وأخرى أوامر تنفيذية للإدارة الأمريكية،والسلطتان التشريعية والتنفيذية بالولايات المتحدة أعلنتا مساندة النظام الديمقراطي الوليد بالسودان ، ولم يكن رفع العقوبات ولا رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب يحتاجان إلى جهد سياسي أو دبلوماسي عظيم كما سارعت كل دول الغرب الأوروبي للإحتفاء بالتحول الديمقراطي بالسودان والتزمت بمساندة حكومة الثورة بعد ذهاب نظام حركة الإسلام السياسي الراعي للإرهاب والإرهابيين ، لقد أذهلت ثورة ديسمبر المجيدة وقطار عطبرة القادم لميدان الاعتصام العالم، كما وصارت اناشيد وأهازيج ترانيم الثورة السودانية عالمية، وأعلن نافذون دوليون بصورة جادة عن أهلية تجمع المهنيين السودانيين (لافتة ضبط ساعة خروج الثوار) ورمزه د محمد ناجي الأصم لاستحقاق جائزة نوبل للسلام، ولو كانت هنالك قوى سياسية على قدر المسؤولية أو تجمع حقيقي للمهنيين السودانيين أو برنامج لحكومة حمدوك لالتقطوا القفاز بتكوين لجنة لتقديم ملف تجمع المهنيين ورمزه الأصم للترشح لجائزة نوبل للسلام ولكان مجرد الترشيح في حد ذاته نقلة كبرى ودعاية لحكومة حمدوك، وكان العالم يبحث عن تجمع المهنيين السودانيين ودوره وعن الذين قاموا بصناع ثورة ديسمبر المجيدة التي اذهلت العالم كله وغيرت الموازين ونظرة دول الغرب والولايات المتحدة للسودان ، وكان ردا عمليا على أنظمتها بعدم صحة رؤيتها بأن نظام الإسلام السياسي بالسودان قد تمكن من تدجين التنظيمات والأحزاب السياسية السودانية واتجهت دول الغرب بالفعل لمواءمة مصالحها مع نظام البشير ومعاونه قائد قوات الدعم السريع حميدتي ودعم الإتحاد الأوروبي ماديا وفنيا مشروعات التعاون مع نظام البشير والدعم السريع في مكافحة الهجرة غير الشرعية لأوروبا .
الدكتور عبد الله حمدوك :
د. حمدوك شخصية محترمة ومهذبة ومتواضعة ولكنه أنقطع عن ممارسة العمل السياسي و شؤونه منذ ثلاثة عقود وقد صار موظفا دوليا يشغل وظيفة مرموقة ، كذلك كان الزج بحمدوك ومطالبته بالعمل السياسي وتولي رئاسة الوزارة عقب نجاح ثورة ديسمبر المجيدة للتصدي لأعباء وأثقال ثلاثة عقود من التخريب السياسي والاقتصادي وهو قليل الخبرة بالعمل السياسي فقط على خلفية اعتذاره للبشير عن تولي حقيبة وزارة المالية في عهده ، لم يكن ذلك من قبيل الرشد السياسي لقوى الحرية والتغيير ، كما وان غالبية وزراء و مستشاري د حمدوك كانوا أقل منه خبرة، ويضاف إلى ذلك ثغرات الوثيقة الدستورية ، كلها أجتمعت في ظروف استثنائية فصارت أسباب مباشرة لإضاعة مكاسب ثورة ديسمبر المجيدة.
نهب ثروات البلاد وشهادة الدكتور موسى كرامة :
الدكتور موسى كرامة من كوادر الحركة الإسلامية بقيادة د حسن الترابي منذ ان كان طالبا وكان مشاركا بفاعلية في إتحاد طلاب جامعة الخرطوم والروابط الأكاديمية،كما وتولى وظائف عديدة عامة منذ تخرجه في الجامعة وصار رئيسا لإتحاد منتجي الصمغ العربي العالمي وقبل ذلك مديرا عاما للصمغ العربي وعقب رجوع مجموعته الغاضبة (المؤتمر الشعبي) إلى السلطة بعد الإنفصال تم اختياره وزيرا للصناعة والتجارة، تجمعني بالدكتور موسى كرامة صلة القرابة الرحمية والمعرفة الوثيقة منذ صغري حيث كان في أثناء مراحله الدراسية يقيم معنا بمنزلنا بنيالا ، وبالرغم من التزام موسى كرامة بنهج الترابي والحركة الإسلامية مبكرا ألا أنه كان يمتاز بدرجة عالية من المصداقية ، تعلمت منه تنظيم الندوات وكان يأتي في إجازات الأعطال الدراسية لينظم الندوات المحضورة بمدرستي نيالا الشمالية الإبتدائية وقد كان جمهور نيالا يستمع له ولزملائه الطلاب خاصة طلاب جامعة الخرطوم بشغف حول القضايا العامة والتنمية والخدمات ، قلت بعض هذه الشهادة عن المرحوم د.موسى كرامة قبل ان اتناول موضوع إفاداته لي في أيامه الأخيرة وفي الأسبوع الذي توفي فيه، وكان قد أجرى أكثر من عملية دقيقة، وفي إحدى الأيام على عهد حكومة د. حمدوك وكان د موسى كرامة على فراش المرض وفي أيامه الأخيرة تلقيت فجاءة مكالمة منه وكنت قبل ذلك ذهبت إلى منزله بأبي سعد للإطمئنان عليه، ولم أقابله وتركت له مذكرة ، وأعتقدت انه أتصل علي بعد ان قرأها وعرف بحضوري للإطمئنان عليه ، ولكنه قال لي لم استلم المذكرة وأعاني كثيرا من المرض المستفحل ، كما قال لي حتى رقم جوالك استدعيته بالتقنية ، وقال لي أريدك ان تنقل وصايا هامة للدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء، (وفي غرارة نفسي كانت هنالك أسئلة فدكتور موسى كرامة من أصدقاء د جبريل إبراهيم وقد تزاملا في الحركة الإسلامية وفي كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم والدراسات العليا باليابان وجبريل يتولى وزارة المالية وجالت بخاطري هذه الأسئلة أثناء وبعد المكالمة التي أستمرت لنحو ساعتين).
موضوع الوصية :
نهب ثروات البلاد وتهريب الذهب إلى الخليج عبر مطار الخرطوم بواسطة كبار الضباط وهو يعتقد بان رئيس الوزراء د حمدوك لا يعلم بهذه العمليات ونهب ثروات البلاد ، وان هذه العمليات تتم بعلم قيادة الدولة ، وذكر لي بان هنالك ملفا أعده وطلب مني تسليمه للدكتور حمدوك بشخصه، وقال ان هذه الثروات المنهوبة كافية لمعالجة كافة أزمات البلاد، سألته عن علاقته بدكتور حمدوك فرد لي بانه ليس له أي علاقة شخصية بحمدوك سوى المعرفة العامة وان د. حمدوك درس الإقتصاد الزراعي ولم يتزاملا ولكن حينما كان وزيرا للتجارة سمع بان د حمدوك مرشح السودان لرئاسة منظمة الكوميسا ولم يكن كوزير للتجارة على علم بذلك الترشيح، فسارع إلى طلب ملف مرشح السودان حمدوك ولم يجد فيه المطلوبات الأساسية، وقام بتشكيل لجنة سريعة مصغرة بمهام محددة لإكمال ملف مرشح السودان د حمدوك ليكون الملف مستوفيا للمعايير المطلوبة ، كما قال انه قام بإكمال الاتصالات اللازمة بالخارجية السودانية وبالجهات ذات الصلة بالدولة السودانية و بأعضاء دول الكوميسا وقد صار الملف جهازا وذلك لإستقطاب التأييد للدكتور حمدوك وضمان فوزه بالمنصب ، وبحسب قوله كان يتوقع إختيار د حمدوك للمنصب ولكنه فوجئ وقد تخطاه الإختيار، وقال ، على الفور قام بالإتصال بوزير التجارة الكيني مستفسرا فرد عليه تجد الرد عند وزير التجارة اليوغندي وحينما اتصل به (أو بها على ما أذكر) كان تبريره ما معناه انه في المقابلة لم يُظهر د حمدوك قدرات لإدارة منظمة الكوميسا.
إن دكتور حمدوك لديه الخبرة والباع الطويل في شؤون المنظمات الدولية كما وله سمعة طيبة ولكن هذه الخبرات تختلف عن مهام وشؤون منظمة الكوميسا المتعلقة بالتجارة بين دول وسط وشرق أفريقيا ،كما ان شؤون منظمة الكوميسا تختلف عن الإدارة السياسية والتنفيذية لدولة معقدة المشاكل والأزمات كالسودان .
مرتزقة مدنيين لحماية آبار زايد برأس لانوف الليبية :
الشاب السوداني عادل وزملاؤه دفعت بهم الظروف والحاجة للعمل وتأمين المستقبل بالذهاب إلى وكالة أماندا للسفر والسياحة السودانية بالخرطوم ،وتحت غطاء الوكالة المذكورة قامت شركة بلاك شيلد الإماراتية بالتعاقد مع أكثر من (٦١١) شاب سوداني للعمل في وظائف حراس أمن وبوصولهم لدولة الإمارات تم إعادة إجراء الكشف الطبي عليهم ثم تدريبهم بمعسكرات عسكرية على استخدام الأسلحة الثقيلة وتخريجهم بحضور قيادات رسمية ونقلهم من دون علمهم إلى منطقة رأس لانوف بليبيا ليكتشفوا ان تدريبهم العسكري بدولة الإمارات قد تم لأغراض استخدامهم كجنود لحراسة آبار وأنابيب نفط على البحر الأبيض المتوسط تسمى (آبار زايد) والخاضعة لخليفة حفتر بليبيا ، موكلي الشاب عادل ذكر لي بانهم وحتى وصولهم إلى دولة الإمارات وتدريبهم كانوا يظنون بان ذلك للعمل بالشركات الأمنية الخاصة بابو ظبي حسب العقود وانهم ارتابوا حينما تم تدريبهم على كافة أنواع الأسلحة الثقيلة، وحينما أكملوا التدريب وتم نقلهم إلى مطار حربي ازدادت مخاوفهم وشكوكهم وأمتنع العديد من زملائهم من التوجه إلى الطائرة دون معرفة الوجهة ورجعوا، ولكنه وآخرون آثروا المواصلة ودخلوا إلى متن الطائرة وهم لا يعرفون إلى إين وجهتها وسألوا كابتن الطائرة الروسي إلى إين وجهتنا ، فكان رده لهم بانه يتلقى التوجيهات عند الإقلاع. هذه الأحداث وقعت قبيل حكومة الثورة ولكن نتائجها والإجراءات التي أتخذت في عهدها، ومع ان هذه الأفعال تندرج ضمن الجرائم الموصوفة بالإتجار بالبشر والتجنيد القسري ولكن في ظل حكومة الثورة تم تعطيل أجهزة العدالة والقانون وإجراءات مقاضاة شركة بلاك شيلد الإماراتية،ونظم أولئك الشباب الذين تأثروا بتلك الممارسات والإنتهاكات المخالفة للقانون الدولي والقوانين الوطنية ومحاميهم العديد من المؤتمرات الصحفية داخل الخرطوم ، وكان يمكن لحكومة الثورة ورئيس وزرائها التدخل لحماية حقوق الضحايا وايقاف هذه الممارسات الإجرامية الدولية التي طالت المواطنين السودانيين،ولكنها غضت الطرف ، كما غضت الطرف عن وجود آلاف من الجنود السودانيين الذين تم استخدامهم (مرتزقة) للقتال نيابة عن دولتي السعودية والإمارات في الحرب على دولة اليمن – نواصل