مقالات الرأي

من الذي يقف وراء إعادة تشكيل الدولة السودانية؟وماذا يريد محمد بن زايد؟ (٦)


بقلم: الصادق علي حسن

صناعة الحركات المسلحة والتنظيمات في عهد حكومة ثورة ديسمبر المجيدة :

يجد الباحث في الوثيقة الدستورية لسنة ٢٠١٩م السارية المفعول والتي بموجب أحكامها تأسست حكومة الفترة الانتقالية برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك أنها وُضعت بعقلية التنظيمات السياسية التي لم يسبق لها أن فازت في العمليات الإنتخابية العامة التي جرت منذ إعلان إستقلال البلاد من داخل البرلمان في ١٩٥٦م (الديمقراطيات الأولى والثانية والثالثة) ، وعقلية التنظيمات الجديدة التي تشكلت في ظل دكتاتورية (النميري/الإنقاذ) مثل حزب المؤتمر السوداني ، وغالبية هذه التنظيمات السياسية لم يتم إختبار ثقلها الجماهيري في أي إنتخابات عامة ، فهي حديثة النشأة والتجربة ، ولكنها مستعجلة في الوصول إلى السلطة وتولي الحكم، عقب نجاح ثورة ديسمبر المجيدة وضعت بعض هذه التنظيمات والأحزاب السياسية قليلة الخبرات والتجارب ذاتها في مصاف التنظيمات الحزبية الكبيرة التي تم اختبارها جماهيريا في الإنتخابات العامة ،بل وهنالك قيادات منها من تصدرت دفة قيادة منصة العمل العام وأعطت لنفسها صفة وحق قيادة جماهير ثورة ديسمبر المجيدة وإبعاد غيرها من قوى الثورة الحقيقة ، أيضا تجمع المهنيين السودانيين تشكل بعقلية التنظيمات الحزبية والمحصصات السياسية ،ولم يهتم التجمع المذكور منذ تكوينه بتنظيم التكوينات المهنية والنقابية وشؤونهما وقد صار مثل الأحزاب والتنظيمات السياسية ، مشغولا بالبحث عن السلطة والحكم . إن غالبية الأجسام والتكوينات والتنظيمات التي تصدرت المشهد السياسي عقب نجاح ثورة ديسمبر المجيدة في عزل البشير،لم تكن لديها الرغبة الأكيدة في قيام الإنتخابات العامة، كما ولم تعمل من أجل قيامها ، وتناست شعارات الثورة المرفوعة (الثورة ثورة شعب والسلطة سلطة شعب) والجداول الزمنية للعملية الإنتخابية ، وقد أظهرت المطامع الذاتية في الاستحواذ على السلطة، كما وقام المُشرع الدستوري لقوى الحرية والتغيير (قحت) من خلال التشريع بتقنين وضع السلطة الانتقالية في أيادي هذه التنظيمات والأحزاب السياسية وليس التأسيس الدستوري السليم وإستعادة الوضع الدستوري المُنقلب عليه والمُقوض في ٣٠/يونيو/ ١٩٨٩م ، بل وخولها ذلك المُشرع الدستوري كل المهام والسلطات والصلاحيات التي تتطلب التفويض الإنتخابي من الشعب بموجب أحكام الفصل الثاني المادة (٨) البنود(١- ١٦) من الوثيقة الدستورية (مهام الفترة الانتقالية تحقيق السلام -الغاء ووضع القوانين – محاسبة منسوبي النظام البائد – معالجة الأزمة الإقتصادية وإرساء أسس التنمية المستدامة – الإصلاح القانوني – تسوية أوضاع المفصولين من الخدمة المدنية والعسكرية وجبر الضرر- تعزيز حقوق النساء ودور الشباب- إنشاء آليات للإعداد لوضع دستور دائم للبلاد – عقد المؤتمر الدستوري – إصلاح أجهزة الدولة ووضع سياسية خارجية متوازنة – الرعاية الاجتماعية – تفكيك بنية التمكين لنظام الثلاثين من يونيو ١٩٨٩م وبناء دولة القانون والمؤسسات – تشكيل لجنة تحقيق وطنية مستقلة في الإنتهاكات التي جرت منذ يونيو ٢٠١٩م ) ، ولم يترك مُشرع (قحت) للشعب السوداني أي صلاحيات ليمارسها بواسطة نوابه في حال انتخابهم ( في الإنتخابات العامة المحتملة )، لقد كان في صالح منسوبي هذه القوى السياسية بعد ان نالت الوظائف القيادية في الدولة والمهام والسلطات بموجب أحكام الوثيقة الدستورية ان (لا) تهتم بالعمل الجاد من أجل قيام الإنتخابات العامة وفي مقدورها تمديد أجل الفترة الإنتقالية لأطول فترة ممكنة خاصة وقد تم تأخير تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي المنوط به ممارسة التشريع في الفترة الانتقالية لتعذر التوافق في اختيار عضويته وكل حزب أو تنظيم كان يسعى ليكون له النصيب الأكبر . إن إنشاء مجلس انتقالي للتشريع في الفترة الانتقالية (سابقة تشريعية في تجارب أنظمة الانتقال السودانية )، ففي ظل تجربتي الإنتقال السابقتين (أكتوبر ١٩٦٤- رجب/ أبريل ١٩٨٥م) كانت مهام الانتقال الأساسية محصورة في ترتيبات إجراء العملية الإنتخابية العامة ونقل السلطة لصاحب السلطة وهو الشعب السوداني عن طريق التفويض الإنتخابي، ولكن مُشرع (قحت) جعل حتى برنامج الحكومة الانتقالية لثورة ديسمبر المجيدة بموجب أحكام الوثيقة الدستورية هو برنامج (قحت) وقد نص في الفصل الخامس المادة (١٦ /١) من الوثيقة الدستورية على ان : تكون لمجلس الوزراء الاختصاصات والسلطات الآتية :
(تنفيذ مهام الفترة الانتقالية وفق برنامج إعلان قوى الحرية والتغيير الوارد في هذه الوثيقة)، ولم يكن هنالك أي برنامج وارد بالوثيقة الدستورية.
صناعة الحركات والتنظيمات السياسية :
١/ صناعة تمازج.
ظلت هيئة محامي دارفور منذ تأسيسها تتولى القضايا وتقدم العون القانوني في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان، وعند اندلاع الحركات المسلحة في دارفور (٢٠٠٢/ ٢٠٠٣)بادرت باعلان ان مطالب الحركات المسلحة المرفوعة عادلة ومشروعة كما وظلت مساندة لقضايا الحقوق والحريات المرفوعة عموما، ولكنها في ذات الوقت ظلت بعيدة تماما عن العمل المسلح وتعتمد الوسائل السلمية المدنية في مناهضة إنتهاكات النظام البائد وتستجيب لكل مطالب العون القانوني كما وترفض تسيس دور المجتمع المدني والحقوقي ، وظلت تعتبر نفسها أنها معنية بالتصدي لكل الإنتهاكات التي تقع على الحقوق الخاصة والعامة الممارسة بواسطة أجهزة الدولة الرسمية وعلى رأسها جهاز الأمن .
عقب توقيع اتفاق سلام جوبا زرت وثلاثة من الزملاء وهم (آدم راشد/ نفيسة حجر/كمال محمود) القائد خميس عبد الله أبكر (بعد عودته للخرطوم قبل توليه لمنصب والي ولاية غرب دارفور) وكان ذلك بمسكنه بمدينة المعمورة بالخرطوم وكانت الزيارة الإجتماعية مناسبة تم خلالها استفساره عن حركة تمازج التي وقعت مع الحركات المسلحة الأخرى على اتفاق سلام جوبا،وبحسب علمنا لا توجد في أرض الواقع بدارفور ولا كردفان أي حركة تسمى تمازج.
إفادة القائد خميس عبد الله أبكر :
القائد خميس عبد الله أبكر رئيس التحالف السوداني في إفاداته التي سمعناها منه بحضور مساعده عبد اللطيف حماد تطابقت تماما مع روايات أخرى، أنه وقبل حوالي ثلاث ساعات من التوقيع على اتفاق سلام جوبا لاحظ الطرف الممثل للحركات المسلحة في دارفور وجود حركة بإسم تمازج ضمن قائمة الموقعين، وأستفسرت قيادة حركات دارفور عن هذه الحركة وأين مكان وجودها ولم يجدوا إجابة وأضحة لدى توت قلواك مستشار الرئيس سلفاكير الذي يقوم برعاية المفاوضات وظل قلواك بحسب قول خميس (يخرج ويمرق) وقادة الحركات مصرة على عدم وجود حركة بإسم تمازج وإن كان لا بد من توقيعها فعليها ان توقع مع الطرف الذي يمثل الحكومة الانتقالية، ولكن قلواك لم ييأس وأصر على توقيع تمازج كما (ظل يدخل ويمرق ويدخل ويمرق) ولم يتبق سوى دقائق لبداية الإحتفال وهنالك ضيوف دوليون والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي والأفريقي ووفود دول الجوار ولإصرار قلواك وحتى لا يفشل الحفل المحضور بالوفود الدولية ونتائجه المحبطة للجميع كما قال القائد خميس عبد الله ، وافق قادة الحركات المسلحة على توقيع حركة غير موجودة فعليا بإسم تمازج ضمن القائمة الخاصة بهم وهم لا يعرفون عنها شيئا، وقال خميس ان حركة تمازج صنيعة الإستخبارات العسكرية ولا وجود لها وقتذاك إلا على الورق، و بتوقيع حركة ورقية بإسم تمازج قام الإستخبارات العسكرية بفتح المعسكرات لتمازج في دارفور و كردفان، كما وصارت لها قوات داخل الخرطوم وتكررت منها حوادث الإنتهاكات والفوضى داخل البلاد وعدم احترام القانون، وقبل الحرب الدائرة اقتحمت مجموعة من عناصر تمازج حراسة شرطة الخرطوم وسط وقامت بإطلاق سراح منسوبيها المقبوضين في بلاغات جنائية عادية وأطلقت النيران في القسم وفي الشارع وأرهبت رجال الشرطة والمدنيين وأخذت منسوبيها نهارا جهارا وذهبت والتزمت أجهزة الدولة الصمت المطبق كأن لم يحدث شيئا.
لقد كانت تمازج صنيعة قيادة الجيش لاختراق الحركات المسلحة في الفترة الانتقالية واضعافها ،وذلك ما حدث بالفعل ومن خلال الامكانيات التي تدفقت لتمازج صارت أكثر قوة ومنعة وعددا من العديد من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا .
صناعة التحالف السوداني :
في ١١/ سبتمبر/ ٢٠١٩ تم توقيع ما تم تسميته بإعلان جوبا لبناء الثقة والتمهيد للتفاوض وتم فيه تحديد أطراف التفاوض وتاريخ بدأه ، ووقعت غالبية الحركات المسلحة على الإعلان مع ممثل الحكومة الانتقالية ، ولم يكن من بين الموقعين التحالف السوداني، وسعى حميدتي رئيس لجنة التفاوض عن الحكومة الانتقالية لصناعة حركات مسلحة تتعاون معه وتستمد نفوذها منه ويتقوى بها، في أكتوبر ٢٠١٩م تم بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا إعلان تأسيس التحالف السوداني للتغيير الذي ضم حركة العدل والمساواة السودانية الجديدة بقيادة د منصور أرباب وحركة العدل والمساواة الديمقراطية بقيادة إدريس أزرق وحركة الإصلاح والتنمية بقيادة إدريس شايبو وحركة القوى الثورية بقيادة حافظ إبراهيم عبد النبي وتجمع كردفان للتنمية (كاد) بقيادة علي شحتو، وأستعد التحالف للإنضمام إلى مفاوضات جوبا وأختار د. منصور أرباب رئيس حركة العدل والمساواة السودانية الجديدة رئيسا عليه وأعترضت قيادة العدل والمساواة السودانية بقيادة د. جبريل إبراهيم على أي تمثيل للدكتور منصور أرباب على خلفية انشقاقه عن حركة العدل والمساواة السودانية الأم وتأسيسه لحركة العدل والمساواة السودانية الجديدة وتمت أزاحه د منصور أرباب من قيادة التحالف وتعديل إسمه للتحالف السوداني بدلا عن التحالف السوداني للتغيير وإسناد رئاسته للقائد خميس عبد الله أبكر رئيس حركة تحرير السودان (قيادة خميس أبكر )وضم التحالف في صورته المعدلة الحركات التالية :
المجلس الثوري السوداني بقيادة بحر آدم كرامة.
الحركة الشعبية لتحرير السودان إقليم دارفور بقيادة عبد الخالق دودين.
الحركة الشعبية لتحرير السودان لواء أبو مطارق بقيادة سعيد يوسف ماهل.
الحركة الوطنية السودانية بقيادة محمد هرون محمد.
جبهة القوى الثورية بقيادة حافظ عبد النبي.
حركة الإصلاح والتنمية بقيادة الصادق شايبو.
تجمع كردفان للتنمية (كاد) بقيادة علي شحتو.
جبهة القوى الثورية بقيادة موسى حسان كولس.
حركة العدل والمساواة الجديدة بقيادة آدم كسلا.
تحالف القوى الشعبية بقيادة محمد عبده شاهين.
حزب تحالف كردفان الكبرى بقيادة محمود أبوبكر .
وظلت أصابع حميدتي بارزة في تكوين التحالف السوداني الذي ترأسه القائد خميس عبد الله أبكر وينوب عنه العامل بالبعثة السودانية بنيويورك حافظ إبراهيم عبد النبي، حافظ عبد النبي تم تعينه سابقا بموجب خطاب أرسله حميدتي للبشير قبل عزله لتعيينه مع آخرين دبلوماسيين بالبعثة السودانية بالولايات المتحدة الأمريكية ولم تكن له مؤهلات الدبلوماسي وتم تعيينه عامل أمن بالبعثة الدبلوماسية بنيويورك ومن مقر عمله بنيويورك قام مع زملائه بتأسيس التحالف السوداني للتغيير فالتحالف السوداني وصار نائبا لرئيسه وبناءً على قسمة محاصصات جوبا تولى وزارة الثروة الحيوانية، ولم يكن للتحالف السوداني أي نشاط عسكري أو سياسي قبل التحقه بالسلطة .لقد كان الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام لقوات الشعب المسلحة ونائبه في مجلس السيادة قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)يقومان بصناعة التحالفات والحركات المسلحة من خلال اتفاق سلام جوبا كما كان يفعل مجذوب الخليفة في مفاوضات أبوجا، ليأتي د. عبد الله حمدوك رئيس مجلس وزراء حكومة الثورة ويشهد احتفالات مراسيم توقيع السلام بجوبا في ٣١/ ديسمبر/ ٢٠٢٠م بحضور الوفود والبعثات الدبلوماسية والإتحاد الأفريقي والأوروبي والترويكا والمنظمات الدولية والمحلية ويرحب بالاتفاق وبجموع الحضور من الوفود والمشاركين وهو لا يدري ما يفعله شريكه العسكري .
في المقال القادم بمشيئة الله تعالى سنتناول كيف أعلن الفريق سليمان صندل وزملاؤه بحركة العدل والمساواة السودانية في مؤتمر تم تنظيمه بأديس أبابا إعلان عزل رئيسه د. جبريل إبراهيم وتنصيب نفسه في محله رئيسا للحركة ومن هنالك قفز مؤسساً ل(تقدم) وهو من كوادر حركة الإسلام السياسي منذ ان كان طالبا ثم بحزب المؤتمر الوطني عند تأسيسه ، ثم الخروج عليهما لحركة العدل والمساواة السودانية ،فهل ستظل قوى ثورة ديسمبر المجيدة قابعة في مكانها في انتظار د.عبد الله حمدوك رئيس (تقدم) وقوى (تقدم) وسليمان صندل والإتفاق السياسي لعزل المؤتمر الوطني من المشاركة السياسية في الفترة الانتقالية وتشتري الترام للمرة الثانية -واصل.

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x