نحو التحول الديمقراطي بالسودان
بقلم: محمد عز الدين (صولون)
إن السودان واحد من البلدان التي عاشت المعاناة مع الإستعمار (الحكم التركي المصري، الدولة المهدية التي تأسست علي تجارة الرقيق، الحكم الإنجليزي المصري) ثم المستعمر الداخلي أي ” أقلية صفوية من أبناء الوطن” الذين ورثوا مقاليد الحكم من المستعمر ووظفوا موارد الدولة لخدمة اهدافهم الخاصة ، ووقفوا عقبة أمام بناء وطن لكل السودانيين وفق المواطنة المتساوية، وفشلوا في تأسيس وطن بأسس حديثة منذ 1956م وحتي هذه الحظة، وقد تقلدوا زمام السلطة ولم يكن لديهم مشاريع وطنية قادرة على إدارة التعدد والتنوع داخل الدولة مما أفرز إشكاليات في التحول الديمقراطي وتمظهرت في النحو التالي:ـ
-حروب أهلية منذ 1955م ولا يزال شعبنا يعاني من القمع والتعسف وانتهاك حقوق الإنسان وإفتقاد حقوق المواطنة، وغياب الحريات العامة منها المدنية والسياسة والإقتصادية، التي بسببها تولدت الكراهية وعدم التناغم والإنسجام.
-أحزاب سياسة ضعيفة، ظلت تتسلق ثورات الشعب وتجهضها قبل أن تكتمل، ثم يسلمونها للعسكر، ثم ينتفض الشعب مرة أخري وهكذا تدور بلادنا في الحلقة الشريرة (الدائرة الجهنمية).
-وجود مليشيات تدعي بأنها نظامية ولكن حقيقتها عكس ذلك، وافتقار (الجيش) للقومية والمهنية، وكل ما يقوم به هو إبادة الشعب وقمع الثورات وشن الإنقلابات وحماية مصالح الأقليات الصفوية وليس الوطن وترابه.
-عدم وجود دستور قومي متوافق عليه يشمل كافة الشعب مما أفرز النزاعات وعدم الإستقرار السياسي.
-الصراع حول كرسي السلطة وليس البناء، وقد أصبح اليوم الصراع السلطوي هو المحرك الأول، وهو يكشف الأزمة الراهنة بكل تجلياتها، وطموح الانقلابيون وممارساتهم لتفكيك أجهزة الدولة برمتها وصنع مليشيات خاصة لحماية أطماع الصفوة ، وحتي الجيش تم تدجينه لخدمة هذه الأهداف الخاصة بهذه الفئة.
-لم يتم الإجابة على سؤال من نحن (هوية السودان) وعلاقة الدين بالدولة، فضلاً عن مخاطبة جذور الأزمات الوطنية.
مفهوم الديمقراطية
هي مجموعة من القيم والسلوك وتطور الوعي العلمي والثقافي والسياسي ، وتهدف إلى توفير بيئة ملائمة للأنشطة المختلفة ،وتتمظهر في المؤسسات السياسية والإجتماعية والإقتصادية وصولاً إلى مستوي السلطة ، وفق القانون والحكم الرشيد.
فالديمقراطية في جوهرها قائمة على إدارة الشعب لنفسه بنفسهِ، فلا معني للديمقراطية إذا فرض ثقافة ما على باقي الثقافات، بل الديمقراطية تعمل للمحافظة على الثقافات وفتح المجال التنافسي حول السلطة سلمياً وفقاً للقانون، وللخروج من عنق الأزمة الوطنية واستشراف تحول ديمقراطي حقيقي، يجب الأخذ والعمل بالآتي:
1/ أن يكون لكل فرد حقوقه الوطنية والقومية التي تم التأكيد عليها عبر المواثيق والمعاهدات الدولية ، ويتم تضمينها في الدستور، لأن الحرية قيمة إنسانية لا يحق لأحد مصادرتها ولكل فرد حق (الانتماء، والتعبير، والتفكير، ووإلخ) ومناقشة أفكار الأفراد من أجل البناء والتطوير، كما لا يمكن أن تكون هنالك حرية مطلقة.
2/ يجب علي الأنظمة السياسية فسح المجال كاملاً أمام تطور وتحديث البنية السياسية باعتبارها المقدمة للإصلاح في مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع بأكمله.
3/ لابد من إنهاء وتفكيك كافة مرتكزات النظام الشمولي والأحزاب الآيدلوجية، وذلك من أجل بناء دولة الكُلْ الإجتماعي وفسح المجال للأحزاب البرامجية.
4/ إقرار العدالة الإجتماعية، والتي بسبب غيابها، اندلعت حروبات أهلية طاحنة، ولا مفر من تحقيق العدالة لضمان وحدة الوطن وعدم تقسيمه إلى دويلات، وإزالة كافة الفوارق الإجتماعية وتطبيق سياسة التمييز الإيجابي للمجموعات الأكثر تضرراً وأن تكون المواطنة هي الأساس الأوحد لنيل الحقوق وأداء الواجبات، دونما تمييز ،وأن يتم تسليم المجرمين المطلوبين إلى المحكمة الجنائية الدولية.
5/ تحقيق السلام العادل والشامل والمستدام بما يرضي كافة أبناء الشعب السوداني، فالسلام قبل أن يكون مسألة إجرائية للعمل السياسي لابد أن يتبلور داخل النسيج الإجتماعى للوصول الي درجة من التسامح داخل المجتمع وذلك بتنفيذ مطلوباته والتي تتمثل في نزع سلاح مليشيات الجنجويد التي تهدد أمن المجتمع، وإرجاع النازحين واللاجئين إلي قراهم ،وتعويضهم مادياً ومعنوياً، وطرد المستوطنين الجدد.
6/ إعمال مبدأ الشفافية، وإعتراف كل القوى السياسية الآيدلوجية الرجعية بأخطائهم التاريخية وأن تعتذر للشعب، وتقر بعدم تكرار أخطاء الماضى مجدداً.
إن السودان يسير نحو الإنزلاق في هاوية التشظي والتمزق والحرب الأهلية، ويجب علينا جميعاً أن نستمر في ثورتنا السلمية حتي نسقط الإنقلاب الجاثم على صدر الشعب وتكوين حكومة مدنية إنتقالية تقود الانتقال وفق مشروع وطني متوافق عليه، وتنجز كافة أهداف وشعارات ثورتنا المجيدة.
وفي الختام أقول: سوف نمشي على درب الثورة إلى أن تشرق شمس الديمقراطية في بلادنا ونحقق القيم الإنسانية النبيلة التي مهرناها بالدماء والدموع.
17 أبريل 2022م