من الذي يقف وراء إعادة تشكيل الدولة السودانية؟وماذا يريد محمد بن زايد؟ (٥)

بقلم: الصادق علي حسن
مندوب السودان لدى الأمم المتحدة (الحكمة أم الصحة) :
أجمع العلماء وأهل الخبرة والتجارب بأن الحكمة مقدمة على الصحة، لذلك الحكماء في تسوية المنازعات لا يتمسكون بالضرورة بالصحة ولايتقيدون بها طالما الحكمة تقتضي ذلك لمعالجة الموضوع المتنازع عليه . إن مندوب السودان لدى الأمم المتحدة قدم بمجلس الأمن الدولي وبنبرة شديدة الحدة حيثيات بما وقع على بلاده من دولة الإمارات وعن السودان وتاريخه وعن دولة الإمارات التي تأسست حديثا عام ١٩٧١م ودور أبناء السودان في بناء نهضتها وقد كانت بلا أي تاريخ معتبر، دولة قليلة السكان ، وصغيرة المساحة .ولكن ماهية الفائدة المرجوة من هذه الحيثيات التي ذكرها مندوب السودان لدى الأمم المتحدة بمجلس الأمن الدولي وماهية ضرورتها في سياق عرض مشكلة السودان بالنسبة لتدخل دولة الإمارات في الشأن السوداني الداخلي والحرب الدائرة ، إن دولة الإمارات اليوم قوى سياسية وإقتصادية مؤثرة عالميا ، ولارباط للحرب الدائرة بتكوين دولة الإمارات وتاريخها، والتدخل الإماراتي بالسودان والأزمة تفاقمت من خلال سماح قيادة الدولة السودانية منذ عهد المخلوع البشير لأصابع محمد بن زايد بالتدخل في الشأن الداخلي السوداني والعبث به كيفما شاء، ليفعل ما يريد ،كما إن مخاطبة أزمات البلاد والحرب والتدخل الإماراتي في الشأن السوداني لن يتم كبح جماحه هكذا، لتأتي النتائج ببساطة في صالح السودان، فاليوم دولة السودان ترفد العالم والأمم المتحدة بالمشاكل والأزمات الإنسانية وهي الدولة الأولى في تصدير عدد اللاجئين للعالم الذين وصل تعدادهم للملايين ويرهقون ميزانية الأمم المتحدة بالتكاليف والأعباء المالية والبعثات ووكالات العون الإنساني ، كما وتعاني دول الجوار الشقيقة والصديقة من تدفقات اللاجئين السودانيين يوميا نتيجة للتوسع في نطاق الحرب، هذه هي القضايا التي كان يجب على مندوب السودان لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي التركيز فيها والحديث عنها وعن دور دولة الإمارات في تاجيج الحرب الدائرة بالسودان حتى صار الوضع بالسودان مهددا للأمن والسلم الدوليين وكان عليه تقديم الشواهد بالمدد والعتاد العسكري الإماراتي، كما أن التعامل مع رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد ودوره في الحرب الدائرة فهذا الأمر يحتاج إلى الحكمة التي تفتقرها قيادة الدولة الحالية، الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام لقوات الشعب المسلحة يرد على منتقديه حول تصريحه الأشتر (الأحمق) باستعداد السودان منح دولة روسيا قاعدة عسكرية في أراضيه، بمواصلة تكرار حماقته بأن بالإمكان أيضا منح أمريكا والصين والسعودية ومصر وأي دول أخرى قواعد عسكرية ومن خلال إقامة القواعد العسكرية تقوم شراكات اقتصادية، ياسر العطا لا يُدرك مدى خطورة هذه التصريحات عالميا وكأن الدولة السودانية صارت تمنح أراضيها في المزاد للدول لتبني عليها قواعد عسكرية بالإكتتاب كأسهم المضاربات في سوق المال والأعمال ،تلك التصريحات الهوجاء لا يُدرك ياسر العطا مدى خطورة نتائج مردودها لدى الدول المتنافسة من صناع القرار العالمي والأمم المتحدة، وهذه الأمور الحساسة حتى بين الدول الصديقة والمتحالفة يتم بحثها وإقرارها في سرية وتكتم شديدين وليس في وسائل الإعلام علنا ، لقد تجنبت روسيا في زيارة نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار التصريح عما تم بحثه بالفعل مع مالك عقار ووفده ولم تُظهر أي إهتمام بزيارة نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار الرسمية لموسكو بالرغم من العرض السخي السوداني الذي سبق الزيارة وقد أظهر مالك عقار عدم إلمامه بالقواعد الدبلوماسية (لا جدة لا جدادة)، والرئيس الإماراتي محمد بن زايد كما وولي العهد السعودي محمد بن سلمان يسافر إليهما الرئيس الروسي بوتن إلى عاصمتي بلادهما ويلتقي بهما لتوقيع عقودات لمشروعات اقتصادية وأخرى بمليارات العملة الصعبة والتماس وساطة دولة الإمارات لبحث تبادل الأسرى مع أوكرانيا وقد نجحت وساطة بن زايد في فبراير ٢٠٢٤م بتبادل (٢٠٠) أسير ما بين روسيا وأوكرانيا و١٥٠ أسيرا في مايو ٢٠٢٤م فإين هي الدبلوماسية السودانية وتأثير السودان العالمي الذي يتباهي به مندوب السودان بالأمم المتحدة ومجلس الدولي والرئيس السوداني كما فعل المخلوع البشير سابقا حينما يذهب إلى موسكو يلتمس الحماية بصورة مهينة ومذلة الشعب السوداني ينشر الإعلام الروسي حضوره المذل أمام الرئيس بوتن وهو نفسه الإعلام الروسي الذي يحتفي بالرئيس بوتن وهو يلتمس مساعدة بن زايد . إن أزمة الدولة السودان أنها دخلت في لجة المشكلات والأزمات الداخلية والخارجية المستفحلة وهي من صنع قيادات لم تكن جديرة بقيادتها ، إن الرئيس الإماراتي محمد بن زايد صار له الدور المعلوم في التدخل في شؤون العديد من الدول وزعزعتها، شعب وقيادة دولة الجزائر ظلت تتعامل مع محمد بن زايد بحذر شديد ولا تسمح له بالتدخل في شؤونها والعاقل من اتعظ من العواقب. حينما كانت قيادة الدولة السودانية ممثلة في المعزول البشير ومن بعده البرهان وحميدتي في عهد حكومة ثورة ديسمبر المجيدة ومن بعد قرارات البرهان في ٢٥/أكتوبر/ ٢٠٢٤م وانفرادهما معا بالقرار في البلاد، ظلت الدولة السودانية تفوج الجنود السودانيين (كالمرتزقة) للقتال بدولة اليمن مقابل الأموال، وكان الجزائريون شعبا وحكومة يرفعون شعارات (لا للإمارات في بلاد الشهداء) ويصفون دولة الإمارات بأنها تقوم بتبني الإضطرابات العرقية بدول المغرب العربي والساحل كما وصفوها بأنها دولة لا تعرف الديمقراطية أو الإنتخاب أو حقوق الإنسان وتمارس الوصاية على الآخرين برفع شعارات مبادئ السياسة التي لا تعرفها أو تمارسها أو تؤمن بها والتدخل في شؤون تلك الدول .
أصابع دولة الإمارات في السودان :
على القوى السياسية السودانية المعارضة في تقديراتها السياسية التمييز ما بين مناهضة النظام بقيادة البرهان وأعوانه وهم أيضا من صنائع دولة الإمارات ورئيسها محمد بن زايد ومستقبل الحفاظ على وجود الدولة السودانية في حد ذاته، لقد كان البشير أداة من أدوات دولة الإمارات ، ثم حل محله البرهان وحميدتي ليقومان بنفس الدور ، والآن لتقديرات إماراتية يقوم حميدتي بتقديم خدماته وصار البرهان خصما لدولة الإمارات، وبالرغم من فداحة الحرب ودور الإمارات فيها،ومندوب السودان بمجلس الأمن الدولي ظل يجأر بالشكوى مرارا وتكرارا ضد الإمارات ، لم تصدر حكومة البرهان قرارا بسحب الجنود السودانيين الذين يقاتلون لصالح دولة الإمارات في حرب اليمن (جنود مرتزقة ) إما إذا حدث ذلك ولم يتم الإعلان عنه حتى الآن ، فما السر في ذلك.؟
الإمارات تقوم بنقل السلاح إلى حفتر عبر دارفور :
في عهد حكومة ثورة ديسمبر ورئيس وزرائها د عبد الله حمدوك بمحكمة العمل الخرطوم وكانت قاعة المحكمة مكتظة بالمحامين وموكليهم والحضور لجلسات أخرى بدأت المحكمة بسماع دعوى لعاملين بشركة أجنبية أتضح من خلال السماع أنها شركة روسية، وتتلخص إفادات المدعيين بأنهم كانوا يعملون مع الشركة المدعى عليها برواتب بحسب العقود تدفع بالدولار ولكن الشركة مصرة على دفع الرواتب بالعملة السودانية، وقدم المدعوون للمحكمة العقودات الحقيقية (عقود مستترة بالدولار) والعقود الصورية (بالعملة السودانية) وتمسكوا بالعقودات الحقيقية، سأل قاضي محكمة الموضوع المدعيين عن نوع العمل الذي يقومون به مقابل الرواتب بالعملة الصعبة فذكر المدعوون انهم يقومون بأعمال الترجمة للمدعى عليها (الشركة الروسية) وان الشركة الروسية تقوم بنقل السلاح بالطائرات عبر دارفور إلى ليبيا وحفتر وهم يتولون مهام الترجمة أثناء نقل السلاح والمعدات العسكرية إلى ليبيا بالطائرات وكانوا يتعرضون للمخاطر التي تهدد حياتهم ،لقد كانت الوقائع صادمة للكثيرين ممن حضروا وقائع الجلسة بالصدفة، وخرجت وقائع الجلسة إلى خارج أسوار محكمة العمل الخرطوم إلى المنتديات العامة وفي دار المحامين بالعمارات ش ٦١ كان المحامون يتناكفون سياسيا حول الشركة الروسية والسماح لها بالعمل في الأنشطة العسكرية ونقل الأسلحة في ظل حكومة الثورة وكان من ضمن أولئك المحامين منسوبي قوى الحرية والتغيير الذين كان بإمكانهم إثارة الموضوع داخل تحالفهم السياسي وحكومة حمدوك .هيئة محامي دارفور سعت للإطلاع على محضر الدعوى لأخذ المزيد من المعلومات ومن العمال ولكن كانت المفاجأة قد تمت تسوية مطالب المدعيين بالدولار خارج المحكمة وتم سحب ملف الدعوى من المحكمة، لقد تدخلت الأصابع النافذة حتى في القضاء وتم دفع المرتبات بالدولار وسحب الملف من المحكمة لطي السر الذي بدأ يتكشف للعلن .
حامية عسكرية لفاغنر في أم دافوق :
عقب نجاح الثورة في عزل البشير ابتعثت هيئة محامي دارفور فريقا إلى منطقة أم دافوق الحدوية مع دولة أفريقيا الوسطي وتمكن الفريق المذكور من رصد مجموعة فاغنر وتحركاتها ومعداتها العسكرية وبالصور الموثقة أصدرت الهيئة عدة بيانات ليأخذ الرأي العام السوداني علما ، وطالبت مجلس الوزراء ورئيسه د عبد الله حمدوك بالتدخل ولكنهما لم يفعلا ذلك، فمثل هذه الأمور والقضايا لم تكن من الأولويات . بعد أكثر من عام وصل إلى الخرطوم أحد أقربائي الذي ذكر لي أنه صادف بعض من أعضاء فريق هيئة محامي دارفور بأم دافوق وكان يعرفهم ولكن تعاملوا معه بحذر شديد ، وسألني لماذا ذهبوا إلى أم دافوق وذكرت له أنهم ذهبوا لأم دافوق لرصد أنشطة فاغنر وأخرجت له صور المعسكرات وقائدهم التي تم نشرها في الوسائط، وضحك بشدة ورد علي ساخرا ما كان يحتاج منكم لكل ذلك التعب لو كنتم تواصلتم معي وذكر لي انه تم انتدابه رسميا للعمل مع شركة فاغنر وعمل معهم لفترة طويلة وعن صورة الرجل الملتحي قال لي هذا قائدهم الشياشني المسلم كان إمامنا في الصلاة وهذه قهوة الحاجة (فلانة) التي نشرب منها الشاي والقهوة وحدثني عن معلومات ضافية عن القوى العسكرية لفاغنر وعتادها وانه هو نفسه تم إنتدابه من عمله الرسمي بالقوات النظامية ليقود عربة قائد فاغنر الشياشني المذكور .
تهريب الذهب عبر مطار الخرطوم :
لقد كان المرحوم د موسى كرامة وزير التجارة الأسبق في عهد البشير حريصا على نقل وقائع تهريب الذهب إلى دولة الإمارات وتخريب الإقتصاد ، كما وكانت قيادات الحركات المسلحة المنضوية للسلطة بموجب اتفاق سلام جوبا قد تركت شعارات الكفاح المسلح جانبا وصار كل همها السلطة والذهب والمعادن.
لقد صار تهريب الذهب ونقله داخل البلاد وخارجها في عهد حكومة الثورة يتم بصورة اعتيادية عبر المطارات ، لقد زارني أحد أقاربي الذي قدم إلى الخرطوم من نيالا بمكتبي بالخرطوم وذكر لي انه وهو متوجها إلى صالة المغادرة بمطار نيالا حضر إليه أحد الضباط من معارفه وذكر له بأن هنالك (قفة لحمة) أمانة ستوضع معه في الطائرة وعليه ان يحرص عليها وسيستلمها منه أحد الضباط بمطار الخرطوم، قال انه لاحظ ان (قفة اللحمة)التي أدخلها أحد عمال المطار ثقيلة جدا وحينما هبطت الطائرة بمطار الخرطوم وجدها ثقيلة ورفعها بصعوبة بالغة وأكتشف أن بداخلها سبائك ذهب ، وفي سلم الطائرة وقبل النزول حضر ضابط كبير وعرفه بنفسه ومعه عامل بالمطار وأخذ (قفة اللحم) ، وفي اليوم التالي أتصل به ذلك الضابط وطلب منه الحضور لمقابلته بوسط الخرطوم وأعطاه مظروف مالي فاعتذر عن استلامه ولكنه أصر عليه وقال له (هذه للمواصلات) وأتضح له ان المظروف مبلغا ماليا يعادل مرتباته ونثرياته في وظيفته الحكومية لعدة أشهر .
هذه من بعض الممارسات الخفية في ظل عهد حكومة دحمدوك، لقد كانت سلطة د. حمدوك صورية، ولم تكن قيادات قوى الحرية والتغيير حريصة على الإنتخابات وتريد الإبقاء على الوضع كما هو عليه لأطول فترة ممكنة، ووجد المكون العسكري الفرصة مواتية لإنشاء التحالفات العسكرية والسياسية وكان حمدوك ونشطاء المجتمع المدني والسياسي في غمرة نشوة مظاهر السلطة الإسمية.
صناعة الحركات المسلحة في ظل عهد حكومة ثورة دبسمبر المجيدة :
في المقال القادم بمشيئة الله تعالى ساتناول صناعة الحركات المسلحة في عهد حكومة ثورة ديسمبر المجيدة بشهادة الشهيد القائد خميس عبد الله أبكر والي ولاية غرب دارفور وكيف تم تأسيس حركة تمازج التي لا وجود لها على الأرض عند توقيع إتفاق سلام جوبا ، وكيف أصر الوسيط الجنوبي مستشار الرئيس سلفاكير توت قلواك على توقيع حركة بإسم تمازج كما وكيف أصبح العامل بالبعثة الدبلوماسية السودانية بنيويورك حافظ إبراهيم نائبا لرئيس التحالف السوداني ووزيرا للثروة الحيوانية. نواصل.