مقالات الرأي

من الذي يقف وراء إعادة تشكيل الدولة السودانية؟وماذا يريد محمد بن زايد؟ (٤)


بقلم: الصادق علي حسن

شكرا حمدوك :
إن الغرض من كتابة هذه المقالات فتح الباب للنقاش في قضايا وأمور هامة بعضها من المسكوت عنها وأخريات من المستجدات ، وذلك حتى تتوافر للقراء المعرفة بوقائع خفية عنهم أو يجهلونها خاصة في أواسط الشباب الثوار وغيرهم من قوى ثورة ديسمبر المجيدة لتجنب تكرار الأخطاء الفادحة التي وقعوا فيها في السابق واستخلاص الدروس وأخذ العبر من التجارب للمستقبل ، السودان الآن تحول من مشروع دولة تحت التأسيس إلى مشروع دولة تحت التجزئة والتقسيم وصارت كل الاحتمالات واردة، لقد ظللت طوال فترة نظام الإنقاذ حاضرا وراصدا للمشهد السياسي وأكاد أعرف عنها وعن خفاياها الكثير من المعلومات والحقائق والوقائع وملما بالكثير من وقائع وأحداث ثورة ديسمبر المجيدة ، وبقدرما توفرت لي من معلومات أرى بأن على الجيل الجديد الذي قاد ثورة ديسمبر المجيدة وفيه الأمل المنشود لإحداث التغيير الشامل يحتاج إلى زراعة الثقة فيه ليغادر مربع الركون وانتظار االنخب الذين همهم وهدفهم الأساسي البحث عن السلطة وليس لديهم ما يقدمونه، أو بالأصح لا تمتلك هذه النخب التي تعلو أصواتها في المؤتمرات والورش والوسائط الاعلامية ما يمكن ان تقدمها او تقوم بها من أفعال للخروج بالبلاد من أزماتها ومشكلاتها المستفحلة بل تساهم بالمزيد من الأزمات والمشاكل وهي تستخدم وسائل التنافس غير الشريف على السلطة وقد برعت في المكايدات والصراعات الحزبية وتحت غطاء منظمات المجتمع المدني تقوم بتوظيف التكتلات من أجل تحقيق غاية الوصول إلى السلطة، كيانات وأشخاص وتنظيمات لا تمتلك أهداف ولا برامج لإدارة الدولة تنشط في إحداث الجلبة والضوضاء في الفراغ السياسي العريض ، لذلك بالضرورة تمليك الشباب المعلومات وتشجيعهم على البحث والتنقيب والإستفادة من الدروس والتجارب وتعلية قدراتهم الذاتية والتهيئة للتصدي للمسؤوليات العامة فهم الأجدر بها وقد ظلوا يقدمون التضحيات وصاروا هم الأصلح من خلال المواقف ولكن يعوزهم الخبرات وترتيب الأولويات وتقديم الأكثر دراية وخبرة في التجربة والعمل العام وتنظيم انفسهم سواء داخل تنظيماتهم السياسية والحزبية أو خارجها فالعمل السياسي يُمارس من خلال الأحزاب السياسية ، ومن ينتمي للأحزاب السياسية عليه ان يعمل من داخلها على تعزيز ممارسة الإصلاح السياسي داخل المؤسسة الحزبية التي ينتسب إليها، كذلك انا لا أسعى من خلال هذه الكتابة لإدانة النخب وتجريمها كهدف ،ولكن من أجل ممارسة النقد الذي قد يدفعها لمراجعة أخطائها وتصحيح سلوكها وممارساتها ومواقفها التي ترتبط بالعمل العام والمصلحة العامه ، وهنا لا بد لي ان أشيد بالأستاذ ساطع الحاج الذي تحدث معي عدة مرات وقال لي هو يُدرك بأن النقاش في القضايا والأمور العامة مسؤولية الجميع للتصحيح وعدم شخصنة الآراء في القضايا العامة وهذا هو الوعي المفقود لدى غالبية نخب اليوم من منسوبي (قحت) و(تقدم)، كذلك في عدة مرات وفي ورش عمل تناولت الوثيقة الدستورية المعيبة ولجنة التحقيق التي شكلها د عبد الله حمدوك للتحقيق في جرائم فض الاعتصام برئاسة الأستاذ نبيل أديب وبحضور الأستاذ نبيل الذي ظل في ردوده يتمسك بوجهة نظره في الموضوعين، كما ويرى بأن دستور السودان المؤقت لسنة ١٩٥٦م ما هو إلا مجرد ترجمة لتوصيات لجنة استانلي بيكر التي شكلها الحاكم العام جورج هاو في ظل الإستعمار ، والصحيح ان تلك اللجنة المذكورة تم تشكيلها في ظل الإستعمار من خبراء دوليين برئاسة القاضي الإنجليزي ستانلي بيكر لوضع توصيات بشأن ممارسة السودانيين للحكم الذاتي وتقرير مصير بلادهم ووضعت تلك اللجنة توصياتها للسودانيين بوصفهم أصحاب الصفة للنظر فيها والتقرير بشأنها ولم تكن ملزمة لهم، ومن نتائج توصيات لجنة بيكر وضع قواعد انتخاب البرلمان الوطني الأول في عام ١٩٥٣م وممارسة التجربة الديمقراطية التأسيسية الأولى لمشروع الدولة السودانية ، ومشاركة السودانيون بارادتهم الحرة في إختيار من يمثلونهم من خلال إنتخابات عامة تمت برقابة دولية وأنتجت تجربة الحكم الذاتي وتقرير مصير البلاد وإعلان الاستقلال من داخل البرلمان ، ولكن كل ذلك لا يعيره الأستاذ نبيل أديب أي إهتمام فقط يرى ان دستور السودان المؤقت لسنة ١٩٥٦م ترجمة لتوصيات لجنة ستانلي بيكر التي شكلها المستعمر،هذه الرؤية من كبار القانونيين مثل أستاذ نبيل أديب شجعت الكثيرين مؤخرا للمطالبة بإنهاء ما أطلقوا عليها دولة ١٩٥٦م دون تمييز ما بين قواعد تأسيس الدولة ووجودها والحكومات التي نشأت لإدارتها، ومهما كان الاختلاف في الرأي مع الأستاذ نبيل أديب فهو يرد على النقد في القضايا العامة بوجهة نظره واجتهاداته في اطار الرأي والرأي الأخر . ولكن هنالك غيره من قوى الحرية والتغيير ممن لا يقبل مبدأ النقد أومجرد كتابة الرأي الأخر ويا ليت لو كان ذلك التوجه من أجل مصلحة عامة يتوخاه صاحب هذا الرأي منهم أو ذاك أو ممن له الفكر والفقه والإدراك ، كما العديد من تعليقات أولئك النفر تكشف عن مرامي المصلحة الذاتية والرغبة الجامحة في العودة إلى السلطة مجددا وترديد المنقول عن الغير ، ويرفض البعض من أولئك النفر بل ويغالي البعض منهم في الرفض لأي نقد للدكتور حمدوك الذي أطلقوا عليه لقب المؤسس وقد جعلوه كالطوطم المقدس يردون على كل من يتناوله بالرأي أو النقد بشعار (شكرا حمدوك) ومن يتروى منهم قليلا ويبحث سيجد ان كل المشكلات والأزمات الحالية قد نتجت وتأزمت بسبب تعطيل إستعادة الحياة الدستورية للبلاد عقب نجاح ثورة ديسمبر المجيدة في عزل البشير كما ومن أسباب الأزمات التي نشأت وأفضت إلى نشوب الحرب العبثية الدائرة حاليا عدم مباشرة دكتور حمدوك للسلطات المخولة له بموجب الوثيقة الدستورية نفسها وقد صار د حمدوك في عهده بلا صلاحيات تنفيذية حقيقية .في ٣/ فبراير/٢٠٢٠م التقى رئيس مجلس السيادة الفريق أول البرهان في عنتبي بكمبالا برئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو (المعلوم بالضرورة أن سلطات مجلس السيادة تشريفية) ولتقديرات أسماها البرهان بالشخصية بالرغم من وجود قانون مقاطعة إسرائيل الساري المفعول ،وفور إعلان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي باللقاء أكد د.حمدوك رئيس الوزراء لوسائل الإعلام بأنه لم يكن يعلم باللقاء كما وأصدر وزير الإعلام الناطق الرسمي بإسم الحكومة الأستاذ فيصل محمد صالح بيانا نفي فيه علم مجلس الوزراء ورئيسه ووزير الخارجية باللقاء الذي علموا به جميعا من خلال الأسافير كالرأي العام السوداني، ولكن د حمودك الذي أكد عدم علمه باللقاء ولا موضوعه سارع لاحقا بإعلان ترحيبه بنتائج اللقاء المذكور مبررا ترحيبه بالقول (طالما تم اللقاء لمصلحة البلاد)، ولم يكن ذلك اللقاء بين البرهان ونتنياهو عارضا أوفي أروقة دولية والتقى خلالها البرهان بنتنياهو فجاءة بممرات دهاليز إحدى المؤتمرات الدولية ولم يتحاشاه والتقى به ،ولكن كان لقاءًا مرتبا بتخطيط دولي محكم تم إعداده بعناية وذكرت وسائل الإعلام العالمية ان اللقاء تم بترتيب من دولة الإمارات ورئيسها محمد بن زايد وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ان (الرئيسان) اتفقا من أجل الحوار وتطبيع العلاقات بين البلدين وعقب اللقاء أتصل وزير خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو بالبرهان وأثنى على الخطوة ووصف مراقبون دوليون الخطوة بأنها ستمهد لرفع العقوبات الأمريكية عن السودان ورفع إسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب ، لست هنا بغرض تناول موضوع اللقاء أوالمصلحة التي سعى البرهان لتحقيقها ومدى صحتها ، ولكن حول سلطة مجلس الوزراء ورئيسه وتجاهل البرهان لمجلس الوزراء ورئيسه صاحب الاختصاص الأصيل والذي بحسب بيان مجلس الوزراء الذي تلاه وزير الاعلام ونطاقه الرسمي الأستاذ فيصل محمد صالح لا علم لهم بذلك اللقاء الذي تم بالرغم من قانون مقاطعة إسرائيل ساري المفعول ، وكان الفريق أول محمد حمدان دقلو نائب البرهان في مجلس السيادة يردد كلما أتت مناسبة بان د حمدوك كان لديه العلم باللقاء قبل حدوثه .
إن ملف السلام من أعمال السلطة التنفيذية ومن الأخطاء المعيبة في الوثيقة الدستورية تخويل مجلس السيادة حق تشكيل أربع مفوضيات مستقلة بموجب أحكام المادة ٣٩(٣/أ/ب/ ج/د) وذلك بالتشاور مع مجلس الوزراء ، ومنها مفوضية السلام ومهام مجلس السيادة المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية الفصل الرابع المادة (١٢/ ١/س) رعاية عملية السلام مع الحركات المسلحة وليس التفاوض مع الحركات المسلحة ،وبداهة ان عملية التفاوض من مهام السلطة التنفيذية ورئيس وزرائها د.حمدوك ولكن تم تجاوز د حمدوك ومجلس وزراءه وتعيين حميدتي مسؤولا عن ملف التفاوض مع الحركات المسلحة. في يوم ١٩/ ٥/ ٢٠٢٠م التقى وفد من هيئة محامي دارفور برئيس مجلس الوزراء د عبد حمدوك بمكتبه بالأمانة العامة لمجلس الوزراء وناقش معه ضمن أمور أخرى قضايا الراهن بالبلاد وموضوع مفاوضات سلام جوبا وتولي حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة لرئاسة لجنة السلام وموضوع السلام من الموضوعات التنفيذية وكانت المفاجاة للوفد ان د حمدوك نفسه لديه تحفظاته ولم يكن يتوقع نتائج مبشرة لسلام جوبا ولكنه مثل لقاء (البرهان/نتنياهو) لم يعترض عليه وقد (آثر المصلحة العامة) ، أيضا طلبت الهيئة من د.حمدوك التمسك ببقاء بعثة اليوناميد تحت الفصل السابع والتماس إضافة مهام حماية الإنتقال والعملية الإنتخابية للبعثة الأممية بحسبان التحديات وحجم المخاطر التي ستواجه العملية الإنتخابية ، وكان د. حمدوك يتحدث عن الدعم الفني بموجب البند السادس وكأن البلاد قد تجاوزت بالفعل مرحلة المخاطر وآثار ثلاثة عقود من الشمولية وأدواتها.
في ١٩/ أبريل/ ٢٠٢٠م أصدر البرهان قرارا بتشكيل اللجنة العليا لإدارة الأزمة الإقتصادية من مجلس السيادة ومجلس الوزراء وقوى الحرية والتغيير برئاسة نائبه في مجلس السيادة حميدتي والدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء وصاحب السلطة التنفيذية الأصيلة نائبا له ، في ٢٣/ يوليو/٢٠٢٢م وفي ورشة تقييم المرحلة الانتقالية التي نظمتها صحيفة الديمقراطي والحرية والتغيير بدار المحامين بالعمارات -الخرطوم ذكر د إبراهيم البدوي وزير المالية في حكومة حمدوك الأولى أنه تفاجأ بعد عودته من رحلة خارجية بقرار تشكيل اللجنة الإقتصادية برئاسة حميدتي ورئيس الوزراء نائبا له وأعتبر ذلك من أسباب خروجه من الوزارة.
نشطاء (قحت) و(تقدم).
لقد ظلت الدولة السودانية خلال فترة حكومة د حمدوك مستباحة بواسطة دولة الإمارات وشركة فاغنر الروسية وهنالك وأقعتان ساسردهما للقاري الكريم من النماذج العديدة،وهما ثبوت قيام دولة شركة فاغنر بالسودان والإمارات بنقل الأسلحة عبر دارفور إلى ليبيا لخليفة حفتر وقد ثبت ذلك بالمصادفة حينما تقدم بعض العمال السودانيين العاملين مع فاغنر بدعوى قضائية أمام محكمة العمل الخرطوم في مواجهة إحدى شركات فاغنر للمطالبة بدفع مرتباتهم بالدولار بدلا عن العملة المحلية، ووأقعة وجود معسكرات لفاغنر بكامل عتادها العسكري ومهبط لطائرات عمودية بأم دافوق السودانية قبالة دولة أفريقيا الوسطى. هذه الوقائع وغيرها كانت معلومة على نطاق أوسع ولكن لم تكن هنالك أجهزة محترمة أو سيادة لدولة . نواصل.

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x