مقالات الرأي

مهمتنا هي مواجهة الجهل بالمعرفة، والتعصب بالتسامح

بقلم: الدومة علي

تتمثل مهمتنا في مجابهة الجهل بالمعرفة، والتعصّب الأعمى بالتسامح، وانطلاقًا من هذه الرؤية، لا بد أن نُدرك أن أساس هذه المهمة يبدأ بتشكيل مشروع وعي جمعي يخدم الشعوب المقهورة، التي عانت من التجهيل القسري عبر التاريخ. ويتطلب هذا المشروع سعيًا حثيثًا لإخراج تلك الشعوب من مناهج تغييب الوعي التي فُرضت عليها، إما عن عمد أو نتيجة لأنظمة استلاب ممنهجة خدمت مصالح فئات تسترت خلف شعارات وطنية زائفة.

إن مشاريع استنارة العقول لا تنطلق إلا من قبل المستنيرين الذين تجاوزوا المصالح الضيقة، وتحرروا من القيود الفكرية المصطنعة، التي لا تعبّر عن آمال الشعوب، ولا تلبي تطلعاتهم، بل تُعمّق الفجوة بينهم وبين مشروعهم الوطني الحقيقي. ومن هنا، تأتي أهمية بث مناهج التنوير التي تقف في مواجهة مباشرة مع سياسة التجهيل الممنهجة، وفضحها ومحوها من الوجود، عبر أدوات البحث العلمي والنقد الموضوعي، لتشخيص أسبابها، وتفكيك مرجعياتها، ثم بناء أسس فكرية جديدة، تضع في الاعتبار معرفة جذور الأزمات وتحديد أهداف التغيير، المستمدة من فهم عميق لواقع تلك الشعوب.

غالبًا ما تأسست تلك الأزمات على بنى مشوّهة أنشأتها مجموعات صفوية، انطلقت من دوائر ضيّقة، سعت للهيمنة على مقدّرات الأغلبية، عبر السيطرة على الوعي الجماهيري واستغلال الموارد، مستخدمة في ذلك أساليب التلقين، وترويج الشعارات المنمّقة التي تنطوي على سياسات “فرّق تسد”، بالإضافة إلى الخطابات الديماغوجية التي تُوجَّه لعامة الناس، وتتوافق غالبًا مع أيديولوجيات تلك الفئات، بهدف الحفاظ على امتيازاتهم التاريخية، حتى وإن أدّى ذلك إلى سقوط الوطن في الهاوية، كما هو الحال في السودان اليوم.

وعليه، فإن المعرفة المنشودة يجب أن تُستمد من واقع الشعوب، عبر احترام ثقافاتهم، وعاداتهم، وتقاليدهم، ومعتقداتهم الروحية، التي ينبغي الاعتراف بها وتضمينها في الدستور الدائم، الذي يضمن الحقوق والواجبات بالتساوي بين جميع المواطنين، ويعزز قيم الدولة الوطنية المبنية على أسس المواطنة الكاملة.

وعندما تُحقق هذه الحقوق الإنسانية المشروعة وتصبح واقعًا ملموسًا، فإن التعصب سيندثر تلقائيًا، لأنه في أصله نتاج أفكار رجعية وخاطئة، تعبّر عن الكراهية ورفض الآخر. وبزوال هذه الأفكار، ستسود قيم التسامح التي تخلق مجتمعات متماسكة، منفتحة على بعضها البعض، تحكمها المبادئ والأهداف التي نصّ عليها الدستور، وتعكس الإرادة الجمعية للشعب، ضمن إطار من السيادة الوطنية النابعة من وجدان الشعوب، بعيدًا عن أي تلاعب خارجي أو شعارات فكرية مُضلّلة.

*نائب رئيس مجلس التحرير الثوري
بمكتب حركة/ جيش تحرير السودان – فرنسا

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x