مقالات الرأي

توقيع السلام واستمرار الحرب: “إتفاق جوبا نموذجاً”..!!

بقلم: إبراهيم يحي أبكر (انجكشن)

عندما يكون هناك إتفاق سلام ثنائي بين تجار الحروب والأنظمة العسكرية، كما حدث في إتفاق جوبا، فإن النتيجة النهائية لهكذا سلام هي الفشل والعودة إلى مربع الحرب!.

إن مسار شرق السودان المحدد في إتفاق جوبا ورفض أغلب مكونات الشرق له ومعارضته بشدة مما قاد إلى أزمة ونتائج وخيمة كادت أن تعصف باستقرار شرق السودان والوطن بأكمله، وهو أبرز مثال لفشل سلام جوبا الذي حمل عناصر فنائه في جوفه.

من المفترض وقبل التفكير في توقيع اتفاقيات سلام جزئية وثنائية تم تجريبيها وأثبتت فشلها، أن يتم الجلوس لوضع خارطة طريق للسلام وتحديد جذور مشكلة السودان التاريخية مع ترتيب ووضع الحلول اللازمة في هذه الخارطة كي نعالج مشكلة السودان دفعة واحدة دون تجزئة ومسارات كما حدث في جوبا، حتي نطفي أي شرارة يمكن أن تقود للحرب، ونعيش في ديمومة السلام الاجتماعي كما ينبغي.

هل الحرب تدمر الشعوب؟

نعم الحرب تدمر الشعوب وتترك آثاراً عميقة لا تزول بسهولة، وتعيق الأمم والشعوب عن التقدم والتطور، وبدون سلام واستقرار لا يمكن الحديث عن تنمية وتقدم ونهضة ورفاه.
فإن تجار الحروب وسفاكي الدماء الذين سوف يدونهم التاريخ ، لن تذكرهم الأجيال سوي انهم قتلة وجزارين وتجار حروب ودمار، ولكن الأجيال يحتاجون إلي معرفة الشخصيات الوطنية الحقيقية التي يشار إليها بالبنان من حيث العلم والمعرفة والإبتكارات العلمية وقادة التغيير والتحرر الوطني، وكل مساهم في دفع عجلة التطور داخل الدولة السودانية بعكس الشخصيات السايكوباتية مثل أولئك الجزاريين المشار إليهم.

إن الحروب التي دارت في العالم قد دمرت شعوبها، ولكنهم استطاعوا بناء بلدانهم بعكس الذي يحدث في السودان، لان شعوب تلك الدول قد رسموا خارطة طريق واضحة المعالم بعقول نابغة وغير صفوية، ووضعوا مصلحة الدولة فوق كل شيئ، لذا استطاعوا العبور ببلدانهم إلى بر الأمان، وهذا ما نحتاجه اليوم في السودان كي نستطيع بناء دولة تحترمنا كبشر.

هل السلام الذي صنع في جوبا تكراراً لسابقاته؟

نعم بما لا يدع مجالاً للشك هو تكراراً لسابقاته إبتداءًا من مؤتمر المائدة المستديرة المنعقدة في جوبا 1965م مروراً بإتفاقية أديس أبابا 1972م التي وقعها النميري مع جوزيف لاقو وقيادات تمرد الأنانيا (1) في جنوب السودان، واعلان كوكادام 1986م بين التجمع الوطني المعارض وقادة التمرد في جنوب السودان، حتي توقيع اتفاق جوبا في 2020م ليكون الإتفاق رقم 47 من جملة الإتفاقيات الجزئية والثنائية الفاشلة التي لم تحقق التغيير الشامل والسلام العادل والمستدام بل فاقمت من الأوضاع ، ولم يجنِ السودان من هذه الإتفاقيات سوي الحروب والدمار وإطالة أمد الصراع.

من المخازي بعد توقيع الوثيقة الدستورية التي شرعنة للمساومة بين قوى الحرية والتغيير وجنرالات البشير ، والتي نصت على وضع السلام كأولوية من مهام الفترة الإنتقالية وأن يتم حقيق السلام خلال سته أشهر، إلا إنهم لم بستطيعوا تحقيقه في ستة شهور كما وعدوا بل لم يحققوه حتي الآن بل. وأضحى السلام حلماً بعيد المنال، وكل ما قاموا به آنذاك هو التنازل عن ملف السلام للشريك العسكري، الذي وقع ما يسمي باتفاق جوبا وكانت محصلته صفراً كبيراً بل أصبح عقبة في تحقيق اهداف الثورة وحاضنة سياسية لإنقلاب 25 إكتوبر 2021م.

ففي الوقت الذي كانوا يتحدثون عن إرساء السلام بالسودان خلال ستة أشهر كما ورد في وثيقتهم الدستورية واعلانهم السياسي ، كان القوات الحكومية ترتكب المجازر بحق الثوار والمدنيين العزل كما حدث فى مجزرة الأبيض، وفض إعتصام فتابرنو ونيرتتي وكتم وكادقلي وشرق السودان، وهذا علي سبيل المثال وليس حصر جرائمهم التي لا تعد ولا تحصي.

هل الدولة السودانية تحتاج الي سلام؟

بالتأكيد تحتاج إلى السلام كي يتحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي والإجتماعي والأمني ، وهذه لا تأتي إلا بمناقشة ومخاطبة جذور المشكلة بدقة ووضع الحلول الناجعة، مع ضرورة تسليم مرتكبو جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية إلى المحكمة الجنائية الدولية،حتي يكونوا عظة وعبرة لكل من تسول له نفسه بإرتكاب مثل هذه الجرائم، مع ضرورة إنصاف الضحايا وتعويضهم فردياً وجماعياً ، وتدوين تاريخ الذين بذلوا الغالي والنفيس لإرساء قيم السلام الإجتماعي ، وإعادة كتابة تاريخ السودان باقلام أمينة وعيون صادقة، ومحو كل التشوهات التي كتب بها التاريخ المنحاز لفئات محددة لم يكن لها دوراً في التاريخ بل كانت في الجانب الخطأ منه، فصنعوا منهم أبطالاً من ورق، لتكون الأجيال القادمة ملمة بتاريخ وطنها الحقيقي.

كيف يتم إطفاء نيران الحروب في السودان؟

يتم إطفاء نيران الحروب في السودان بالآتي:
1- مخاطبة جذور الأزمة السودانية بصورة كلية دون تجزئة.

2- وضع خارطة طريق شفافة وواقعية لصياغة الدولة السودانية الحديثة.

3- إقرار الدولة العلمانية التي تقف على مسافة واحدة بين الأديان.

4- التأسيس لمبدأ قبول الآخر المختلف.

5- أن تكون المواطنة المتساوية هي الاساس الأوحد لنيل الحقوق وأداء الواجبات.

6- وضع برامج لإدارة التنوع والاعتراف به ،وجعله مصدر قوة وإلهام وليس مصدر للفرقة والحروبات.

الخلاصة:

إن السلام أولوية قصوي لدرء الحرب وخلق فرص التعايش السلمي في وطن يبني علي أسس المواطنة المتساوية وقبول الآخر وإحترام التعدد والتنوع وحسن إدارته، ودولة المؤسسات وسيادة حكم القانون ، والفصل الواضح بين المؤسسات الدينية ومؤسسات الدولة، وإعلاء قيم الحوار والإبتعاد عن حل المشكلات بالإقصاء والأساليب الأمنية والعسكرية، وتثبت قيم الديمقراطية كسلوك وممارسة، والإدارة الرشيدة للدولة عبر نظام فيدرالي (لامركزي) ، والتقسيم العادل للسلطة والثروة بين جميع أقاليم السودان ، والتمييز الإيجابي للأقاليم المتاثرة بالحرب.

17 أبريل 2022م

مقالات ذات صلة

5 1 vote
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Waleed
Waleed
1 سنة

قدام

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x